من أراد الموت فليلزم طريق الوديعة ...أخشى أن تصبح هذه المقولة مقولة أثرية تتداولها الأجيال ، فالعرب إذا عايشت حادثة وكانت في إطار الدهشة والعجب دونتها في قاموس الأمثال العربية الشهيرة.. وللأسف الشديد ، صرنا نلقب هذه الطريق الوعرة والتي يمر منها مئات الآلاف من اليمنيين المغتربين بطريق "العبر إلى الموت" منذ أكثر من عام وبضعة أشهر ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بالشكاوى مناشدين الحكومة الشرعية بأن تتولى المسؤولية، وأن تقوم بواجبها الإنساني أمام هذا الشعب المسكين ، ففي الحقيقة لم يكن بالحسبان بتاتاً أن تعجز حكومة الشرعية بتعبيد وإعادة سفلتة طريق منفذ الوديعة الواقع في محافظة حضرموت شرقي البلاد ، ومحافظة شرورة السعودية، فهي تعد من المشاريع التي يهون عليها القيام بذلك ، ناهيك عن تلك المشاريع الأخرى التي تقدمها للمحافظات الأخرى كما نراه على وسائل الإعلام، ونحن في ظل حرب دامية، إلا أن خط الوديعة يعتبر الشريان الوحيد الذي من خلاله يتمكن المسافرون الوصول الى المملكة بسبب الحرب الجارية في بلدنا في الوقت الراهن. ونظراً لتحول خط العبر إلى خط دولي استراتيجي نتيجة الحرب الداخلية الدائرة في الوطن ، مما أدى إلى إغلاق المنافذ الحدودية للمواطنين المغتربين اليمنيين تتساقط عشرات الأرواح البشرية دون أي ذنب سوى الإهمال المباشر من قبل الحكومة وعدم تحمل المسؤولية كما يجب، لذا أعتقد لم ولن تدرك حكومتنا الموقرة حجم الألم الذي صدّع قلوب العديد من الأُسر اليمنية نتيجة فقدانهم لبعض أقاربهم في خوادث هذا الطريق إلا بعد أن يكون لأحد ذوي الشأن من حكومتنا نصيباً من الحزن بفقدان أحد أقاربه ، وهنا سنعي المغزى لذاك المثل الشعبي المشهور " الذي يده في النار ليس كمن يده الماء" كنا قد استبشرنا في مطلع يونيو الماضي بالقرار الذي صدر من قبل رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد بن عبيد بن دغر بتوجيه صرف مبلغ 500 مليون ريال إلى حساب وزارة الأشغال والعامة والطرق - التي كان وزيرها رئيس الوزراء الحالي - والبدء الفوري بصيانة طريق الوديعة /العبر / سيئون/ مأرب ، ولكن لم نرَ أي تحركات عملية تجاه ما صدر ، ناهيك أن منفذ الوديعة بحد ذاته يعد في المرتبة الأولى دخلاً في الجمارك كما صرح بذلك مدير مكتب جمارك وادي صحراء حضرموت عاشور قفزان لوكالة الأنباء اليمنية " سبأ" أن الزيادة تعود إلى إقبال المواطنين والمغتربين على ترسيم سيارتهم وآلياتهم مستغلين فترة قرار التخفيض إضافة إلى زيادة الاستيراد من من قبل التجار والمستثمرين عبر منفذ الوديعة وجمرك مطار سيئون.. وأضاف أن بسبب الرسوم الجمركية والضرائب والعوائد الأخرى، فقد احتل جمرك منفذ الوديعة المرتبة الأولى بمبلغ 18 مليون و 648 مليون و781 ريال فيما مكتب الجمارك ثانياً بمبلغ 757 مليون و 161 الف و498 ريال، وحل جمرك مطار سيؤن ثالثاً بمبلغ 84 مليون و298 الف و438 ريال ". ثم تلتها بشارة اخرى بتعيين الدكتور معين عبدالملك رئيساً للحكومة، فقد كنا محسنين الظن ومتفائلين حق التفائل به ، ومازلنا مترقبين منه أي مبادرة إنسانية يقدمها حتى يحمد عليها ويكون أهلاً لما هو فيه ،خصوصاً في مثل هذا الظرف العصيب الذي يرثى له حال هذا الشعب المناضل والمكافح من أجل لقمة العيش، مالم فسنخاطبه بلغة سيدنا الفاروق عمر رضي الله عنه قائلًا عن نفسه " لو أن بغلة تعثرت بالعراق لخشيت أن يسألني الله لما لم تمهد لها الطريق يا عمرُ" فيا معالي رئيس الوزاء ...