بقلم: العميد القاضي د حسن حسين الرصابي/ تنبض الحياة في وادي زبيد بفضل شرايين من المياه تنساب إليه من أعالي الجبال والوديان في محافظتي إب وذمار، وفروع من محافظتي تعز والحديدة. يبدأ مسار السيل من جبال مشورة، ووديان الدور ومذيخرة، وحزم العدين، مارًا بوادي عنه، ومنه يتلقى روافد أخرى من جبال يريم والقفر، وأراضي السحول وحبيش، وجبال وصابين، وشرعب السلام وجبل رأس. كل هذه الروافد تجتمع لتصب في وادي زبيد الخصب، الذي يُعد من أجود وديان تهامة وأكثرها عطاءً وحيوية، وكثافة سكانية. نظام الري: إرث يتجاوز ثمانية قرون ما يميز وادي زبيد حقًا هو نظام الري الفريد الذي يجمع بين أصالة الماضي وتكيف الحاضر. يحكي الأهالي بفخر أنهم يسيرون على عادة تقسيم المياه منذ أكثر من ثمانمائة وخمسين عاماً، وهو نظام قائم على "الشريج اليدوي". هذه الطريقة القديمة كانت تعتمد على استخدام الأخشاب، والأشجار والأحجار والتراب لتشكيل حاجز يحول مجاري مائية دقيقة، تتوزع عبرها المياه إلى كل فرع وحقل في الوادي، وفقًا لتقسيم محكم أسسه وأشرف على تنفيذه الفقيه العلامة إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الصمد الجبرتي ووجهاء المنطقة حينها. وعندما قامت الدولة مؤخرًا بتطوير قنوات الري وتجهيزها بأساليب شبه حديثة، استمرت عادة التوزيع كما هي، تكريمًا لهذا الإرث العظيم. يسير نظام الري بكل يسر وسلاسة، حيث يبدأ من الأراضي المرتفعة نزولًا إلى الأراضي المنخفضة، مستلهمًا حكمة قديمة تقول: "الماء لا يمر من عند عطشان". هذه القاعدة تضمن وصول الماء إلى كل مزرعة، ويقتنع كل مزارع بحصته، مما يمنع النزاعات ويعزز التكافل الاجتماعي بين الفلاحين. العُرف الاجتماعي الملزِم في مواسم الجفاف، عندما يقل السيل، يتوقف الري عند النقطة التي وصلها الماء، ويستأنف في الموسم التالي من نفس النقطة التي توقف عندها، مهما طالت المدة. لقد تحولت هذه العادة إلى عُرف اجتماعي مُلزِم، يُعاقب من يخترقه بالغرامة أو حتى بالحبس، ويشرف على تطبيقه شيوخ وعقّال متخصصون في تنظيم شؤون الري. خيرات الوادي وأصالته الإنسانية وادي زبيد هو سلة غذاء هامة لليمن، فتربته الخصبة تنتج محاصيل متنوعة ذات جودة عالية مثل: الموز، والمانجو، والحبوب المختلفة، والسمسم، والخضروات (كالطماطم، والبصل، والبطيخ)، إضافة إلى القطن، والتبغ (التنباك). أهل الوادي أناس بسطاء وطيبون، يشتهرون بكرم الضيافة وحب الغريب، ويتمتعون بثقافة دينية راسخة. تتناثر في قراهم المساجد الكثيرة، ففي قرية الزريبة وحدها، قد تسمع في الثلث الأخير من الليل اختلاف أصوات المؤذنين يتنافسون في الأذان، مما يبشر بقرب صلاة الفجر. هذا المشهد يجسد عمق الروحانية التي تسود المنطقة. زبيد: مدينة العلم والتراث العالمي يحتضن وادي زبيد في كنفه مدينة زبيد التاريخية العريقة، التي كانت عاصمة اليمن الموحد لعدة دول في الماضي. كانت هذه المدينة منارة للعلم والعلماء والأولياء، حيث احتوت على أكثر من ثمانين مدرسة ومسجدًا، وقد أدرجتها اليونسكو ضمن التراث العالمي، لتظل شاهدة على عظمة ماضيها. رؤية لمستقبل الوادي: دعائم الأمن الغذائي للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية، يأمل الكاتب أن تهتم الحكومة بهذا الوادي الخصب. يمكن تحقيق ذلك من خلال: * دعم المزارعين: بتوفير البذور المحسنة، ودعم الجمعيات الزراعية بالآلات الزراعية الحديثة والمبيدات. * إدارة المياه: إنشاء سدود لحجز مياه الأمطار الغزيرة التي تهدر وتسبب تآكل التربة. * تطوير أنظمة الري: صيانة القنوات القديمة وتحديثها، وشق قنوات تحت الأرض لتشمل جنبات الوادي المرتفعة، واستخدام وسائل ري حديثة مثل شبكات الري بالتنقيط التي توفر الماء وتزيد من كفاءة الزراعة. باختصار، وادي زبيد ليس مجرد منطقة زراعية، بل هو قصة إرث عريق، وتكافل اجتماعي، وروحانية عميقة، تستحق كل اهتمام ورعاية.