موبي ديك هيرمن ميلفايل -الفصل السادس ترجمة د.طارق علي عيدروس السقاف
موبي ديك منذ ذلك الوقت كان القبطان آيهاب يبقى لساعات طوال في قمرته دون نوم ، يتطلع إلى الخرائط للأماكن التي يُحتمل أن يتواجد فيها موبي ديك، كان يتحدث مع فيض الله ساعده الأيمن الذي يوليه كل ثقته. كنا نستطع سماع الحوار الدائر بينهما، وكثيرا ما كان القبطان يتحدث بلهجة غاضبة بينما فيض الله كان يتحدث بلهجة هادئة ولكن واثقة. كان فيض الله مختلفا عن بقية صائدي الحيتان على السفينة بكويد، كما أنه كان منعزلا عنهم، كان وكأنه خصيصا تحت إمرة القبطان آيهاب مباشرة ولديه من الصلاحيات مايفوق الآخرين حتى نائب القبطان ستاربك نفسه. كان كثيرا مايراقب الحيتان في الليل و ينام في النهار. وكنا نتسائل حول ذلك.... كان شخصا غريبا ....لا يتكلم كثيرا....كما كنا نتسائل لماذا يولي القبطان آيهاب كل ثقته في هذا الرجل بالذات؟؟ ويصغي دائما إلى آرائه...بعض صيادي الحيتان قالوا بأنه يستطيع قراءة المستقبل.....
في إحدى الليالي وبينما كان الجميع نيام على ظهر السفينة...دخل ستاربك مساعد القبطان قمرة السفينة، ووجد القبطان آيهاب نائما وكانت آثار الإرهاق والتعب بادية بوضوح عليه، كما كانت الخرائط والأوراق متناثرة هنا وهناك من حوله...قال ستاربك لنفسه هامسا ( يالك من عجوز مجنون...تنام الآن ملئ الجفون ، ولكن عقلك مشغول بحوتك الأبيض...إنك تحقد على موبي ديك ...وتأخذنا بحقدك إلى المجهول.... )...
في تلك الليلة الظلماء سمعنا صراخ فيض الله من على سارية السفينة ( الحوت الأبيض....الحوت الأبيض). ركضت مسرعا وقمت بايقاض زملائي وقد نظرنا صوب إتجاه ما كان فيض الله يشير إليه....فجأة رأينا نافورة كبيرة من الماء تصعد من مكان ما على البحر إلى أعلى و بقوة كبيرة....
وقد أستطعنا أن نرى شيئا ما ضخم الحجم أبيض اللون على الماء....يالدهشتي لقد كان الحوت الأبيض الكبير....كان كبيرا جدا ...كان حجمه كحجم جبل شامخ... كان منظره في غاية الروعة والجمال .... لقد كان بالفعل يختلف عن بقية الحيتان التي رأيتها في حياتي من حيث الشكل والحجم.. تُرى هل هو نفس الحوت الذي يطارده القبطان آيهاب؟ الآن فهمت لماذا كان فيض الله يراقب ذلك الحوت ليلا...لأن مراقبته في الظلام – كونه أبيض اللون- تجعل من رؤيته أسهل من مراقبته في ظوء النهار. كان القبطان معنا في تلك الليلة...وقد تهلل وجهه بالسرور والظفر عند رؤيته الحوت، كان وجهه كوجه طفل يوم عيد الكريسماس...
صرخ القبطان في أحد الرجال قائلا له ( إرفع الشراع بسرعة، وطارده ولا تدعه يفلت منك)...فجأة غطس الحوت أسفل الماء بسرعة كبيرة واختفى...إلتفت صوب كويج ويج وسألته ( هل كان ذلك الحوت هو حقا موبي ديك؟ هل سنراه ثانية؟).... رد كويج ويج بعد أن مسح رمحه ( سوف يعود ثانية) ... وبالفعل عاد الحوت ثانية في مساء اليوم التالي ...وفي اليوم الذي يليه... كان يظهر ليلا كل يوم في نفس الموعد تقريبا.... في مساء اليوم الثالث وفور ظهور الحوت مجددا... قال القبطان آيهاب ( إنه يريدني أن أطارده...) فجأه إعتراني خوف شديد...ليس بسبب الحوت ... ولكن بسبب القبطان، فقد أحسست وقتها أنه يجب علينا الآن أن نبقى مع القبطان حتى النهاية وأن نسير معه في طريق مجهول حيث لا يعلم سوى الله مصيرنا. يتبع...