تتخذ الأوضاع في اليمن ابعادا و اوجه متعددة مع إستمرار الأزمة اليمنية بوتبرة عالية وشرسة وانفعالية في بعض مفاصلها، تدعوا غالبية المواطنين ومعظم النخب السياسية للقلق والحذر والتوجس من انزلاق البلاد إلى الشلل التام. ودلالة ما يجري ذو خلفية سياسية، يعني ثمة صراع مرير واضح على السلطة يحركها خفية وعلنا يصعب على قياداتها التحكم بجميع حلقاته، أو أنه يقاد من قبل شياطين وليس من قبل سياسيين يخدمون الناس ويُأدوا واجبهم الوطني ،أما من يقول إن هذا الصراع ليس سياسيا على السلطة والمواقع فهو يخدع نفسه لا غير ومن يكرر حاليا إنه صراع طائفي فإنما يريد تمرير طبخته وأخذ حصته من السلطة لأنه كيف يمكن لهذا الطرف السياسي أو ذاك أن ينفذ برنامجه وسياسته بدون سلطة وإلا أصبح كمعلم في صف فارغ ،ويتمثل في تناقض الطموحات والمساعي والرؤى السياسية لهذه القوى المتصارعة التي تجتر شعاراتها وأساليبها وأخطاءها السابقة بدون مراجعة للذات وللبرامج ،ومعظم "المنازلات" لا علاقة لها بمصالح البلاد العليا ولا بهيبة الدولة أو الحكومة كما أنها لا تحتكم في مجملها لقانون ودستور، لأنها تلجأ إلى أساليب صراع مفتعل ومكشوف، يجعلنا في ظل مجريات الأحداث شهودا على "مصارعة اقليمي "، تجعل معظم الأطراف مدعاة للتندر .
يسعى البعض لتأجيج صراعات جديدة وإحياء عداوات قديمة اصطنعتها الأحداث في غضون السنوات الثلاثين الأخيرة واقصد فيها حزب الإصلاح العدو التاريخي للجنوب بغاية تقزيم قضية شعب الجنوب لتحقيق مآرب سياسية ، مثل هذا الوضع لا يخدم التحالف العربي بل يشفي غليل أجندات إقليمية ودولية ومحلية، ترى في إطالة الأزمة اليمنية مصلحة لها تستنزف دول الخليج وتبتزهم وتقضي على طموحات شعب الجنوب في تقرير مصيرة بإستعادة الدولة الجنوبية.
أما تعين معين عبدالملك رئيس الوزراء بدلاً بن دغر :
حان الوقت لكي يفهم النخبة السياسية أننا بحاجة على سياسة متوازنة معتدلة ذكية بعيدة النظر، وتعين رئيس وزراء ينتمي لحزب الإصلاح لم يأتي بموافقه شخصية من جهة الرئيس هادي وإنما جاء باتفاقيات وتفاهمات إقليمية ودولية مع حزب الإصلاح ، ومن الجهة الأخرى، أن لا مصلحة للبلاد في إثارة الحساسيات مع أحد، خصوصا مع دول الجوار، وعلى التحالف العربي أن يدركوا حقيقة أن البلاد غير بعيدة عن سطوة النفوذ الإيراني إطلاقاً بايادي مليشيات الحوثي، حتى وإن تم الإتفاق على أن يكون حزب الإصلاح في الصف التاني للدولة، لذا ومن أجل مصلحة البلاد العليا أن توضع العلاقة مع القوة العظمى في أبعادها وإطارها الآني والإستراتيجي الصحيح بما من شأنه خدمة مصالح البلاد العليا ومستقبل الأزمة اليمنية، بدون مزايدات وشعارات فارغة وتشنجات وسعي لكسب سياسي رخيص على حساب مستقبل البلاد، طالما أن مصير جيلنا والذي قبله قد تمت استباحته من قبل السابقين واللاحقين ، والتحالف العربي يتحمل مسئولية أخلاقية وتاريخية في مساعدة اليمنيين في الخروج من النفق المظلم.
