حلم القبطان آيهاب أبحرنا صوب المحيط الهادئ ، وقد قمنا بصيد عدد لا بأس به من الحيتان، وفي أحد الأيام تمكنا من صيد أربعة أحوات ، لم نستطع إستخراج الزيت من جميعهم في نفس اليوم، لذا أضطررنا لمراقبتهم في الليل خشية أن تهاجمنا أسماك القرش، لذا قمنا بانزال بعض القوارب بالقرب من الأحوات الأربعة الميتة....
وكنت على قارب القبطان آيهاب ، قمنا بغرس حرابنا على الأحوات الأربعة ومن ثم وضعنا بعض الأضواء على هذه الحراب حى يتسنى لنا رؤية اسماك القرش إن هاجمتنا. فجأة صرخ بعض الرجال من القوارب المجاورة ( أسماك القرش...أسماك القرش)....
كان عددهم ثلاثة وكانو ذو سرعة كبيرة جدا....وقد قاتلناهم بضراوة حتى نبعدهم عن احواتنا ....بالرغم من مشقة قتالنا معهم إلا أننا في النهاية نجحنا في إبعادهم عنا ولكن لمسافة ليست بعيدة...إذ ظلو يقفون بعيدا يراقبوننا....وكنا في الليل عندما ننام نبقى مهمة الحراسة على فيض الله وهو بدورة استطاع إبعاد أسماك القرش عن أحواتنا.
في إحدى الليالي استيقض القبطان آيهاب مذعورا من على القارب....إلتفت صوب فيض الله وقال له ( إنه نفس الحلم يافيض الله...أراني في هذا الحلم بأني أموت وأرى نعشي أمامي....ما رأيك؟؟)....قال له فيض الله بهدوء لا يخلو من الثقة ( إنك ياسيدي لن تحتاج لنعش عند موتك، لقد أخبرتك بذلك مسبقا)...
قال القبطان آيهاب ( أتعتقد بأني سأموت على المحيط؟ هل سأموت في هذه الرحلة؟ هل سأموت قبل أن يتسنى لي قتل الحوت الابيض موبي ديك؟ ) ....هنا لمعت عيني فيض الله وثبت نظره صوب القبطان وقال له بهدوء ( فقط وحده الحبل من سينهي حياتك....)...
أندهش القبطان آيهاب كثيرا وقال له متسائلا ( الحبل؟؟!! أي حبل؟ وكيف؟ ماذا تعني؟ آآآه هل تقصد بأني سأموت عند عودتي لموطني....حيث سأشنق هناك....هل هذا ما تقصده يافيض الله؟) ....رد فيض الله قائلا ( حبل ما سيقتلك....ولكني سأموت أولا....بعدها تموت أنت...ستتبعني إلى العالم الآخر)....هنا سأله القبطان بمزيد من الفضول ( ولكن متى؟ وأين يا فيض الله ؟ ) ...
رد فيض الله ( لا أعلم، كل مأعرفه بأني سأموت أولا وبعدها تتبعني أنت....). كنت أصغي بانتباه لهذا الحوار الذي دار بين الرجلين...الآن فهمت...كان فيض الله الساعد الأيمن للقبطان ومساعده الحقيقي لأنه يستطيع التنبؤ بالمستقبل...كما أن القبطان آيهاب يثق كثيرا بتنبؤاته....لهذا السبب كان هذا الرجل شخصا مميزا ليس فقط للقبطان ولكن لجميع صائدي الحيتان.....فجأة إلتفت فيض الله نحوي....ترى هل عرف مايدور في خاطري تجاهه ؟ وبسرعة أغلقت عيناي.
في اليوم التالي ....رمى القبطان بجميع الخرائط إلى البحر قائلا بغضب ( لا فائدة ترجى منكم...فلم استطع الوصول للحوت عن طريقكم...إنني سأجده بدونكم )... ُصدم الرجال عندما علموا ماحدث....كان أكثرهم صدمة هو نائب القبطان ستاربك....فقد كان وجهه شاحبا....فقال للرجال دون أن يسمعه القبطان ( كيف للسفينة أن تبحر بدون خرائط....لعمري إنه رجل مجنون...)....
