تمرد على السفينة باونتي مبنية على أحداث حقيقية ترجمة دكتور طارق علي عيدروس السقاف أستاذ الترجمة والترجمة الفورية المشارك في جامعة عدن مقدمة قبل مائتي عام مضت من الان لم تكن الحياة على البحر من السهولة بمكان ، ففي ذلك العصر كثيرا ما كان البحارة يتناولون الخبز القفار واللحم الرديء ، كانوا يعملون ليل نهار، وكانوا كثيرا ما يتضورون جوعا وعطشا ، ويصابون بالبرد والبلل. كان البحارة في ذلك الزمان لا يرون اليابسة لا شهر عدة. كانوا كثيرا ما يواجهون الرياح الصرصر العاتية والحوادث الخطرة ، حتى أن بعض السفن لم تتمكن من العودة إلى أرض الوطن. في عام 1787 م غادرت السفينة البريطانية باونتي إنجلترا ، وابحرت حوالي نصف مساحة الكرة الارضية ، كانت وجهتها صوب جزيرة تاهيتي في بحار الجنوب. كان قبطان هذه السفينة يدعى وليم بلاي وكان نائبه الاول يدعى الضابط فلتشر كريستيان. لم تكن السفينة باونتي محظوظة ، كما أن طاقمها من الضباط والبحارة لم يكونوا سعداء ، فقد كان القبطان بلاي صعب المراس، كما أنه كان صارما بطبعه ، ولم يكن ضباطه وبحارته يحبونه. إنهم يشعرون بالغضب والخوف منه. يشعرون بالخوف نتيجة لمكوثهم في البحر لا اشهر طوال ، بل قد تصل المدة أحيانا إلى سنة كاملة حتى تعود السفينة إلى البلد الام إنكلترا...سنة كاملة بلياليها مع القبطان الغاضب بلاي. شرع البحارة يتهامسون بالحديث متسائلين بالقول : (لما لا نستقر هنا في جزيرة تاهيتي مع سمائها الزرقاء الصافية ، وشعبها الودود؟ لماذا نحتاج للقبطان المتغطرس وليم بلاي؟ بل لماذا لا نضعه على احدى قوارب السفينة ونرسله إلى الوطن الام إنكلترا؟ ولكن في قوانين الملاحة البحرية فان عقوبة التمرد هي الاعدام.......... يتبع..... تمرد على السفينة باونتي مبنية على أحداث حقيقية ترجمة دكتور طارق علي عيدروس السقاف أستاذ الترجمة والترجمة الفورية المشارك في جامعة عدن الفصل الأول من إنجلترا إلى تاهيتي هبت ريحٌ صرر عاتية على مياه البحر الخضراء، وكان يوما باردا من ايام شهر كانون الاول من عام 1787 م ، هناك وقف ثلاثة من البحارة وصبي على سطح سفينة صغيرة تُدعى باونتي ، وظهرت خلفهم على اليابسة عدد من التلال ومنازل صغيرة بيضاء اللون. شرعت السفينة بالإبحار. كان هناك صبي يُدعى بيتر هايود ويبلغ من العمر الرابعة عشر ، وبالرغم من سنه الصغير فقد كان يحمل رتبة ضابط بحري ،كان صبيا سعيدا ومرحا. قال بيتر موجها كلامه للسيد كريستيان فلتشر ( إن إنكلترا تبدو صغيرة من هنا يا سيد فلتشر) ، هنا ابتسم فلتشر كريستيان صوب الصبي. كان السيد كريستيان شابا طويل القامة ذو شعر أسود فاحم ، كان وجهه طويلا وان بدا عليه التعب ، قال كريستيان للصبي موضحا ( فعلا إن إنكلترا صغيرة ، ولكننا ذاهبون إلى جزر أصغر مساحة بكثير من وطننا الام إنكلترا ، إننا ذاهبون إلى جزر تاهيتي الرائعة ، إن ساكني جزر تاهيتي اشخاصٌ ودودون ، صحيح بانها جزر صغيرةٌ ، ولكنها دافئة وجميلة جدا).....هنا ضحك بحارا آخر كان يُدعى جون آدمز وقال ( إنك محقٌ في هذا يا سيد كريستيان ، فهناك الطعام الشهي ، والشمس الدافئة ، والسماء الزرقاء الصافية ، و بها أيضا النساء الجميلات والمثيرات!!!! إنني أريد..........) لم يكمل السيد آدمز كلامه فقد قاطعه صوت صارم من الخلف قائلا له ) أصمت يا رجل!!!!