موبي ديك ل " هيرمن ميلفايل " عثورنا على سفينة صيد الحيتان : أستيقظت في الصباح الباكر في مدينة نانتوكيت للبحث عن سفينة صيد للحيتان للعمل بها. بعد جهد مضني عثرت على سفينة البيكويد. كانت سفينة ضخمة وقوية. كان خشبها ذو لون أسود قاتم مما يوحي بأنها عتيقة في القدم وفي إبحارها في المحيطات العاصفة. توجهت صوب السفينة، كان هناك شخصا يجلس على طاولة على متن السفينة، كان يضع على رأسه قبعة سوداء كبيرة ويرتدي سترة لها نفس لون قبعته. بمجرد وصولي إلى سطح السفينة توجهت إلى الرجل وسألته بفرح قائلا (تبدو هذه السفينة رائعة، إنني أرغب في الذهاب معكم على متنها لصيد الحيتان، أين يمكننني تسجل إسمي أيها القبطان ؟) ، رد الرجل قائلا ( لست القبطان يافتى، إن قبطان هذه السفينة يدعى آيهاب وهومريض، إنه في قمرة القيادة في الأسفل. إسمي ستاربك، هل أنت صائد حيتان؟) ، أجبته قائلا ( في الواقع لا، ولكنني بحارا ولدي خبرة في التعامل مع البحر...تستطيع أن تسأل البحارة عني)...أجاب الرجل بخشونه (لا أهتم كثيرا بالبحارة ولا بالسفن التي عملت بها مسبقا....عليك أن تفهم بأن عمل صائد الحيتان يختلف تماما عن عمل البحار...إن مهنة صيد الحيتان مهنة شاقة وخطيرة...ستكون بعيدا عن زوجتك وأهلك وذويك لسنوات عديدة....والعمل شاق ومضني كما عليك أن تكون قويا جدا وسريع الحركة). قلت له بعد أن بدأ صبري ينفذ ( أريد أن أرى العالم ، إنني أحب روح المغامرة) ...عندما رأى إصراري خفف من لهجته قليلا قائلا ( نعم إنك سترى العالم ، ولكنك سترى ماهو أكثر من ذلك... سترى الموت ياعزيزي) ....نظر إلىّ لبرهة ، ثم أردف قائلا ( سأثبت لك كلامي هذا...هل تعلم لماذا القبطان آيهاب لديه ساق واحده؟ حسنا.. لقد هاجمه حوت كبير أبيض والتهم ساقه )....هنا لم أستطع أن أنبس ببنت شفه...أردف ستاربك قائلا بصرامه ( هل عندك القدرة على مواجهة الحيتان واصطيادها على سفينة القبطان آيهاب أيها الشاب؟) ، هنا دب الحماس والعناد في نفسي فقلت له بإصرار ( نعم...أستطيع ذلك ، و....) لم يدعني أكمل كلامي، فقال ( إذن أكتب إسمك على هذا السجل ) ، قالها بعد أن شعر باليأس من إقناعي. بعدها شكرته وبعد أن هممت بالإنصراف قال لي مذكرا ( لا تنسى نصيحتي لك) ، فقلت له ( لا تقلق علي، فصديقي صائد حيتان ممتاز )... قال ستاربك ( حسنا أحضره معك غدا) .
