عدن بؤرة صراع الجنوبيين ؛ بينهم وبين أنفسهم ، هؤلاء يهيئون لشعارات قد مضى عليها الدهر ولم تعد تغني من جوع و لا تؤمّن من خوف ، كلٌّ منهم يريد أن يكون سائداً ومنافساً ومقاسماً ؛ ليس في عدن وحدها ، بل في الجنوب كله ؛ في علاقاته مع الخارج ، في علاقاته مع الإقليم ، وليس من ضير في ذلك إذا كان الهدف نبيلاً ، والوسيلة صحيحةً ، والنتائج المرجوة نافعةً . وقد كثرت الكتابات حول هذا الأمر ، وكان البدء في محيط عدن ؛ بكتابها ودعاتها وأبنائها الشرفاء الذين لم يخالطهم دخل في النسب أو الانتماء أو العرق ، و قد كانت هناك ردود حسنة وصادقة رغبةً في عدن و أهلها و مستقبلها ، و من الردود التي أصابت كبد الحقيقة مقال للروائي السقلدي في إحدى صفحات الأيام .. وبين هؤلاء وأولئك كثيرٌ من الحقائق التي غفل عنها بعضهم لغايةٍ في نفس يعقوب ؛ فهم لا يذكرونها إلآ عند مقارنة عدن بغيرها من المدن العالمية التي لا تعرف احتكاماً للغةٍ أو دينٍ أو جنسٍ أ و جغرافيا أو تاريخٍ ، بل ؛ تستوعب مَن فيها أكانوا مُعرقين أم مقيمين أم قادمين إليها ؛ فلا ميزة بين لون بشرةٍ و أخرى ، و لا فرقٍ بين ثقافةٍ و أخرى ، فهؤلاء جميعهم يشكلون تنوعاً في المكان و مكاناً في التنوع .. ينسى هؤلاء وأولئك أن البشر مواطنون عابرون للقوميات والأديان واللغات والأجناس ، وأن أوروبا ما بعد 2011 م ملاذٌ لم ينفِ أحداً ؛ استقروا أو شاركوا في السلطة أو هاجروا ، و ينسون هؤلاء أن كارلوس منعم العربي الجلف قد قاد مجتمعاً متحضراً في أمريكا اللاتينية ، و ينسى هؤلاء وأولئك قولهم ( إن عدن مدينة كوزموبوليتة ) ، أي ؛ ( مدينة عالمية ) حاضنة للجميع بلغاتهم ولهجاتهم وأجناسهم وألوانهم ؛ و منهم أبناء الجنوب ، أو أنهم من أوطانٍ لا وجود لها على الكرة الأرضية !! هؤلاء كأنهم يعيدون ما طُرِحَ تحت مسمى ( الجمعية العدنية ) ، وشعاراتها المعروفة في زمنٍ قد عُدّ تاريخاً لا يُذكر إلآ للعظة والعبرة و الحكمة فقط ، و لن يحتكم له الراهن اليوم ، فأجيال الجنوب تحتضن جميع مدن الجنوب ، و مدن الجنوب تحتضن أجيال الجنوب من المهرة إلى المندب .. أما مَن هم على النقيض من ذلك فهم المنبعثون من أحافير التاريخ التي لا حضور لها إلآ في متاحف التاريخ الطبيعي التي لا يزورها إلآ المختصون المحققون في انتقال الكائنات من طورٍ أدنى إلى طورها الأعلى ؛ الإنسان الذي تخلّى عن مظاهر القبح والبشاعة والعجمة ؛ أولئك هم دعاة حلف قبائل الجنوب الذين رفعوا شعاراتهم مدعين أن الجنوبَ قبيلةٌ تأتمر بأمر شيخ مشايخ الجنوب ، و أن الجنوب ليس إلآ قبائلهم التي نفرت وحررت و عمّرت ، أما ما عداها فلا حضور له في تحريرٍ و لا تعميرٍ !! ونحن وأنتم نعرف مَن حرّر عدن .. وينبري أحدهم لبيان حال قبائلهم بعد الاستقلال ، و ما حاق بها من ابتئاسٍ وانتكاسٍ ، و نسي أن تلك القبائل كان مشايخها في جزمة صالح ؛ يبيع ويشتري بهم في الجنوب ، ويركل مَن أراد بهم ، و يقبر مَن خالفه بهم ، نسي أنهم قد فقدوا قيمهم حين انصاعوا للمؤتمر الشعبي شيوخاً في لجنته العامة ، و نواباً في برلمانه المزور ، و أعضاء في مجلس شوراه الزائف ، نسي أن الزعامات الأصيلة لا و لن تفقد قيمها وشيمها مهما عصفت بها العواصف ، وصدق قول الشاعر : ( تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها إذا امتطاها إلى أسياده الذنب ) نسي أن معظم هؤلاء كانوا جيوشاً لعفاش في 94م ، وكانوا أعداءً لحراك الجنوب في 2007م ، و ما زالوا يحلمون بإمبراطورياتهم المجهرية في جنوبهم العربي المزعوم !! إن الجنوب هو جنوب أبنائه بلا استثناء و لا ميزة في الكيانات الاجتماعية المتآلفة على حقها في الحياة في الجنوب ؛ في جمهوريةٍ ديمقراطيةٍ محتكمةٍ لصندوق الاقتراع والانتخاب والاختيار الحرّ ؛ محتكمةٍ للدستور ، وللإرادة الشعبية المنتخبة بنزاهةٍ و أمانةٍ و استحقاق . نسي هؤلاء و أولئك أن بروز مثل هذه الدعاوي ما هي إلآ ردّ على الوعي الاجتماعي العام الصاعد في منظماتٍ مدنيةٍ تطالب بالعدل الاجتماعي في جميع ربوع البلاد ؛ تلك المنظمات التي تتعالى الدعوات إلى إصدار قرارٍ بمنعها عن العمل في ظل قيام مؤتمراتٍ قبلية و دعواتٍ مناطقيةٍ مقرفة . إن التيارات المتلاطمة في الجنوب سوف تفرز الاستحقاق الجماهيري الصادق و الصحيح ، و لن يموت نبض الجماهير بدعواتٍ قد تجاوزها التاريخ ، ورفضها المجتمع ، وما زال .. إن الأفق المدني الصحيح هو أفق الحق بلا حدودٍ .. و العدل بلا فروقٍ .. و المساواة بلا تمييزٍ .. إنه الأفق القادم في قلوب الأجيال و عقولها .. فدعوا تياره العميق و العريق يتدفق بلا عقبات ؛ كي يملأ الأرضَ عدلاً ؛ دعوه يحتضنكم جميعاً بلا قبيلةٍ و لا منطقة ؛ دعوه مظلةً للجميع ..