عذراً عامر الصوري، عذراً احمد القمع عذراً لروحيكما، ولتلك السيرة النضالية العطرة، اخترت الحديث عن سيرتكما النضالية كمثال لسيرة بقية رفاق دربكما النضالي، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ويعاني صنوف الأقصاء والتهميش. عذراً إن لم اجد صورتكما معلقة على زوايا شققهم المفروشة، عفواً اقصد مقراتهم المفروشة على احدث طراز، -بينما كنتما وبقية رفاق دربكما تفترشون الارض (والمدكى حجر) - وعوضاً عن ذلك لم اجد سوى شاشات الديجتل الرقمية المسطحة معلقة بين زوايا المكان، عذراً لكما ،، ان لم يمر على ذكركما عشاق المنصات في خطبهم الثورية، وعوضاً عن ذلك صموا آذاننا بالحديث عن بطولاتهم (الدنكشوتية) ومعاركهم (الطروادية) فزمانكما كان زمان الايثار والتضحية، غير زمن ادعياء نضال المخصصات ومن ذلك الزمن تحضرني الكثير والكثير من صور الأيثار والتضحية. حينها كنتم تحييون المناسبات الوطنية الجنوبية سيراً على الأقدام تحت لهيب الشمس الحارقة والصيف اللاهب، واليوم يحرص ادعياء النضال على احيائها في الصالات المغلقة والمكيفة مركزياً مع وجود وفرة في قناني الماء والبيبسي المثلجة، في كل ندوة او امسية يقيمونها .. في ذلك الزمان كان الفقيد المناضل عامر الصوري رحمة الله تغشاه يجوب المدن بسيارته البيك اب المتهالكة وعلى متنها أنبل المناضلين واكثرهم استعداداً للتضحية بروحه في سبيل القضية التي يؤمنون بها، دون ان يطلب مقابل اجرة سيارته ، واليوم ، يحتاجون لميزانية للانتقال من هذا الحي للحي المجاور لحضور وعقد اجتماع تنظيمي .. كثيرة هي المواقف المشرفة لمناضلي تلك الحقبة، ولكن يحضرني موقف للفقيد المناضل والاديب احمد القمع رحمة الله تغشاه موقف عايشته شخصياً وكنت شاهداً عليه، وإن دل على شيء انما يدل على روح الأيثار التي كان يتمتع بها مناضلي تلك المرحلة. ففي ذات يوم والجميع يستعد لأحياء مناسبة وطنية جنوبية شكى عدد من شباب اللجنة الميدانية من عدم توفر الشعارات الخاصة بالمناسبة ، حينها نهض المناضل المرحوم احمد القمع طيب الله ثراه وخرج من قاعة الاجتماع متجهاً إلى السوق وطلب منا مرافقته ودلف إلى احدى البقالات المعروفة واستلف من مالك المحل مبلغ مالي طالباً منه ان يسجله سلفة إلى حين استلام راتبه، ومن ثم سلم المبلغ لاحد الشباب قائلاً :( اذهبوا واشتروا ما يلزمكم من قطع القماش والالوان وجهزوا الشعارات) ، إلى هنا وإنتهت القصة ، لكنها ظلت محفورة في ذاكرتي ولازال هذا الموقف يستحضرني كلما رأيت هؤلاء الأدعياء يتسابقون ويتزاحمون على فتات المخصصات، ويتصارعون فيما بينهم على المناصب والمراكز الشكلية ويخونون بعضهم البعض بعد ان اصبحت القضية هي قضية صراع مخصصات اكثر من ان تكون قضية نضال مصيرية .. اليوم كلما اعدت النظر كرة اخرى لا أرى سوى ملامح وجوهً غريبة ودخيلة على التاريخ النضالي الجنوبي وجوه لاتمت بصله لامن قريب ولا من بعيد لتاريخ القضية بل ان بعضاً من تلك الوجوه كان يتم توصيفها على ضفة الأتجاه المضاد لتطلعات الجنوبيين نحو تقرير المصير ، حاولت استذكار حضور بعضاً من تلك الوجوه للتظاهرات التي كان يتبناها عامر الصوري ورفاق دربه في تلك الفترة ايام ما كانت سطوة وبطش جنود الامن المركزي هي الاسلوب المتبع لمواجهة صمود هؤلاء المناضلين الحقيقيين، لكن للاسف خانتني الذاكرة وكل ما اذكره هيئات بشرية تقف على جانبي رصيف الشارع في وضع المشاهد المحايد تشاهد فقط كيف كان يتم قمع وقتل واعتقال كل من يرفع صوته منادياً بالحرية ، ان لم تكن تتلذذ بذلك، واليوم وبعد ان اصبحت الدنيا عوافي الكثير من هؤلاء اصبح يصف نفسه بالمناضل الهمام الذي لايشق له غبار .. لذا وختاماً نقول لهؤلاء لن نكره لكم ما أنتم فيه من سعه وأمن وامان ولن نفتش في خلفيتكم التاريخية، لوجه الله ،، أعطوا المناضلين الشرفاء من الرعيل الاول حقهم من التكريم والتقدير سواء من رحل واصبح في ذمة الله او من لازال على قيد الحياة من باب الأعتراف بدورهم وايثارهم وتضحياتهم في سبيل نصرة القضية الجنوبية لاغير ..