هل سمعتم عن (شعرة معاوية) إنها حكمة سياسية بليغة ورشيدة, ولقد صارت مثلا يضرب في عالم السياسة والعلاقات بين الناس. فقد قال معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - : "إذا لم يكن بيني وبين الرعية سوى شعرة فما قطعتها, فإن شدوها أرخيتها وإن أرخوها شددتها". والشعرة هنا كناية عن الرابطة بينه وبين الناس الذين يحكمهم. انظروا إلى هذا الدهاء السياسي الذي تميز به هذا الخليفة سواء مع رعيته أو مع معارضيه ومخالفيه ومنافسيه، فهو لا يترك - إطلاقا - التواصل والتقرب والمحاولات والجذب والاستقطاب ولغة اللين وإبداء روح المبادرة، وحسن النوايا مع كل هؤلاء مهما كانت حدة الخلافات, حتى إذا سدت الأبواب بينه وبين من يعارضه ويخالفه، ولم يبق بينه وبينهم إلا شعرة رقيقة ضعيفة فإنه لا يستهين بها، بل يبقي عليها، لأنها من خلال سياسته وحصافته ستتحول إلى حبل، ومن ثم إلى جسر، وهكذا. إنني في هذا المقال السريع (افتش) عن شعرة معاوية في الوسط السياسي الجنوبي الثوري، وكيف يستخدمها الساسة الجنوبيون على مختلف مشاربهم ومكوناتهم وعلى مستوى قادتهم وزعمائهم. الحقيقة أن هؤلاء الساسة والقادة والمكونات والنخب توجد بينهم جسور للتواصل وحبال للمودة، وليس للشنق وأواصر وطنية، كما أن بينهم قاسما مشتركا عظيما اسمه شعب الجنوب, وجسرا متينا هو هدف الشعب في التحرير واستعادة الدولة المستقلة كاملة السيادة . ولكننا - للأسف - نجد هؤلاء الساسة والقادة والنخب يقطعون هذه الحبال، ويخربون تلك الجسور، ويتجاهلون القاسم المشترك الأكبر الذي يجمعهم مع أنه هو الذي أوجدهم على أرض المشهد السياسي الثوري الجنوبي، وأقصد به شعب الجنوب الثائر العظيم , ولكنهم بطريقة عجيبة ومحيرة يتمسكون بشعرة الخلاف والخلافات العقيمة مع أنها متناهية في الضعف وياليت أن هذه الشعرة هي شعرة معاوية التي تعني التواصل والدهاء والحنكة، ولكنها شعرة الاختلاف والمماحكة، فيكبرونها ويمتنونها حتى تصير هوة سحيقة ولجة عميقة، وطريقا وعرا من التقاطع والجفاء والخلاف وسوء الظن، وأزمة الثقة والمخاوف والتحامل والتجني وغيرها من المعاني السلبية التي لا أساس لها في قاموس السياسية بين أصحاب القضية الواحدة والمصير المشترك والهدف الموحد. لاحظوا معي العصابات المتنفذة والحاكمة في صنعاء كيف أنهم مختلفون إلى حد بعيد، وليس بينهم قواسم مشتركة كالتي بيننا (وطنية وعادلة وواضحة وتاريخية) ومع هذا فإنهم يتواصلون وينسقون ويتبادلون الأدوار، ويتفقون في جوانب كثيرة وأهمها الحرب على الجنوب والحرب في الجنوب والحرب ليبقى الجنوب محتلا ومدمرا والحرب على مستقبل الجنوب واغتيال كوادره. صحيح إنهم يتعاونون على الإثم والعدوان، ولكننا نحن في الجنوب لا نتعاون على البر والتقوى بما يؤدي إلى توحيد الحامل السياسي للثورة الجنوبية التحررية بقيادة سياسية موحدة وجامعة. وإذا كانت (شعرة معاوية) قد صارت علامة سياسية عبرت إلينا عبر العصور، فإن كلمات الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - ما تزال ترن في أذني، وتحز في نفسي، وأنا أنظر في المشهد السياسي الجنوبي، وذلك حين قال لأنصاره ذات يوم : ((فيا عجبا والله يميت القلب ويجلب الهم, اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم). السياسة بطبيعتها أيها الإخوة تأنف بل تأبى القطيعة والجفاء، وسد الأبواب والنوافذ، وقطع الأواصر والتواصل والإحجام عن المحاولات واليأس من الاتفاق، كما ترفض الإقصاء والعداوة الدائمة والاستئثار والحذر المبالغ فيه، ووضع العراقيل والتعجيز، وهي كذلك لا تخضع للامزجة، والعواطف ولا يناسبها التكبر والتعالي والاستغناء والتجهم وضيق الصدر وعدم الحلم والتحلم. فمتى يفقه ذلك ساستنا وقادتنا ونخبنا في الجنوب لا سيما اننا نعيش ثورة تحررية شعبية عادلة، وليس تنافسا على كراسي الحكم . ألا هل بلغت اللهم فاشهد.