( قطعة خبز ) و ( كأس من الشاي العدني ) حملتني لمسافة 3500 كيلو متر !! . يغادر المغترب بيته ، ولا يعود حتى يشتاق لكل شيء ، ليس في بيته وحسب ، بل في وطنه بأكمله . يشتاق لرائحة وسادته ، للشمس التي تدخل من نافذة غرفته ، لصخب السوق ، ولعب الأطفال ، وتكبيرات العيد التي تصدح من مآذن المساجد ، بل حتى الأصوات المزعجة كأصوات ( المُترات ) يشتاق لها !! ، لكل شيء دونما استثناء . اليمن عالمٌ جميلٌ وغريبٌ من الفوضى والإنسجام . في البيوت هناك ( ضحكة الأطفال ) و ( رائحة الخبر والسمك ) _ الباغة بالذات _ ، ولون الشاي الأحمر ومذاقهُ المختلف . في الطرقات هناك ( السلام عليكم ) تلك التحية التي نفتقدها هنا ونكاد لا نسمعها . حتى ( الغبار ) العالق على أقدمنا نشتاق له . الفوضى والإنسجام والتعايش هي السمات المميزة لحياة اليمنيين . في أزقة البيوت تتهامس النساء ب ( الحشوش ) عبر الشبابيك والأبواب : _ ( نعم يقولوا راحت عند أهلها ) . _ ( الله يستر لايكون طلقها ) . _ ( نسيت لاقولك لك نعم الكيلو الثمد اليوم من خمسة ألف ) . _ ( الله يقلعها من حكومة ) . هكذا تمضي الساعات و ( الحشوش ) مستمر ويزداد كثافة . في ( مجالس القات ) تسيطر المواضيع السياسية والمعيشية على بداية النقاش دائماً ، ثم يستتب الوضع ويغادر كل شخص بأفكاره بينما جسده لازال رهين المحبسين ( الفرش والمدكى ) . حياة اليمنيين لا تشبهها حياة ، وطريقتهم في تجاوز كل المحن والمنغصات لا تستطيع كل شعوب العالم أن تفهمها ، حتى أنا أحيانا _ بالرغم إني واحد من هذا الشعب _ لكني لا أستطيع فهم مقدرتنا على تجاوز كل هذه النكبات !! . .. حديث ( قطعة الخبز وكأس الشاي العدني ) يطول ، لكنني حاولت الإختصار تجنباً للملل .