عندنا تُهزم الشعوب تلجأ إلى النكتة، لتعبر عما يجول بخواطرها، ولتطرد الحزن، والمآسي التي تخيم عليها، فالشعب المصري عندما هُزِم في حرب 67 لجأ إلى النكتة للتنفيس عن نفسه، ولكن حتى مجرد النكتة حرموه منها، فكانت العيون ترصد المواطن المصري، لتمنعه من الترويح عن نفسه، فامتلأت السجون بأرباب النكت. اليوم الشارع العدني لم يجد ما يتسلى به إلا النكتة، فالرواتب مقطوعة، والكهرباء طفي لصي، والماء الله يرحمه أيامه، فلجأ المواطن للترويح عن نفسه بالنكتة، فكانت كلمة قيق مجرد عنوان لبث ما في النفس من ضيق، فكلما تمر بصديق أو تحاوره، ويضيق منك، أو يريد التخلص منك، يبادرك بقوله: تعرف تقول: قيق، حتى أدمنها الصغير، والكبير، والرجال والنساء، حتى ظننت أن صوت الغراب يحاكي المواطن في مدينة الغراب عدن. قيق كلمة تستطيع قراءتها من كل مكان، وتستطيع قولها في أية مكان إلا أنك لا تستطيع قولها تحت الماء، فذهب الكثير من المواطنين لتجربتها تحت الماء، فلم يستطيعوا، ولم يعلم المساكين أن الإنسان لا يستطيع الحديث تحت الماء، لا بقيق، ولا ببيق، ولا بغيرهما، وإنما جاءت كلمة قيق، لتخرج الضيق المكبوت فقط، كما فعل عندليب مصر عندما تغنى بأغنيته التي من ضمنها: إني أتنفس تحت الماء، فكذب علينا، وكلما جرب أحدنا التنفس تحت الماء سحب المياه إلى جوفه، ومن قال قيق تحت الماء دخلت المياه من فيه، ومنخريه. لا يملك العدنيون إلا النكتة، فالعدنيون أهل دعابة، ومرح، فكلما مرت بهم ملمة من الملمات روحوا عن أنفسهم بالنكتة، وكلما اشتد عليهم الضيق، قالوا قيق، ولكن فوق الماء، أما تحت الماء فلن يستطيع أحد قولها، لا هي ولاغيرها، فقد جربها المجربون، فكادوا ينخنقوا. اليوم مررت بطفل وكان ينظر إليَّ، فقلت له: تعرف تقول: قيق، فقال : قيق، ثم نادى عليَّ بصوت كله براءة، يا عمو، يا عمو تعرف تقول قيق تحت الماء، فقلت: قيق، فقال: لا، لا، مش هنا تحت الماء، فذهب وهو يضحك، وهو يقول: قيق، قيق، قيق، فقلت: في قرارة نفسي أيش هذا الضيق، حتى الأطفال ما قدرنا عليهم. اسمعوا لا تقولوا: قيق، لا تحت الماء، ولا خارج الماء، فإنها لن تُذهب عنكم الضيق، فالشعب قد بلغ منه الضيق إلى منخريه كلما رددها، فعليكم بالاستغفار، و أخيراً لا أملك إلا أن أقول للمسؤولين معكم لنا معاشات، وخدمات، معكم لنا دولة، وإلا قولوا: قيق، قيق، قيق، وبالثلاث.