تابوت كويج ويج بعد عدة أيام من حادثة بيب، سمعنا صراخا وضوضاء شديدين في القبو أسفل السفينة.... كان ستاربك مساعد القبطان يصرخ ( أيها القبطان آيهاب....أيها القبطان آيهاب...) ...كان ستاربك شابا في مقتبل العمر، ولكن من يرى هيئته الجادة وملابسه السوداء ووجه الحزين ، سوف يعتقد بأنه عجوز هرم. سأله القبطان ( ما المشكلة؟) ... رد ستار بك - والفزع يملاء عينيه- قائلا ( إنها البراميل ياسيدي...هناك مشكلة في بعض براميل الزيت في المخزن أسفل السفينة...هناك تسرب للزيت ياسيدي...علينا التوقف في أقرب مرفئ حتى يستطيع الرجال تغيير البراميل المعطوبة)..... رد القبطان بغضب ( لايمكنني أن أخسر يوما واحدا بسبب بعض البراميل المعطوبة...لا.. لايمكن التوقف)... هنا صرخ ستاربك قائلا ( ولكن ياسيدي...نحن نخسر الكثير من الزيت...علينا التوقف وإلا خسرنا كل الزيت إذا استمر بالتسرب هكذا)... هنا توقف الرجال عن العمل وبدؤ يراقبون تطور الموقف بين القبطان ونائبه خصوصا عند سماعهم صراخ ستاربك.... قال القبطان بعناد ( أبدا....لن أتوقف هنا...إننا قريبون جدا من موبي ديك...ولست على إستعداد كي يضيع مني ثانية...إنني أشعر به إنه قريب جدا منا....علينا أن نجده )...ظهر القلق على وجه ستاربك....بعدها بدا الغضب على وجهه بوضوح...فقال ستاربك للقبطان ( ولكن الرجال...زوجاتنا وأطفالنا...إننا هنا للبحث عن الرزق لعائلاتنا...نبيع لحم الحيتان وزيتها....إننا نريد أن نعيش... ماذا تفعل بنا؟ وإلى أين تأخذنا معك؟؟ ).... لم يستطع القبطان آيهاب تملك نفسه من الغضب فور سماعه هذه الكلمات فأخرج مسدسه وصوبه تجاه ستاربك وقال له والشرر يكاد يطير من عينيه ( عليك أن تفهم بأن الزيت لا يعنيني، إنه ليس إلهي...لن نتوقف...هل تفهم؟ لن نتوقف؟)....عندها لم ينبس أحد ببنت شفه ، كنا جميعا مسمرين وبالفعل بدأنا نشعر بالقلق....وبدأ ستاربك بهدوء ينسحب من الموقف قائلا للقبطان (لايمكنني ان أربح هذه المعركة معك، فلديك سلاح) ..قال هذا وابتعد ومن ثم قال لنفسه هامسا ( ولكن تذكر أيها القبطان...إنني لست المشكلة العويصة، بل أنت هو المشكلة)..تابع القبطان آيهاب ستاربك وهو يبتعد ، وعندها هدأت سريرته وأنزل سلاحه وتوجه بهدوء صوب قمرته.
في صباح اليوم التالي ، إستدعى القبطان جميع الرجال على ظهر السفينة، وعندما تجمهر الجميع أمامه قال لهم بصوت رخيم لايخلو من الصرامة ( قال ستاربك بأن لدينا مشكلة في تسرب الزيت من بعض البراميل المعطوبة، وأنه يجب علينا التوقف لتغيير هذه البراميل ، وانا أزكي كلامه هذا ، وأقول لكم بأننا سنتوقف لتغيير البراميل المعطوبة، هيا أنزلوا الأشرعة يارجال..) ...فرح الرجال كثيرا لقرار القبطان ... كما بدت السعادة واضحة على ستاربك ونظر للقبطان وعينه تقول له ( شكرا لك ياسيدي...)...
كنا نعمل في القبو أسفل السفينة ليل نهار لتغيير البراميل المعطوبة، وكان القبو حار جدا...وكان الزيت مُراقا في كل مكان تقريبا...كانت البراميل ثقيلة جدا ومن الحجم الكبير..مما جعل مهمتنا شاقة، وكان لكويج ويج – بإعتباره الأقوى - نصيب الأسد في هذا العمل الشاق والمضني... وبعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل إنتهينا منه، كان الرجال يشعرون بتعب شديد، وبعضهم أصيب بالمرض....قرر كويج ويج النوم في الخارج على سطح السفينة ،كان يريد أن يبتعد عن حرارة القبو أسفل السفينة، ولم يعي خطورة إصابته بالبرد.
في صباح اليوم التالي كان كويج ويج مريضا للغاية ، وكان جسده بارد كالثلج في فترة معينة ثم لايلبث أن يسخن بشدة...لم يستطع أن يرى...كما أنه لم يستطع الكلام.... جلست بجانبه وقلت له مطمئنا و مشجعا ( أنا هنا ياصديقي العزيز..لن أتركك....لا تقلق ستتحسن حالتك)...ولكن بعد يومين إزدادت حالة كويج ويج سوءا، وأحس بدنوا أجله....فاستدعى الرجال ، وقال لهم ( أريد منكم أن تصنعوا لي تابوتا، لقد أقترب أجلي) ..هنا لم أستطع أن اتمالك نفسي فصرخت قائلا ( لا..لن تموت ياصديقي..لن تتركني وحيدا )... قال كويج ويج ( بلى ياصديقي... سأموت...أرجوكم أيها الرجال أسرعوا في صنع تابوت لي، ولا ترموا جثتي مجردة إلى ماء المحيط البارد )..... وبالفعل قام الرجال بصنع تابوتا ل كويج ويج ، وعندما أنتهوا منه ، قدموه إليه...قال كويج ويج لهم ( أحظروا حربتي الخاصة ، وضعوها في التابوت) ، وقد فعلنا ما أراد... قال بعدها ( والآن أرجوكم ضعوني داخل التابوت ) ، صرخنا جميعا قائلين (لا) ...فقال لنا ( أريد إختباره ...) ...وضعناه في التابوت وأغلقناه عليه كما طلب منا...بعد عدة دقائق قال لنا ( إنه جيد...والآن أعيدوني إلى سريري من فضلكم )...بعد أن أعدناه إلى سريره ... بدأ يختلس النظر للتابوت بين الفينة والأخرى وكأنه ينتظر أجله...بعدها أغلق عينه ونام....كانت حالتي النفسية سيئة جدا وأنا أرى صديقي يموت ولا أستطيع عمل شيئ حياله، فكنت كثيرا ما أبكي...كما كان الرجال الآخرون يشعرون بالحزن الشديد....لقد كان كويج ويج شخصية محبوبة من الجميع....
فجأة!! وفي صباح أحد الأيام، وبينما كنا منهمكين في العمل...رأينا كويج ويج واقفا أمامنا..كنا مندهشين جدا...كان بكامل حيويته ونشاطه، كان كمن عادت إليه روحه... قال لنا ( أعتقد بأنني لن أموت في الوقت الحاضر على الأقل!!) ، ثم أضاف ( علي القيام ببعض الأعمال أولا، بعدها يمكنني أن أموت...والآن إلى العمل!!!)...لم ينبس أحدنا ببنت شفه ، فقد ألجمتنا المفاجأة جميعا...ولكننا بعدها وضعنا التابوت في القبو ثم واصلنا العمل....وكنت – برغم دهشتي – سعيدا للغاية برؤية صديقي ثانية وقد عادت له صحته. يتبع..