كان الرجال قلقون جدا مما فعله القبطان ولم يستطيعوا النوم، فجلسوا يتحدثون حول هذا الأمر قائلين ( ماذا يفعل بنا هذا الرجل؟ إن الأمر لخطير جدا...والأمور تتعقد ....).
فجأة هبت رياح عاتية لم تلبث أن تحولت إلى أعصاير قوية جدا....لم نستطع السيطرة على السفينة..كانت سفينتنا ترتفع بقوة وتهوي إلى أسفل بقوة بفعل الأعاصير....
كانت كشمعة في مهب الريح....لم نستطع حيال تلك الأعاصير شيئا ...خصوصا وأن الرجال كانوا خائري القوى....لذا تركنا أمرنا لله ....هنا جن جنون القبطان ،فلم يكن يؤمن بالله ولا بقدره... فنظر للسماء وقال بغضب ( هل تحاول تحطيم إرادتي؟؟!! لن تستطيع....إنني أتحداك، وسأقاتل حتى النهاية ....)...
هنا صاح ستاربك في القبطان قائلا ( إن الله يريدنا أن نعود...لا تعاند إرادة الله...أنظر حولك...أنظر للقوارب وماذا حل بها....أنظر للسفينة....)....
هنا جرى القبطان مسرعا وأمسك بحربته الكبيرة ووجهها للبحارة مهددا ( لا يمكن لأي أحد منكم أن يغير إتجاه السفينة...ومن يفعل منكم ذلك سيجد حربتي هذه وقد أخترقت قلبه....سنستمر بمطاردة موبي ديك... إن الحوت بالقرب من هنا... لقد قطع هذا الحوت ساقي وجعلني معوقا مابقي لي من عمر ويجب أن يدفع الثمن...سأجده وسأقتله...... ومن لديه رأي معارض فليحتفض به لنفسه).
بعد عدة ساعات من هذا الموقف...هدأت العاصفة...بعدها توجه ستاربك صوب قمرة القبطان آيهاب...كان الغضب باديا بوضوح على وجهه....كم تمنيت أن يكون ستاربك هو قبطان سفينتنا ، فتبعته وراقبت الموقف. فتح ستاربك باب القمرة بهدوء..ووجد القبطان نائما على الطاولة ، ولم يكن هناك أية خرائط...
ولكن كان هناك مسدس خاص بالقبطان موضوع على الطاولة....أخذ ستاربك بهدوء وبحذر ذلك المسدس ووجهه صوب القبطان استعدادا لقتله ...قال ستاربك لنفسه وهو يوصوب المسدس صوب القبطان وهو نائم ( ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟ إما أن أقتله...فيمكننا العودة بسلام إلى وطننا وعائلاتنا..أو أن أتركه وعندها سيقضي علينا جميعا بتهوره وعناده الغبي...عندها سنموت ونحن بعيدون عن الوطن وعائلاتنا...) ....
كنت في قرارة نفسي أتمنى لو أن ستاربك بالفعل قتل القبطان...فلو كان قد قتله لما حدث لنا ماحدث....ولكن للأسف بعد برهة من الوقت...سقطت يد ستاربك الممسكة بالمسدس ولم يستطع قتل القبطان...فوضع المسدس على الطاولة وغادر القمرة بهدوء.
في صباح اليوم التالي سمعنا أصواتا غريبة...تساءلنا عن ماهية هذه الاصوات..هل هي أصوات حيوانات؟؟أم أسماك؟ أم أنها صوت الريح؟ أم ترى أنها أصوات اشباح ....؟ ...لم يدم تسائلنا كثيرا...فقد عرفنا مصدر هذه الأصوات ...لقد كان بيب....كان يصرخ ( إنني أغرق...ساعدوني أرجوكم...)..
توجه القبطان آيهاب مسرعا صوب الصبي مطمئنا له ( لاتخف يابني...إنني معك...لايمكن لأي شيء أن يؤذيك)، فقام بعدها بإنتشاله من الماء .....عندها قال لي ستب ساخرا بهمس ( إنظر إلى هذا ، إن في سفينتنا إثنان من المجانين....الله وحده يعلم ماسيحل بنا ....) . يتبع......