هلا قلت لنفسك يوماً ما "لخشيت أن يسألني أن يسألني الله لِمَ لم تمهد لهم الطريق يا معين عبدالملك "؟! يا حكومتنا الموقرة ، كم من مساعدات مالية تلقيتموها في الآونة الأخيرة من دول الخارج ، ولكننا لا ندري مالذي أعياكم وغيّب ضمائركم أمام هذه المسؤولية الإنسانية ، ألم تحرككم ضمائركم وإنسانيتكم بما حصل الأسبوع الفائب من حادث مروري مساء الجمعة والذي أودى بوفاة ستة ركاب وإصابة نحو 37 شخصاً على خط مأرب - العبر- الوديعة، اثر انقلاب باص نقل جماعي، بسبب ضيق وخراب الطريق ، فلقد أثارت الحادثة موجة انتقادات واسعة في أوساط اليمنيين منددين بمدى التساهل والإهمال من قبل الحكومة ، ومحملينها تلك المسؤولية التي حثنا عليها ديننا الحنيف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" . يا حكومتنا الموقرة ،دول العالم المتقدم تعتبر صيانة وشق الطرق من الأمور التي يعاب الحديث عنها ، كونها من الأساسيات التي تستقر بها الحياة الاقتصادية للمواطن ، فنرى أن هناك دولاً بنت جسوراً طويلة المدى بين البحار ، وقطعت الفيافي والصحاري ، ونحتت الصخور والجبال ، وحكومتنا المباركة لم تستطع أن تعبد أو تصون طريقاً لم تتجاوز مسافتها عشرات الكليومترات إن لم أكن مبالغاً في ذلك. ترى ...ما الذنب الذي حل بنا نحن اليمنيين حتى نقدم كل هذه التضحيات وراء لا شيء في زمن خيم علينا فيه البؤس والشقاء نتيجة ما هو حاصل من صراع داخل البلد، ففي الداخل يتجرع المواطن نكد العيش بسبب الوضع الإقتصادي الراهن ، ثم يلجأ الى الخارج فيعاني كمد الغربة وحنين الوطن والأهل . تدوم غربته أعوام عديدة في عناء وشقاء والتزامات تفرض عليه من قبل سياسة تلك البلد التي يعمل فيها خارج وطنه ،ليترزق ويأكل من عرق جبينه حتى يوفر لقمة العيش له ولأهله ومن يعول ، ناهيك عن حجم ألم الفراق وشوق الأهل والأطفال يهتف إلى حنين قلبه ، فتراه بين الحين والحين الآخر يتصفح مواقع التواصل يتبادل معهم الرسائل الصوتية والمقروءة والصورة التذكارية ظناً منه أنها ليس إلا تخفيفاً لمعاناته الشاقة في غربتة ، وهو لا يدرك تماماً علها تكون ذكريات تحمل رسائل الوداع التي توحي إلى الفراق الأبدي، ثم بعد أمد طويل بعد أن جمع شيئاً من المال ، وعزم العودة الى أهله ليعيش معهم كما يعيش الآخرون بين ذويهم وأقربائهم ، وفجأة تنقطع أوتار الشوق واللهفة للأهل والأقارب في طريق يقال له طريق العبر الى الموت ..ولاحول ولا قوة إلا بالله! لذا فإننا نناشد الحكومة ودول التحالف ومن له أي صلة أو ارتباط في هذا الشأن أن يدركوا خطورة ما يعانيه المغترب اليمني نتيجة دمار ووعورة خط العبر، وتأمينه من اللصوص البشرية المتقطعة للمارة والمسافرين ، فكل شيء يهون إلا الأرواح البشرية ، فخط الوديعة وديعة في أعناقكم حتى تلقون ربكم. ألا هل قد بلغت ، اللهم فاشهد!