وصلت وكويج ويج في صباح اليوم التالي على متن السفينة . نظر صائدو الحيتان صوب صديقي كويج ويج ، عندها إنفجروا ضاحكين من منظره الغريب. لم يعرهم كويج ويج أي إهتمام، وتأمل البحر لبرهة ، بعدها إلتفت صوب صائدي الحيتان وقال لهم: ( هل ترون ذلك الطير؟) ...نظر الرجال ولم يعثروا على أي طير....عندها قال لهم كويج ويج (أنظروا جيدا هناك).... وبالفعل كان هناك طائر صغير ميت ملقى على البحر على مسافة غير قريبة من السفينة. قال صديقي بثقة ( إن ذلك الطير هو عين الحوت)، بعدها رمى برمحه بقوة صوب ذلك الطير الميت حتى أصابه فقال ( إن الحوت ميت الآن) ....لم ينبس صائدي الحيتان ببنت شفة، فقد كانوا مذهولين من دقة صديقي في إصابة هدفه. لقد علموا بأن صديقي كويج ويج صائد حيتان من النوع النادر وأنه أفضلهم جميعا. بعد حصولنا على الموافقة في مرافقة سفينة البيكويد ، قررت وصديقي الخروج لشراء بعض الحاجيات من السوق إستعدادا للرحلة. بينما كنا في السوق ....إستوقفنا رجل عجوز غريب الهيئة ، يبدو بأنه صائد حيتان قديم...سألنا قائلا ( هل أنتم من سيبحر على سفينة القبطان آيهاب؟ هل تعلمون من هو القبطان آيهاب؟ ) ، رددت عليه قائلا ( نعم، ولكنه مريض الآن فلم نستطع مقابلته، ولكننا سنلتقي به لاحقا)....عندها صرخ الرجل مستنكرا وقال ( مريض!!؟؟....نعم.. إنه بالفعل رجل مريض...إنه شيطان)...إستغربت كثيرا من كلامه فسألته (من أنت؟ ولماذا تقول هذا الكلام عن القبطان آيهاب؟ إن كثير من صائدي الحيتان يعرفونه ويقولون بأنه رجل شجاع ولديه خبرة في البحار والمحيطات) ....رد العجوز بهدوء ( إسمي إلايجا...ومايقوله صائدي الحيتان بخصوص آيهاب صحيح) عندها إستشاط وجهه غضبا وقال (لكن هذا لايمنع من كونه شيطانا أشر... إنني أعرفه جيدا ، لقد أبحرت معه في مرات عديده، كما أنني أعرف بأن مساعديه أيضا شياطين مثله)....بعدها نظر العجوز بنظرة غريبة صوبي وقال ( إن للقبطان آيهاب ساق واحدة، هل تعرف قصة ساقه الواحدة تلك؟) ....فجأة شعرت بالخوف وقلت للعجوز ( بالطبع أعرف) ، عندها إلتفت صوب صديقي كويج ويج وقلت له بصوت خافت لم يسمعه العجوز ( هيا ياصديقي لنترك هذا العجوز المجنون) ، وبسرعة غادرنا المكان متوجهين صوب السفينة بيكويد.
غادرنا ميناء نانتوكت صباح عيد الكريسماس ، لم يصعد القبطان آيهاب من غرفته السفلية لمقابلة البحارة صائدي الحيتان، لكننا كل ليلة كنا نسمع طقطقة قدميه حين يمشي في قمرته ذهابا وإيابا. في إحدى الليالي سمعنا مساعده ستاربك يقول له ( أرجوك أيها القبطان توقف عن هذا، لأن رجالك لايستطيعون النوم ليلا).... بعدها سمعنا صراخ القبطان صوب مساعده قائلا له ( كلا، لا أستطيع النوم...وكذلك رجالي لا يجب عليهم أن يناموا ....عليهم التفكير بإصطياد الحيتان...هذا هو واجبهم الأساسي). هنا بدأت أفكر بكلام العجوز إلايجا الذي إلتقيته في السوق عندما تكلم عن مساعدي القبطان بقوله أنهم مساعدي الشيطان....هل إنهم بالفعل شياطين؟ قلت لنفسي ( صحيح بأن ستاربك ذو وجه عبوس، لكن لا يبدوا عليه بأنه شيطانا مريدا، وستب كان مختلفا تماما عن ستاربك ، فقد كان مرحا ويخبرنا بالكثير من القصص المضحكة والمسلية...من سريري نظرت إلى زملائي صائدي الحيتان وهم بلداد وتاتشجو و داجو و فلاسك وماكسمن وآخرين ، لقد كانوا من جنسيات مختلفة وكل منهم يحمل قصصا مثيرة وممتعة. صحيح لم يكونوا جميعهم لطفاء...لكنهم لم يكونوا شياطين مثلما وصفهم إلايجا. ترى من كان يقصد إلايجا بشياطين القبطان آيهاب؟ من هم؟ وأين هم؟ ).يتبع ...
ترجمة د/ طارق علي عيدروس السقاف / كلية التربية /صبر/قسم اللغة الإنكليزية/جامعة عدن