أركاني هندي باكستاني يمني وصلنا منذ يومين المركز العام في رائيوند لنستريح عدة أيام استعدادا للتشكيل في منطقة أخرى، وهذه الأيام نستفيد منها في الاستراحة وقضاء بعض الحوائج وشراء النواقص، ومن ثم ننطلق إلى التشكيل الجديد. هذا اليوم أخذت ملابسي المتسخة وانطلقت إلى السوق لأتركها في المغسلة عند(الدوبي) ومنها أذهب إلى الحلاق فأحلق شعري وأصبغ هذا الشيب الذي(غزانا قبل أوانه)، وفي طريقي إلى هناك وبين زحمة الذاهبين والراجعين، سلم علي شاب باكستاني متجه مثلي إلى السوق، وأخذ يكلمني بلسان عربي فصيح، فأدركت أنه من خريجي المدارس الدينية، والذين يسعدهم أن يظفروا بعربي يحادثونه ليزكوا بحديثه لغتهم العربية. أخذنا نتحدث ونحن نسير إلى السوق، فلما قطعنا نصف مسافة الطريق قال : أنا أخوك في الله (هلال رحماني) من كراتشي أستاذ في الجامعة الدينية وأحمل درجة(مفتي)، أستكملت خروج سنة ولم تبق معي سوى ثلاثة أيام. فقلت : أخوك في الله ناصر الوليدي من اليمن، فلما قلت (من اليمن) وقف وصرخ (أنت يمني؟) ثم طوقني بذراعيه واحتضنني وأخذ يضمني إلى صدره بقوة وهو يقول: حياك الله. حياك الله... ثم قال: أنا أصلي من اليمن، جاء أجدادي إلى أقليم أركان جنوب تايلند منذ قرون، ثم هاجر أحد أجدادي إلى الهند، ولما انفصلت باكستان عن الهند هاجرنا إلى كراتشي. فقلت له : إذن أنت حضرمي !! قال : وكيف قدرت ذلك؟ قلت له : لسببين : الأول : أنها حصلت موجات هجرة للحضارم إلى جنوب شرق آسيا منذ عدة قرون وانتشروا هناك ولا يزالون، في إندونيسيا وماليزيا وبروناي وتايلند وغيرها. الثاني : سحنتك ولونك وهيئتك وملامحك تتطابق تماما مع الإنسان الحضرمي. ثم وجدته فرح بهذه المعلومات فرحا شديدا، فلما وصلنا عند المغسلة وناولت الدوبي ثيابي تكلم معه بلغته الأردية والذي رفض بعدها الدوبي أن يأخذ مني أجرة عمله، وكأن صاحبي تعهد له بأن يدفعها هو لاحقا، ثم قال : تعال لنكمل حديثنا في المطعم على كأسين من الشاي، فولجنا أقرب مطعم فبكلمتين من صاحبي للجرسون قدم لنا فطورا فاخرا فأكلناه ونحن نتحدث. وبعد خروجنا من المطعم ودعته خشية أن يمشي معي إلى الحلاق فيدفع أجرة الحلاقة. وقبل أن يفارقني قال : أريد أن ألقاك كل يوم حتى أسافر، ستجدني دوما في المسجد عند العمود رقم (40) ناصر الوليدي - رائيوند - باكستان