إذا نظرت إلى القادة الذين يحظون بأجماع أكسبهم تأييد وإحترام وحب وتقدير شعوبهم ، ستجد أن أولئك القادة كانوا رجال مشروع دولة ونجحوا في تقديم الخدمات لشعوبهم وأوطانهم وحققوا العدل والمساواة. في اليمن شماله وجنوبه من بعد ثورتي سبتمبر واكتوبر حتى تخلي صالح ستجد هناك أثنان من الرؤساء يحظون بحب وإجماع الشعب الأول إبراهيم الحمدي في الشمال والثاني سالمين ربيع في الجنوب. كل الشمال يحب الحمدي ليس من باب الحزب أو القبيلة او التدين ، ولكن بسبب أن الرجل كان رجل دولة ولمس خيره المواطن الشمالي. في الجنوب تجد كل الجنوب يحب سالمين ويعتبره أفضل الرؤساء ، وذلك لم يكن سوى ان الرجل كان رجل دولة وقريب لكل مواطن في الجنوب . في عهد الحمدي وسالمين كان هناك توجه نحو تحقيق وحدة اليمن في أواخر السبعينات ولكنه فشل بسبب اغتيال الحمدي ، لو تحققت الوحدة في ذلك لكانت ستنقل اليمن نقلة نوعية نحو التقدم والنماء الاقتصادي كون سالمين والحمدي كانا رجال دولة وسيجعلان الوحدة تقوم على أساس مشروع دولة كشرط أساسي لضمان نجاح أي توحد واستمراره. نجحت ألمانيا في توحدها بسبب وجود مشروع دولة ، واليمن بشماله وجنوبه كان مهيأ لانتقاله نقلة نوعية كونه زاخر وبكر بالثروة ، ولكن غياب مشروع الدولة بعد تحقيق الوحدة في عام 90 هو سبب انحراف الوحدة عن مساره وانتاج الصراع والمشاكل في البلد. الوحدة والتوحد والاتحاد تمنح قوة في جميع المجالات اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وتحرز نصر في كل الاتجاهات ، ولكن اليمن كان عكس ذلك والسبب يعود لعدم وجود مشروع دولة يحقق العدل والمساواة ويقدم الرفاه والرقي للشعب والوطن. في عام 90 تحققت الوحدة في حالة وجود أطراف حكم في الشمال والجنوب كلاهما لم يحملوا مشروع دولة. الطرف الأول رئيس الجنوب علي سالم البيض وكان الرجل رجل حزب حكم الجنوب على أساس نظام حزبي فشل اقتصادياً وتجه نحو التوحد مع الشمال بسبب الفشل. والطرف الثاني صالح الذي كان يحكم الشمال متقاسماً مع جماعة الاخوان التي يمثلها آل الاحمر وكلاهما يعتبران طرفان لحكم الشمال مكون من طرف شعبي كصالح وطرف اسلامي كالإخوان بينما يعتبر الطرفان طرف واحد قبلي كون صالح وآل الأحمر كان توحدهما من باب الرابط القبلي الذي يجمعهما بقبيلة حاشد. فالوحدة في عام 90 تمت بين طرف كان يحكم في الجنوب وطرف قبلي يحكم الشمال وسبب غياب ثقافة مشروع الدولة عن عقلية الطرفين تم التوجه بعد الوحدة نحو إيجاد نظام حكم هش كنظام مختلط لم يصبح برلماني ولا رئاسي واوجد تعددية وديمقراطية شكلية لم تسهم في تقدم الوطن مما أوجد الخلافات الداخلية واتجاه كل طرف لمحاربة الآخر واقصائه مما ولد الصراع وانفجرت الحرب التي انتهت بانتصار الطرف الشمالي ذو العقلية القبلية على الطرف الجنوبي ذو العقلية الحزبية. بعد حرب 94 كان هناك فرصة لبناء مشروع دولة في ظل اليمن الواحد ، ولكن ظلت الدولة كمشروع حكم تديره عقلية قبلية هي من تتقاسم الحكم والثروة ، فقرية آل الأحمر في سنحان التي ينتمي لها صالح ومحسن وقرية بيت الأحمر في حاشد التي ينتمي لها الشيخ عبدالله بن حسين واولاده هي من تحكم اليمن ، فصالح كان يدعي انه من آل الأحمر وكل الشعب كان يعرف ذلك ، وكان آل الأحمر يتقاسمون الجيش بين علي صالح وعلي محسن وكانوا يتقاسمون السلطات فالشيخ الأحمر رئيس البرلمان وصالح رئيس البلد وكانا يتقاسمان التعددية والأحزاب فصالح يقود حزب المؤتمر وعبدالله بن حسين رئيس حزب الإصلاح مما جعل السلطة والمعارضة كلها احمرية ، وكان التعامل بين عبدالله بن حسين وصالح على أساس أنت شيخي وانا رئيسك او انت رئيسي وانا شيخك . بسبب غياب مشروع الدولة وارتكاب ممارسات خاطئة ولدت الكراهية والبغضاء والعنصرية وزرعت الشقاق في البيئة الجنوبية نحو أبناء الشمال ليقوم على اثر ذلك دعوات تطالب بالانفصال . وفي الشمال توجه كل طرف نحو التفرد بالسلطة ، فصالح يريد التوريث لأحمد وآل الاحمر يريدون يقطعون الطريق عن احمد وينتقل الدور لحميد ، مما ولد خلاف بين الطرفين ظهر في عام 2011 على أنه خلاف قبلي عندما اعلن آل الأحمر أن صالح من آل عفاش وليس من آل الأحمر وأصبح الصراع السائد والحاضر ظاهراً بين آل عفاش وآل الاحمر. بعد تخلي صالح وانتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً عبر انتخابات توافقية كحل لأزمة عام 2011 وفق المبادرة الخليجية ، ظهر الرئيس هادي حاملاً مشروع دولة من خلال التوجه مباشرةً نحو بناء دولة اتحادية وعقد مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى بمخرجات أقرت مشروع دولة اتحادية مكون من ستة أقاليم . وهنا يكون الرئيس هادي قد جاء بمشروع دولة مناسب يحل كل المشاكل السابقة ويتخلص من كل القضايا المعلقة وينصف الجميع في الشمال والجنوب وينقل اليمن لمرحلة الدولة الحقيقية ويرسخ الأمن والاستقرار ويحقق العدالة والمساواة ويحتوي الجميع ويشرك الكل ويعدل في التوزيع للثروة والمكاسب ويقود نحو مرحلة الانتقال لمواكبة المستقبل المنشود وتحقيق الآمال والطموحات لكل أبنائه .... وسيكون هادي قد جاء بمشروع دولة مناسب لكل اليمنيين بالشمال والجنوب عبر بناء الوطن الواحد في ظل نظام مشروع الدولة الاتحادي ، ليحقق نجاح ووجود اليمن الموحد الواحد الاتحادي ، ويصبح هادي بمشروعه هذا حقق الوحدة الحقيقية والمطلوبة للشمال والجنوب وجمع بين سالمين الجنوب وحمدي الشمال .