موبي ديك لهيرمن ميلفايلالفصل الحادي عشر ترجمة د.طارق علي عيدروس السقاف
بداية المعركة بعد عدة أيام إستعد القبطان آيهاب ومساعدة ستاربك لملاقاة موبي ديك..... في أحد الأيام أثناء الليل وفي هدوء القمر، تحدث القبطان إلى مساعده قائلا بمرارة ( ما نوع هذه الحياة التي أحياها ؟؟!! أربعون سنة من العمل المضني وقلة النوم ، وقليل من العائد المادي، وفوق هذا وذاك حياتي كلها في مواجهة الموت.
أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي تزوجت فيه ، وفي اليوم التالي ذهبت لصيد الحيتان ولم أعد لزوجتي العزيزة إلا بعد ثلاث سنوات..هل تصدق هذا ؟ أشعر الآن بأني عجوز وقليل الحيلة ياستاربك...كثيرا ما أفكر بعائلتي وولدي الصغير...ماذنبهم ليحيوا هذه الحياة....).
لم يألف ستاربك من قائده هذه اللهجة الحزينة ، ولكنه إغتنمها فرصة وقال له مواسيا ( أنا أيضا لدي طفل....وهوووالدته ينتظران عودتي بفارغ الصبر...
لما لانعود لعائلاتنا ياسيدي القبطان ، أظن بأن هذا أفظل و.....)....فجأة تغير وجه القبطان، وقال مقاطعا ( إنتظر...إن موبي ديك في الجوار...إنه قريب منا كثيرا جدا...بل أكثر مما نتصور...، إنني أشعر به.) ....هنا تلاشى الأمل من وجه ستاربك ، وأقفل عائد للعمل وكله حزن وألم للمصير المجهول الذي يقودهم إليه القبطان.
كان القبطان على حق، لقد كان بالفعل موبي ديك قريب جدا منا..... فجأة وفي صباح اليوم التالي صاح القبطان( الحوت الأبيض..الحوت الأبيض) ....وعندما ظهرنا لملاقاته كانت المرة الأولى لي في أن أراه....ويالهول ما رأيت....كان أضخم حوت رأيته في حياتي...
كان يبدوا بأنه خطر جدا، بالإضافة إلى أنه كان جميلا بصورة ملحوظة ....يختلف كثيرا عن بقية الحيتان التي قمنا بإصطيادها...كان جسدة الناصع البياض يلمع مع أشعة الشمس مما جعله يبدو في غاية الروعة والجمال...حقيقة لم أرى حوتا مثله في حياتي قط...
كانت طيور النورس تحلق فوقه وتتبعه حيثما ذهب....هنا برقت عينا القبطان عندما رآه، عاد إلى عناده من جديد، وأعطى أوامره صارخا ( أنزلو القوارب ....هيا تحركوا يارجال...).....
لم يكن لدينا الكثير من القوراب وخصوصا بعد تلك العاصفة العاتية التي واجهتنا مسبقا ، صعد القبطان ورجاله على القارب الأول ، وقبلها قال لستاربك ( تستطيع البقاء على السفينة ، حتى يتسنى لك رؤية زوجتك وولدك ثانية). أصبحنا جميعا في قواربنا...صعد موبي ديك على سطح المحيط ...
كان ضخما جدا كجبل من الثلج ، وكانت هناك رماح مغروسة على جسده نتيجة لقتاله مع العديد من الصيادين الذين حاولوا إصطياده من قبل....فجأة غاص الحوت إلى الأعماق قاذفا كمية هائلة من المياه نحونا واختفى.....بعدها مباشرة عم الهدوء على المحيط وكأن شيئا لم يكن....
تسائلت في نفسي قائلا ( ترى أين ذهب؟؟!!)...بقينا لساعات طوال على قواربنا ننتظر ظهور الحوت ثانية....فجأة صرخ تاشتيجو ( الطيور ....أنظروا...)...كانت طيور النورس تحلق فوق رؤوسنا ، فعرفنا بأن موبي ديك كان لايزال قريبا...نظرنا صوب الماء... كان هناك شيئا تحت الماء ، ظل يقترب ويكبر شيئا فشيئا... لقد كان هو...تحتنا تماما...إرتفع تحت قارب القبطان آيهاب....
كان فاغرا فاه....وفجأة قظم بأسنانه القوية قارب القبطان فحطمه وجعله قطعا متناثرة على الماء في غمضة عين... قفز فيض الله والآخرين من على القارب صوب الماء...أما القبطان ظل متماسكا في القارب المحطم...وبدأ يصرخ بصوت هستيري تجاه موبي ديك. كان يحاول مقاتلة موبي ديك ولكنه لم يستطع ، لقد فقد حربته أثناء تحطم القارب..
وكان يتحرك بصعوبة خصوصا في وجود قدمة الإصطناعية....تحطم القارب ، وغاص في أعماق المحيط، لم يبتعد موبي ديك بل أخد يحوم حول القبطان....
حاول القبطان جاهدا أن يسبح بعيدا عن الحوت...كما أننا حاولنا إلتقاط القبطان على قاربنا ولكننا لم نستطع...قال ستب ( إن ذلك الحوت ...يحاول السخرية من القبطان) ....عندها كانت الطيور تحلق وتدور فوق موبي ديك...صرخ القبطان ( عليكم بالحوت....لا تتركوه...أحضروا السفينة البكويد ....
بعدها تم إنزال الأشرعة من على السفينة...وبدأت السفينة بالتحرك صوب موبي ديك...كنا نراقب كل هذا من قاربنا...وصرخنا ( إن السفينة ستصطدم بموبي ديك!!!) مرة ثانية غاص الحوت إلى الأعماق وعاد الهدوء من جديد سيد الموقف...
لم يعد بعدها موبي ديك، قام الرجال على البيكويد بسحب القبطان ورجاله إلى ظهر السفينة ، هنا شعر رجال القبطان بالخوف وبعضهم بدأ بالصراخ الهستيري...لكن فيض الله بقي هادئا ولم ينبس ببنت شفه ، كان يتطلع بترقب صوب المحيط....لم نكن نعلم ماذا كان يدور في رأسه....
ذهب القبطان صوب قمرته وأحضر معه عملة ذهبية وقال للرجال ( هذه العملة الذهبية تصبح من نصيبي الآن ، لأنني أول من رآى موبي ديك....سنقتل موبي الديك اللعين ...ولكن السؤال يبقى متى؟ إن أول من سيرى ذلك الشيطان الأبيض في ذلك اليوم الذي نقتله فيه...ستكون هذه العملة الذهبية من نصيبه )....
هنا لم يستطع ستاربك أن يتمالك نفسه ، فصرخ في وجه القبطان قائلا (ألم تتعلم الدرس بعد؟؟ هل أنت مجنون؟؟ عليك التوقف عن المطاردة المجنونة لذلك الحوت ).. صرخ القبطان بدوره قائلا بعنجهية مملؤة بالعناد ( إنكم لم تروا شيئا اليوم..إنك جبان...سأنهي كل هذا قريبا...سأتوقف عن مطاردة ذلك الشيطان عندما أراه مقتولا أمامي بحربتي هذه).يتبع....