جائتني دعوة من صديق لحضور حفل غنائي معه فرحت كثيرا للدعوة خصوصا انني كنت مرهق من ملل الروتين اليومي دخلت القاعة على عجل خوفا من ان يفوتني الحفل و لحسن الحظ وصلت قبل بدايته بدقائق جلست قرب صديقي تلاشئت الأنوار و سلطت الأضواء الى المسرح فظهر العازفون و الكل يصاحب آلته. خيم السكون قبل بداية رقصة النغمات . بدأ عازف الكمان بصوت حزين ليقاطعه البيانو بموسيقى الفرح و السعادة و السرور ليتدخل فجأة الهاجر و يثبث ضجيج الحياة و الغضب فيتدخل المرواس ضاربآ صوت العشق والميول للأستمرار بأرق الألحان مبرزا الهدوء و الأمل ليبدأ العود بمعزوفة جميلة وفجأة تجتمع الآلات على نغم واحد فريد من نوعه يجعلك في عالم آخر وكأنك تسابق الطيور. كانت تلك الآلات تترجم الكلمات في ألحان لنتخلى عن الحروف كليا. حقا كان اروع حفل حضرته في حياتي حينما أطربنا فنان موضوعنا هذا بهذه الاغنية الهاشمي قال كلمات السيد عبدالرحمن العراشة ، لحن وغناء: عوض عبدالله المسلمي المقام: البياتي ، الإيقاع: رزحة (8/12 هاجر مرفع 2 مرواس) الهاشمي قال هذي مسألة والثانية .. عادها لمّا تكون عندك خطأ ما قرأت البسملة ولا (تبارك) ولا (عمَّ) و(نون) ولا دريت أن هذي مشكلهْ القرش يلعب بحمران العيون المغفرة لك فشفها الأوّله عادك بالاطراف أوبه للبطون * * * وكل مَن قام لك كن قوم له فالعيب مقرون في ضحك السنون راعيه بالجُمل حتى تقتله لأن بعد الوفاء ريب المنون وإن قال بو زيد حِذْرك تمهله وناوشه ، لا تخلّي له سهون ودخّله في الشبك وسنسله واحلق له الرأس لا يفعل قرون وان شفت منّه صداقه وكّله واطرح جواسيس بعده لا يخون وبعد لا شفت ودّه فضّله حتى بروحك ومالك والبنون * * * وابنك إذا به تعوّج مِثلّه حتى ترقيه وان هنته يهون مثل الجَمَل كيف لما تِجمله وتطعمه سار لك مشفق حنون فذا كما ذا ، وهذا أكّله فالجَعل سحّار كم يحلق ذقون وكل مخلوق شرّي وصّله واقطع لسانه يكُن عِرضك مَصون * * * الأرملة بنت والبنت أرمله تهاونوا في شقرها والدّخون لأنه ذي الأيام فاعل قلقلة قد رخّصت بالذي سعره زبون فكيف مَن هيْ أموره معطّله هل يقتدر أن يركّب ميكرفون منفذ يجيك الريح منّه قفله لراحتك والشرف يحلا السكون وبعد صلّوا على من أرسله بالحق فيه الهدى والمؤمنون الشيخ عوض عبدالله المُسلّمي ---------------------------------------- يحتار به السماعة ويختذل أمامه الحكام . ولد الفنان عوض عبدالله المسلمي عام 1909م في مدينة الشحر في محافظة حضرموت وهو ينحدر من اسرة ميسورة الحال اغلب افرادها فنيون نتيجة التقلب السائد آنذاك ولكن الموهبة كانت تتوفر في فكرة المسلمي فأخوه شاعر شعبي معروف ومشهور هو عمر بو مهدي له عدة اشعار مدونة وله مساجلات شعرية في مجالس الشعراء والأدب ومن جلسائه كان الملحن الشاعر الكبير حسين ابوبكر المحضار ولكن عوض المسلمي اتجه اتجاها فنيا وعشق الغناء من صغره بعد اصابته بمرض الجدري وهو في الثانية عشر او الثالثة عشر تقريبآ من عمره والذي كان سبب لفقدان نعمةالبصر و حال دون تعليمه ولم يداخله اليأس بسبب ذلك بل مضى ينمي بعزيمة لموهبته الفنية الغنائية واصرار فشكل فرقة من بعض صبيان الحارة وقادها بطريقة العزف على أوتار مشدودة في لوح من الخشب وفي أخرته جلن حق الزيت في السابق كان يستخدم وايقاع صفيحة او قصعة