( ، التفت كريستيان وهايود إلى الخلف حتى يروا المتكلم ، لقد كان القبطان وليلم بلاي. كان القبطان رجلا قصير القامة ، ممتلئ الجسد ، ذو شعر بني. كان كريستيان يعرف القبطان بلاي تمام المعرفة ، فقد كانا صديقين في الماضي ، ولكن الان تغيرت الظروف ، واصبح السيد وليام بلاي هو القبطان ، وكانت السفينة باونتي هي الاولى التي عمل بها كقبطان بحري ، وكانت هذه السفينة تعني له الكثير..... نظر القبطان بصرامة صوب آدمز وعيناه تشعان بالغضب وقال له ( لا تتحدث عن النساء وانت على ظهر سفينتي هذه يا سيد آدمز ، عليك بالصمت والابحار بالسفينة ، هل تفهم ما أقول؟؟؟) هنا اعتدل آدمز ورد قائلا باحترام ممزوجا بشيٍ من الرهبة قائلا بهدوء ( نعم يا سيدي...)، بعدها التفت القبطان بلاي صوب مساعده الضابط كريستيان والصبي هايود واقترب قليلا منهم وقال بصوت جهوري قوي بحيث سمعه جميع البحارة ( والان اسمعني جيدا يا سيد كريستيان وانت أيضا ياهيود: إنني قبطان هذه السفينة ، تذكرا هذا ، سنقطع مسافة 30000 كيلومترا عبر طقس سيء وبحار أسوأ ، لا اريد أن تقع أية حوادث ، إنكما ضابطان بحريان ، وهذا يعني أن لا تتحدثا مع البحارة حول مواضيع خاصة بالنساء أو المشروبات الكحولية...أو ما شابه ذلك. يجب عليكما العمل بجد ، وكذلك البحارة عليهم العمل بجد ونشاط ، هل تفهم هذا يا سيد كريستيان؟) ...هنا رد كريستيان باحترام ممزوجا بشيء من البرود ( نعم سيدي....) ، رد عليه القبطان ( حسنا)...بعدها التفت صوب الصبي وقال له بصرامة ( وأنت يا سيد هايود؟) ، هنا ارتعبت فرائص الصبي هايود ، وقال والقلق باديا على عينيه ( نعم يا سيدي...) ، ولأول مرة ابتسم القبطان بلاي صوب الصبي هايود ، وقال له مخففا من نبرة صوته الحادة (هل هذه رحلتك الأولى في البحر أيها الولد؟) ، رد هايود (نعم ...) ، قال له القبطان ( حسنا ، يجب عليك العمل بجد ، ودون ملل وتنفيذ أوامري، فلربما يوما ما تصبح قبطانا أنت ايضا. هل تحب هذا؟) ، هنا ابتسم هايود وقال ( بالطبع يا سيدي...)...هنا عاد القبطان إلى صرامته مجددا وقال لبيتر هايود ( حسنا إذن ، أنظر لهؤلاء البحارة ، إنهم لا يعملون ، اذهب إليهم وامرهم بالعمل...هيا بسرعة!!!!) ابتسم القبطان بلاي ثانية وقال للصبي ( أي سفينة ناجحة ، عنوانها بحارة يعملون بجد!!! وضباط يعملون بجدية أكثر!!). أبحرت السفينة باونتي جنوبا صوب المحيط الاطلنطي. كان الملاحون يواجهون الاعاصير لعشرة ايام كاملة بالقرب من كيب هورن مما منعهم من التوجه غربا بسبب الرياح الغربية ، لهذا قرر القبطان ان يغير وجهة السفينة شرقا صوب جنوب أفريقيا وتسمانيا و تاهيتي. كان هناك ثلاثة وثلاثون بحارا على السفينة باونتي ، واحدى عشر ضابطا بحريا . كان بلاي هو القبطان. وكان كريستيان هو ضابطه الثاني. وكانت السفينة معظم الوقت مبللة بمياه البحر والامطار وكانت باردة ولكن لم يمرض أحد من ملاحيها. في إحدى المرات قدم القبطان بلاي لملاحيه بعض من التفاح ، ولكن لم يقبل أحد من الملاحين هذا التفاح لقدمه ورداءته ، هنا شعر بلاي بالغضب الشديد ، وقال لهم وهو يصيح ( اللعنة عليكم جميعا...