كثير ما يمكن قوله حول الاتفاق التاريخي لقوى يمنية في الرياض والمزمع توقيعه في الخامس من نوفمبر الجاري .. ولن يستطيع مقال إيجاز أبعاده المختلفة وخلفياته القديمة ودلالات المستقبل فيه. هو تاريخي بدون أدنى شك ومفصل هام في حياة الجزيرة العربية وتراكم القوى التاريخية فيها وما أنجزته من أدوار و امتحانات و نتائج وهو أيضا مؤشر لمرحلة نضوج مكتملة لرؤى جديدة مستوعبة لمتطلبات المستقبل. قد لا يكون توديع كامل لمرحلة طويلة من الصراعات المزمنة في اليمن والتي تفاقمت بمرور الوقت إلا أنه بداية مسار يستجيب لأغلب مسببات الصراعات اليمنية و يتضمن في رسائله العديدة رؤى و قواعد و محددات لمستقبل أكثر انضباطا و اقل مخاطرة مما اعتدناه في التسويات السابقة. وكما أنه استجابة عاقلة من أطراف الصراع في عدن و الجنوب لضرورة اعتماد لغة التفاوض والتنازل المتبادل والثقة المتبادلة بدلا عن استمرار دوامات الموت و أعاصير الإلغاء التي تلاحقت لعقود كانت عدن فيها ساحة حرب مستمرة، فهو أيضا أفق استراتيجي لطبيعة الحلول الممكنة في بقية جزيئات الصراع اليمني. من الإنصاف الإشادة بالدور التاريخي للمملكة العربية السعودية في إنجاز هذا الاتفاق و الذي كان مستحيلا أن يرى النور لولا إرادة و تبني المملكة له و العمل على إنجاحه رغم التناقضات العميقة، و أظهرت المملكة بما تمثله من قيمة كبيرة ضامنة أمام الأطراف المتصارعة و أمام العالم حرصها على الجميع وقدرتها على خلق فرص حقيقية للمصالحة و للسلام و رعايتها المباشرة لما يتحقق. مع تبريكنا لهذا الانجاز نتطلع إلى أن يعم هذا النموذج بقية الأطراف وأن يسدل الستار على حقبة الصراعات في جنوب الجزيرة العربية إلى الأبد، وأن تتحول الإرادات إلى الإنسان و حريته و إلى التنمية و العيش الكريم لمواطنيه.