حق اللبن فارغة ولكن لأسبابه الخاصة سافر على إثرها الى الخليج وخاصة دولة لكويت ومكث في الخليج ثلاث سنوات ثم عاد بعدها الى مسقط رأسه في الشحر وبقي فيها قرابة عام ولكن هاجس السفر عاد يهز كيانه من جديد فرحل الى عدن الحب والعشق والمتعة في بحرها على متن احدى السواعي بعد أن اتفق على ان يكون مطرب المجموعة فيها وكان المرحوم السلمي يجيد العزف على ألة السمسمية اجادة تامة دون منافس وصل الى عدن عام 1928م تقريبآ وتعرف على الفنان المرحوم عمر محفوظ غابه . الذي اعجب بصوت المسلمي ودقة أداءه وبقي مصاحبا للفنان غابه في كل حفلاته في المخادر والمقاييل ضاربا للدف والدربوجة اي الايقاع ويغني احلى الغناء وعلمه ضبط أوتار العود، تمهيداً للبدء في تعلم العزف عليه، واستطاع بمرور الأيام التفوق على أستاذه وسطع نجمه في سماء الفن سريعاً كالبرق، وأجاد جميع الألحان المشهورة كالصنعانية، واليافعية، واللحجية، والحضرمية، ونجح في العزف على آلة العود وضبط الأوتار، حيث كان سريع الالتقاط والحفظ، وذاع صيته ولمع اسمه الفني نتيجة مشاركاته الكثيرة في حفلات الزواج، وغيرها. الفنان المسلمي يجيداغاني الفنان سلطان ابن الشيخ على بن مطره الذي يعود له الفضل كما يقال في الروائع التي غناها الفنان المرحوم محمد جمعه خان ونجح الفنان عوض عبدالله المسلمي . وكان الفنان الراحل عوض عبدالله المسلمي سريع الحفظ وأنتشر صيته ولمع اسمه الفني من خلال مشاركته في احياء حفلات الزواج وتجاوز صيته عدن الى الريف والصومال وجيبوتي وكينيا والحبشة وكان دائما يصطحب معه في تنقلاته بعض العازفين والمغنين مثل الفنان القدير والمعروف محمد سعد عبدالله الذي لاينكر فضل المسلمي عليه في تدعيم الروح الفنية في اعماقه المستجابة . سجل الفنان المسلمي أول اغنية له عند ظهور شركات الأسطوانات في عدن هي أغنية من (للباب ذا المغلق) عام 1951م وهي للشاعر عبد المجيد الأصنج على لحن اغنية القمندان حالي ياعنب رازقي وطبعا الفنان المرحوم عوض عبدالله المسلمي لم يقتصر على الغناء العاطفي فقط ولكن له بصمته الواضحة في الغناء الثوري، موجة ذلك العصر، فاشتهر بأغانيه الحماسية للعروبة والقومية والتحرير والاستقلال، ومنها الأغنية الشهيرة «الهاشمي قال هبوا يا رجال»، و«كل العرب لليافعي يوم القتال»، و«كل العرب رددت يحيا جمال»، وقدم أكثر من مئة أغنية، منها «أسمر كحيل الطرف»، و«الا قامت ليلى»، و«السعيد الذي»، و«دام الأنس»، و«ملكت على القلب»، و«يا رعا الله»، و«يا مكحل عيوني بالسهر»، و«يا من لقى قلبي»، و«يا هلال الفلك»، و«يقولون لي ما للكآبة حلّت»، حيث كان يتمتع بصوت جميل رقراق تشعر عند سماعك له وكأنك تبحر على ضفاف شط بحر الهواء ومن المجيدين للموشح اليمني . وفي ايامه الأخيرة اخذ يصارع مرضا خبيثا هو السرطان وسافر الى الكويت وتلقى العلاج لمدة ثلاثة اشهر وعاد الى عدن وهو يشعر بتحسن كبير في صحته عام 1975م ولكن المرض باغته فجاءة بعنف وقضى عليه في اليوم الأول من نوفمبر عام 1975م ودفن في مقبرة المنصورة بعد عمر طويل قضى منه 47 سنة في خدمة الفن اليمني وخلف ثلاثة من ابنائه الذكور رحم الله الفنان عوض عبد الله المسلمي رحل جسدا وروحا وضل بيننا صوتا ونغمآ وحضورآ في كل المجالس والمقايل والمراكب رحمة الله عليك وغفر الله لك ..