لعل المراقب الحصيف والمتتبع لنشاط الحراك الجنوبي والمتمثل بتفويض اللواء عيدروس الزبيدي بتشكيل حامل سياسي للقضية الجنوبية ، والذي بالفعل نجح بتشكيل المجلس الإنتقالي الجنوبي (كهيئة تنفيذية ) ثم اردف بتشكيل (البرلمان الجنوبي ) برئاسة اللواء أحمد بن بريك كان ذلك منذ عامين أي منذ 4 مايو 2017 م والذي ستهل ذكراه علينا بعد أقل من شهرين * والسؤال المطروح على الساحة الجنوبية اليوم : هل تصاعد منهج القائد عيدروس والانتقالي من المستوى الثوري إلى المستوى السياسي ؟ أنا ومعي كثير من المراقبين المحايدين لا يرون ذلك ! بل متأكدون من الإنتقالي مازال يستمرئ حلاوة الزخم الشعبي (الثوري ) أو ما اسميها انا "ثورة التفويض العيدروسية" ! إن التاريخ يخبرنا بأن كل حركات التحرر في مشارق الأرض ومغاربها كانت تتصف بسمة مشتركة وهي : الانتقال من الحراك النضالي الثوري إلى أعلى أي إلى الحراك السياسي التفاوضي . ..... وهذا لم يحدث مع الحراك الجنوبي ككل ولا مع "الانتقالي" كحامل قيادي لهذا الحراك. أن كل قيادة سياسية فرضها الشعب يجب أن تكون على قدر المسؤولية الآنية والمستقبلية وذلك بوضع خطط تكتيكية (قصيرة المدى ) ، واستراتيجية (بعيدة المدى ) فهل لدى القائد عيدروس على مكتبه مثل هاتين الخطتين أو المشروعين ؟! أيضا لا أعتقد؟ هل قام الإنتقالي بخطوات جادة للم شمل كافة تنظيمات وجميع عناصر الحراك والمقاومة الباسلة في ظل جبهة عريضة تكون بالأقل متكاملة وليس موحدة ؟ هل قام الإنتقالي باستدعاء الخبرات السياسية الجنوبية التي وضح للجميع بعد سنتين من أن الانتقالي يفتقر لها في كل المجالات تقريبا : * السياسية * القانونية * الخارجية * التاريخية والاجتماعية * الاقتصادية .... الخ . مثل * العطاس * الجفري * علي ناصر * باعوم * البيض * سالم صالح * محمد غالب * د. السقاف * السلاطين والشيوخ السابقين للجنوب العربي .... الخ لتكوين مجلس استشاري أعلى منهم يتبع مباشرة إمرة الرئيس عيدروس ؟ الجواب طبعا بالنفي ! * إذا افترضنا واختصارا أن قضية الزعيم الجنوبي المفوض عيدروس هي : فك ارتباط الجنوب عن الشمال ..... وبصفته ممثلا للجنوب ، من هو الطرف الشمالي الذي سيتفاوض معه لفك الارتباط ؟! أو .. يحسب الرئيس الزبيدي أن مسألة فك الارتباط لاتشبه الطلاق الذي يحتاج لطرفين ومأذون وشهود !! هناك أمام الإنتقالي ورئيسه عيدروس عدة أطراف "شمالية" يمكن التفاوض معها وهي : * حكومة (صنعاء ) كأمر واقع اعترف بها المجتمع الدولي والمكونة من (أنصار الله ) وحلفائهم من بقايا صالح وقواته في الحرس الجمهوري والأمن المركزي وبعض القبائل. * حكومة (الرياض - معاشيق ) : الرئيس هادي وحلفائها من أحزاب المشترك وبعض القوات العسكرية والقبائل الموالية لها. * دولة (مأرب ) .. وتتكون من الفريق علي محسن وحلفاؤه الإصلاحيين وبعض القبائل وجيش مكون من حوالي 200 الف مقاتل ، بالإضافة إلى القوات الموجودة في حضرموت والبيضاء ورداع ومكيراس وبيحان والوديعة والحديدة وتعز ! * دولة (المخاء ) أحمد علي صالح وطارق صالح والقوات العسكرية والقبائل المتحالفة معهما ،و(الدولة العرابة لهما ) ! وبرغم أن أغلب العناصر الشمالية المذكورة سترفض أن ينفرد طرفان جنوبيان هما هادي وعيدروس في تقرير قضية وطنية (من وجهة نظرها) وإقصاء الأطراف الشمالية ؟! فهل سيكون ردها مسالما وتسكت أم تتخذ إجراءات تحشيدية - توحيدية لكل الأطراف الشمالية ضد (ما تسميه انفصال الجنوب ) وحتى تلك التي تتعاطف مع حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم قد تغير رأيها ! برغم كل هذا ، ما زلت اعتقد انه لا خيار أمام " القائد المفوض" عيدروس إلا خيارا واحدا لا سواه وهو ماذكرته أعلاه في عنوان هذا المقال . هذا إذا لم تحدث مفاجأة اللحظات الأخيرة؟ ! وما أكثرها خاصة في عصر الثنائي الاهوج : ترمب - بن سلمان ، بحيث يتم سحب تدخل التحالف تدريجيا أو كليا في اليمن ؟! حينها سيجد الجنوبيون أنفسهم في حيص بيص ، وسيضربون اخماسا باسداس من غير فائدة. ولن تجد قيادات الجنوب المتشددة أي طرف في الشرعية (هادي ) أو بقية الطيف الشمالي المذكور أعلاه جاهز للتفاوض معها حتى بالشروط التي كانت مطروحة سابقاً. فالانتقالي هو الملوم لأنه لم يتقدم لحسم الأمور عندما كانت كثيرا من اوراق القوة بيده ، بل ظل يردد بديماغوجية دوغمائية تلك الجملة المستهلكة : الاستقلال الناجز واستعادة دولة الجنوب العربي - وهو واقف محلك سر .... وكأن مخلوقات الهيئة ستأتي من المجهول لتحقق هدفه هذا ؟! وما زاد الطين بلة أنه لم يعمل له (خط رجعة ) مع الشرعية ومع بقية القوى الشمالية ! وهذا ليس من مواصفات أصحاب الحنكة من السياسيين الذين يغترون بزخم وتحالفات الزمن (الآني) ولا يحسبون حسابا لما قد يأتي به الغد .... بل زاد بهم الشطط بأن أحرقوا جميع مراكبهم (على طريقة طارق بن زياد .... ولم يصحوا إلا حينما أصبح هادي من خلفهم وعبدالملك من أمامهم. ... فأين المفر ؟ )