إن التفاح مفيدا لكم خصوصا في هذه الظروف ، إنني آمركم بان تأكلوا التفاح!!!!). في السادس والعشرين من شهر أكتوبر من عام 1788 م وصلت السفينة باونتي جزر تاهيتي ، وقد استقبلها سكان الجزر بقوارب الكانو الشراعية الكبيرة مرحبين بهم ، وكانوا يحملون لهم الطعام. كان ملك جزر تاهيتي شخصا ودودا ، كان اسمه الملك أوتو. فور وصول البحارة إلى جزر تاهيتي ، توجه القبطان وليام بلاي صوب منزل الملك أوتو وكان محملا بالعديد من الهدايا له من ملك إنكلترا. هنا شكر الملك أوتو القبطان قائلا ( أشكرك ايها القبطان ، أهلا وسهلا بكم في جزر تاهيتي ، أنا أيضا أريد أن أهدي شيئا ما لملك إنكلترا...ولكن ملك إنكلترا شخص غني ، ماذا يمكنني أن أهديه ايها القبطان؟ ) ، هنا ابتسم بلاي وقال ( بالفعل إن الملك رجل غني جدا ، ولكننا في إنكلترا لا نملك أشجار ثمرة الخبز ، إن ملكنا يتمنى لو أخذنا بعض أشجار ثمرة الخبز الموجودة لديكم حتى يعطيها لشعبه في جامايكا ، هل تسمح لي سيدي الملك بأن أخذ بعض منها على سفينتي؟) ، هنا ضحك الملك أوتو وقال ( على الرحب ايها القبطان، خذ ما تريده من هذه الاشجار ، وسيساعدكم شعبي في هذه المهمة) . مكثت السفينة باونتي على جزر تاهيتي ما يقارب الخمسة اشهر، وبحلول شهر مارس ، كانت هناك حوالي الالف شجرة من اشجار ثمرة الخبز على سطح السفينة ، وكان الاطفال التاهيتيون يلعبون بمرح على سطح السفينة باونتي ، وفي المساء كان البحارة يرقصون و يغنون مع النساء التاهيتيات. في صباح أحد الايام على إحدى جزر تاهيتي ، أخذ عدد من البحارة – بصحبة بعض من النساء التاهيتيات- قارب من قوارب السفينة ، واتجهوا به إلى جزيرة أخرى تابعة لجزر تاهيتي ولكنها منعزلة. هنا استبد الغضب بالقبطان بلاي فور علمه بما حدث ، فقام بوضع الاصفاد على اقدام هؤولاء البحارة فور عودتهم ، بعدها صرخ مهددا و متوعدا الضباط البحريين و ملاحو السفينة قائلا ( أنتم أيها الملاحون عليكم الابتعاد عن النساء ، يجب عليكم جميعا الاستماع لي وطاعة أوامري و العمل بجد من أجلي ومن أجل الملك ) . كان بعض الضباط البحريين يحتفظون ببعض الخنازير على السفينة ، واحيانا يقوم القبطان بأخذها منهم معللا ذلك بالقول ( سأعطي هذا الطعام للبحارة ، فهم بأمس الحاجة له أكثر منكم). كان يوم الرابع من ابريل هو آخر يوم للسفينة باونتي على جزر تاهيتي ، كانت السفينة مليئة بالطعام والرجال وكذلك كان على متنها الملك أوتو وجميع أفراد عائلته واصدقائهم التاهيتيين ، ولكن لم يغني أو يرقص أحد منهم قط ، فقد كان الجميع يشعر بالحزن. رأى بيتر هايود البحار آدمز وهو يختلي بامرأة تاهيتية ، صرخت المرأة حزنا على فراق آدمز ، بعدها عادت أدراجها من السفينة إلى الجزيرة عبر أحد القوارب ، شارك بيتر هايود آدمز حزنه. بدأت الشمس بالغروب. نادى القبطان ضابطه البحري استعدادا للرحيل قائلا ( سيد كريستيان ، هل جميع سكان تاهيتي قد غادرو السفينة؟) ، أجابه كريستيان ( نعم سيدي...)...رد القبطان قائلا ( حسنا إذن ، وجهتنا القادمة هي جامايكا ، وبعدها سنعود أدراجنا صوب وطننا الأم إنكلترا ...) بعدها نظر صوب بيتر هايود وقال له بصرامة ( لا تقف هكذا ايها الولد ، هيا إلى العمل ، اعتني بأشجار ثمار الفاكهة التي جلبناها معنا ، إن ملكنا – الملك جورج - سيكون في غاية السعادة عند رؤيته لهذه الاشجار النادرة. يتبع......