من البديهي ان علم الغيب لله وحدة، ولكن المعرفة الجيدة بحقيقة الزمن الحاضر تساعدنا كثيرا لنتوقع المستقبل، فنحن اليوم نعيش نتائج أحداث الأمس. لذلك فان القراءة المتأنية للأوضاع الراهنة ومعرفة مستوى وماهي المجتمع المكون والحاضن لتلك الأحداث والظروف هي المؤشر العلمي لما ستؤول اليه الأمور في المستقبل القريب. فكيف تبدو لنا الأحداث الراهنة على الأرض ومن يتبناها؟ وكيف ينظر الينا العالم من حولنا وماهي آليات التقييم لديه؟ ومن نحن، ولأي أرض ننتمي، ولمن نوالي، وفي أي زمناً نعيش؟ لنبدأ بمعرفة أنفسنا أولا: فقد تبين اننا أدوات مسيرة بدون بصيرة; ننتمي لحزب المتحدث الأخير الذي انصتنا لكلامه ساعة من الزمن ان كان سخياً حتى يمتطينا غيره، ونوالي قادة حزبنا ونقدسهم، وما سواهم في نظرنا خونة وكفار، ونعيش في زمن علي ومعاوية، فمننا من يقاتل في صف علي ومننا من يناصر معاوية. هكذا نحن: لا نقبل بعضنا البعض ولا نتعايش مع الآخر ولا نؤمن بالتعدد والاختلاف في الرواء. نحن نخلد الاشخاص ونجهل فكرهم، ونقيم المرء من انتماءه السياسي ونتجاهل عمله مهما زان أو حسن. وبذلك اصبحنا كبيادق الشطرنج يسهل على اللاعبين تحريكنا بما يخدم مصالحهم.
إما حصيلة سنوات الصراع المستمر وما انتجته من واقع على الأرض فهي النافذة التي تنظر الينا الأمم وتقيمنا من خلالها. ففي العاصمة صنعاء وما حولها من المحافظاتاليمنية توجد جماعة احكمت قبضتها على الأرض واستطاعت رغم تكالب أعدائها، ان تري العالم انها دولة مكتملة الأركان، تستحق ان تحكم أراضيها. وفي المقابل لم يعد لمشروع الشراكة اليمنية المنتظر قبول في المحافظات الجنوبية، ويكاد شغف إستقلال الجنوب يهيمن على الراي العام رغم سوء الادارة ورداءة الترتيب. وفي محافظة مأرباليمنية تتجمع جيوش لم تحدد بعد عدوها ولم تقرر وجهتها، فتعمل على إطالة فترة الحرب والصراع لتستثمر خيراتها.
لم تعد الخيارات متاحة لنا مثلما كانت من قبل، ولم نعد نملك من أمرنا شي ان لم نتخل عن التبعيات الهوجاء وننظر لمصلحة الجميع بما يمليه علينا حكم الأمر الواقع الذي لا مفر منه. يجب ان ننادي بوقف الحرب العبثية ووقف العدوان الخارجي فقد تشكلت خارطة اليمن وتقرر مصيرها وليس لنا سواها. فمستقبل اليمن مبني على ثلاث دول أولاهما أكتملت اركانها وصفاتها في شمال اليمن، وان لم تفي بطموحات الشماليين التوسعية، وأخرى في طور التكوين في الجنوب ولو لم تلتئم جروحها بعد، وثالثة تتشكل في مأرب لاصحاب المشاريع المثالية التي ليس لها وجود على أرض الواقع من المشردين وتجار الحروب، وظيفتها اقلاق سكينة الجارتين في الشمال والجنوب.