تعين رئيس وزراء جديد لن ينجح إطلاقاً في تحقيق اي تقدم في الجانب الاقتصادية ولقد ثبت في فترة وجيزة بالأدلة القاطعة صحة ما ذهبنا إليه وعليه فأما أنْ يُصر إلى تشكيل حكومة لها مقومات الحكومة في ممارسة مهامها وخدمة البلاد، فتكون مسؤولة بالكامل، أمام الشعب ورب العباد والتاريخ، ويمكننا محاسبتها إن فشلت وتعثرت، وشكرها إن نجحتْ، أسوة بكل الممارسات الديمقراطية في العالم، وأما أن يستغل رئيس الوزراء منصبة في إعادة ترتيب صفوف حزب الإصلاح في عدن وباقي المحافظات الجنوبية التي تختلف كثيراً مع حزب الإصلاح فسوف تعم الفوضى ويصبح من السهولة التنصل من المسئولية كسابقية من الشخصيات الذي تقلدوا مناصب رئيس الوزراء وعمدوا إلى التنكيل والتهميش والقمع لشعب الجنوب وقضيتة، لكنه في الواقع السياسي الراهن الذي يتطلب الوضوح والدقة وسرعة إتخاذ القرارات وتنفيذها لقد أصبح الوضع السياسي الجنوبي الراهن متشنجا ومتداول في المحافل الدولية والعربية الخاصة والعامة وقضية قابلة للانفجار في وجه الجميع بأي لحظة .
أربعة سيناريوهات تنتظر الأزمة اليمنية والقضية الجنوبية.
السيناريو الأول : يتمثل في تقليص عدد الوزارات التي ضربت رقما قياسيا عالميا في الفساد ونهب اموال الشعب وإنعدام الكفاءة، غير أن مثل هذا المسعى سيصطدم بفكرة "الشراكة الوطنية" التي تستشهد بها المكونات السياسية ،ولا أعتقد أنها ستقبل بهذا الحل الذي سيفقدها بعض المناصب وسبب رفضها يعود إلى أنها تحالفات لقوى متعددة، تختلف مع حزب الإصلاح وهي بدورها تريد أن تكون فاعلة بهذا القدر أو ذاك. إلا إذا تنازلت كافة الأطراف عن نسبة من الامتيازات التي حصلت عليها بعد تعيين رئيس وزراء جديد وتأتي بعدها تشكيل الحكومة، وهذا السيناريو له مزالقه ومخاطره المتمثلة ببقاء الوضع كما هو عليه في عهد بن دغر.
السيناريو الثاني : إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن بترقيعه، حتى لو تم سد الشواغر في التشكيلة الحكومية الحالية ستبقى تشكيلة معطلة تعاني من الشلل وانعدام الثقة بين الأطراف المشاركة فيها والتي يعود قسم منها إلى ما قبل الحرب الأخيرة ، كل ذلك سيدفع البعض لتصيد الفرص التي من شأنها التنكيل بالحكومة ودفعها للانهيار.
السيناريو الثالث : شعب الجنوب لن يقبل بالالتفاف على قضيته كون اساليب رئيس الوزراء السابق بن دغر عملت على قمع وتمزيق المكونات الجنوبية الثورية ناهيك عن القمع والتنكيل وممارسة نهب ثروات شعب الجنوب والسطو على أراضيه والعمل في تظليل الرأي العام بشأن مطالب شعب الجنوب في تقرير مصير كون الإصلاح عدو تاريخي لشعب الجنوب ،وعليه سوف تعمد القوى الجنوبية الثورية إلى تفعيل العمل الثوري في عموم المحافظة الجنوبية وخصوصًا العاصمة عدن لمنع تقدم رئيس الوزراء الجديد من الالتفاف على قضية شعب الجنوب.
السيناريو الرابع : كون رئيس الوزراء المعين حالياً ينتمي إلى حزب الإصلاح من الممكن أن يعملوا على استغلال هذا المنصب في ترتيب صفوفهم ووضعهم الاقتصادية والعسكرية في بناء الوية عسكرية بالتنسيق مع نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر القيادي الأبرز في حزب الإصلاح ( الإخوان المسلمين ) بالانقلاب على الرئيس هادي والالتفاف على اتفاقيات التحالف العربي .
فلنقل بوضوح، بناء على المعطيات المتوفرة حالياً هناك من يسعى لتصعيد المواقف والأوضاع في البلاد وتأزيمها لغايات تكتيكية وإستراتيجية لم يعد الناس بغافلين عن دوافعها وأهدافها.