لتأبين الراحلين معاني ودلالات كثيرة؛ أبّن يأبّن تأبينا، بمعنى تذكّر وذكّر بحياة المتوفي ومآثره ومناقبه. اذكروا محاسن موتاكم! وحفل التأبين الذي ينظمه الناس الأحياء من اقرباء الراحل وأهله وذويه واصداقاءه وكل من عرفه في حياته بوصفه واجبا أخلاقيا وفعل اجتماعي للتعبير عن مدى خسارتهم وحزنهم ووحشتهم بغيابه هذا من جهة ومن جهة أخرى؛ للتأبين وظيفة إيجابية بما يمنحه للراحل من مكانة وقيمة واهمية يستحقها وفاءا له وتكريما وتقديرا لسيرة حياته الزاخرة بالأعمال والمواقف الطيبة. ويتضمن التأبين جمع وحفظ وتوثيق سيرة حياة الراحل منذ ميلاده حتى وفاته. وجمع مآثره وأعماله وما كتبه بقلمه وما كتب عنه من مراثي شعرا ونثرا وتدوينها في كتاب يبقى شاهد له وعليه عبر الزمان وتعاقب الأجيال. إذ من المهم أن تبقى السير والمآثر الطيبة مصانة ومقدرة في حياة الناس وتاريخ المستمر. ومعنى التاريخ هو أن نترك ندبة على الأرض وأثر يشهد على من مروا هنا ذات يوما ورحلوا لا كما ولدوا بل كما فعلوا. وضربات السيف تمحى مع الزمن بينما ضربات القلم تظل آثارا خالدة في حياة الجماعات والشعوب والأوطان، والرموز لا تموت ابدا، والباقيات الصالحات. فسير الأشخاص الذين رحلوا بعد أن سطروا رحلتهم الفاعلة في الحياة، هي ما يبقى للأحياء بعد غيابهم الأخير. وإذا كان ما يبقى للمتوفي في مثواه الأبدي هو أعماله الحسنة التي يقابل به خالقه سبحان وتعالى كما جاء في الحديث الشريف، مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. فكذلك تبقى مأثرة الطيبة محفوظة في مدونة الحياة والتاريخ حتى لا تضيع في غياهب النسيان مع مرور الزمان ومشاغل الدنيا. خطرت لي هذه الخاطرة وأنا اقرأ إعلان اللجنة التحضيرية لحفل تأبين صديقي الراحل الدكتور محمد سالم الجوهي المزمع إقامته غدا في المكلا عاصمة حضرموت، وتمنيت أن اكون حاضرا معهم ولكن ما باليد حيله، فالراحل العزيز كان بالنسبة لي أكثر من أخ وأكثر من صديق وزميل وقد كتبت ما تيسر في ذلك رغم الحزن الشديد. الموت فاجع في كل الظروف والأحوال لأنه ببساطة يجعلنا نفتقد من كنا نحبهم الى الابد. حينما فكرت بكتابة عن صديقي العزيز الدكتور محمد سالم الجوهي الذي مات صباح 10 يناير2019 بصورة مأجة في الرياض أحسست بحزن عميق وحسرة طاغية لاستحالة التواصل معه والاستماع الى نصائحه المفعمة بالأمل والتفاؤل. إذ أنني منذ عرفته كان حكيما حليما إيجابيا حتى في أحلك الظروف واشدها قتامة. فماذا بوسعي أن أكتب عن أخي الذي لم تلده أمي. أنه أكثر من أخ وأكثر من صديق وأكثر من زميل.جمعتنا ذكريات ومواقف وافكار وهموم وشجون وآمال وأحلام كثيرة.كان يثق بي وكنت أثق فيه. حقا أن موت الأصدقاء يعني موت جزء منّا! ورحيلك يا صديقي ترك في نفسي ندبة موحشة من الفقد والغياب. ولكن هذا هو قدرنا ولا يموت المرء طالما وهناك احياء لازالوا يتذكرونه. فنم قرير العين فقد تركت أثرك الطيب في قلوب وأذهان كل من عرفوك. والأثر دليل على المؤثر!