عشر سنوات من العش والغرام واليوم فجأة ورقة طلاق    إصلاح الكهرباء: الاقتصاد لا يبنى في الظلام    هل هما شخص واحد.. الشبه الكبير بين البغدادي والشيباني    حكايتي مع الرئاسة التلالية الأولى (2-2)    دراسة صادمة: "تشات جي بي تي" يوجه المراهقين إلى سلوكيات خطيرة وانتحارية    إيطاليا تعطي الضوء الأخضر لمشروع ب5،15 مليار دولار لبناء أطول جسر معلّق في العالم    يوليو 2025 يدخل قائمة الأشهر الأشد حرًا عالميًا    جهد إعلامي متكامل.. "ثمانية" تنقل بطولات الكرة السعودية حتى 2031    لهايات للبالغين تنتشر في الصين لتخفيف التوتر والإقلاع عن التدخين    "أكسيوس": اجتماع أوكراني أمريكي أوروبي يسبق قمة بوتين ترامب    وزارة الثقافة والسياحة تنعي الشاعر والباحث والناقد كريم الحنكي    مركزي عدن المحتلة يغرق السوق بعملة جديدة وسط اقترابه من الإفلاس    إذا أقيل الشاعري فعلى كل جنوبي ان يستعد لحلاقة رأسه    حان الوقت للفصل بين الهويات اليمنية والجنوبية    بيت هائل.."نحن الدولة ونحن نقود البلد وهم يتبعونا!!"    لا قوات التحالف و وزارة الدفاع تستطيع الدخول إلى وادي حضرموت    وزراء خارجية 5 دول يرفضون خطة إسرائيل احتلال غزة    تير شتيجن يستعيد شارة القيادة    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث    الترب يعزّي في وفاة الشاعر والأديب كريم الحنكي    إيران.. ونجاح صفقة S-500 ودورها في تغيير موازين القوى (2)    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    المدينة التي لن تركع (2): مأرب.. من جبهة مقاومة إلى نموذج دولة    هل يحذو محافظو محافظات الجنوب حذو المحافظ لملس في دعم المعلمين؟    العديني:تحويل مسار الخطاب الإعلامي بعيدًا عن مواجهة الانقلاب يصب في مصلحة المليشيا    رسميا: بوتافوغو البرازيلي يضم الحارس المخضرم نيتو    السهام يكتسح النور بخماسية في بطولة بيسان    وديا ... تشيلسي يتخطى ليفركوزن    السعودية ومصر ترفضان احتلال غزة وتطالبان بوقف الإبادة في القطاع    مأرب تحتضن العرس الجماعي الأول ل 260 عريساً وعروس من أبناء البيضاء    وفاة ستة مواطنين بينهم نائب رئيس جامعة لحج في حادث مروّع بطور الباحة    السامعي يوجه رسالة شكر وتقدير وعرفان لكل المتضامنين معه ويؤكد استمراره في أداء واجبه الوطني    مقتل ضابطين برصاص جنود في محافظتي أبين وشبوة    مستشفى الثورة… حين يتحوّل صرح العلاج إلى أنقاض    وزير التجارة يكشف أسباب تعافي الريال ويؤكد أن الأسعار في طريقها للاستقرار(حوار)    إعلاميون ونشطاء يحيون أربعينية فقيد الوطن "الحميري" ويستعرضون مأثره    القبض على 5 متورطين في أعمال شغب بزنجبار    الأمم المتحدة تعلن وصول سوء التغذية الحاد بين الأطفال بغزة لأعلى مستوى    الذهب يسجل مستويات قياسية مدعومًا بالرسوم الجمركية الأمريكية    اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة والسلطة والثورات والانتفاضات
نشر في عدن الغد يوم 12 - 03 - 2013

التعاريف فيما يخص الدولة كثيرة ومتضاربة وهي لفلاسفة ومفكرين مرموقين ولكن اهمهم يرجعون الى ما قبل عصر الدولة الحديثة. وتخفيفا على القارئ فقد سمحت لنفسي بالاجتهاد ووضعت تعريفا للدولة الحديثة وللسلطة فيها وهو كما يلي:
الدولة كيان جيوسياسي يحظى باعتراف منظومة الكيانات الجيوسياسية الاخرى.
وتتكون الدولة من شعب واقليم ونظام دولة، وقد تكون دولة بسيطة مركزية او دولة مركبة؛ فيدرالية او كونفدرالية.
ويتكون شعب الدولة من افراد منتمين الى مجموعات اجتماعية طبيعية؛ كالاسرة والعشيرة والقبيلة، والى مجموعات اجتماعية عريقة كالطائفة، والى مجموعات اجتماعية وظيفية؛ كمنظمات المجتمع المدني المختلفة الاغراض، او الى مجموعات اقتصادية، او الى مجموعات حكومية عسكرية ومدنية.
ويتكون اقليم الدولة من الارض اليابسة والمياه التي تسيطر عليها الدولة ومايعلوهما من جو وما تحتهما من اعماق تدخل في مدى وسائل السيطرة لديها ويحددها القانون الدولي.
ويتكون نظام الدولة من سلطة سياسية تنفيذية واحدة في الدولة البسيطة وسلطات متعددة في الدولة المركبة تدير وتوجه اجهزة عسكرية ومدنية متنوعة الاختصاصات والاغراض. وسلطة تشريعية وحيدة من غرفة او غرفتين في الدولة البسيطة، ومتعددة في الدولة المركبة. وسلطة قضائية وحيدة مكونة من درجات واختصاصات قضائية متنوعة في الدولة البسيطة، وسلطات قضائية مماثلة متعددة في الدولة المركبة.
وتمتاز الدولة المركبة عن الدولة البسيطة بسلطة اتحادية (فيدرالية)، وسلطة تشريعية اتحادية تشرع القوانين التي تخص السلطات الاتحادية، ومحكمة عليا تلزم احكامها الجميع في الدولة المركبة.
إن البحث في مفهوم الدولة هو في الواقع محاولة لإثارة تساؤلات متداخلة من قبيل ما يلي: مم تستمد الدولة شرعيتها وفيم تتحدد غاياتها؟ ما هي طبيعة السلطة السياسية التي تمارسها الدولة؟ هل السلطة التي تمارسها الدولة مستمدة من القانون أم من القوة والعنف؟ ولعل افضل من اجاب على هذه الاسئلة في رأيي هو الفيلسوف باروخ سبينوزا.
ويؤكد سبينوزا أن غاية الدولة القصوى هي تحرير الأفراد، والحفاظ على أمنهم، وتمكينهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية، وحمايتهم من كل أشكال العنف والتسلط، وتنمية قدراتهم الجسدية والذهنية شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين والإمتثال لسلطة الدولة، وعدم الخروج عن التعاقد والمواثيق المتفق عليها. ويشترط في هذه الدولة أن تكون ديموقراطية تضمن العدل و المساواة والحرية للجميع وأن تحافظ على الأمن و السلم.

مشروعية الدولة وغاياتها:
يعتقد سبينوزا أن غاية الدولة تتمثل في ضمان الحماية للأفراد، وليس في ممارسة السلطة. بل إن على الدولة أن تضمن الشروط الموضوعية التي تمكنهم من استخدام عقولهم والعمل على تنميتها. ومن ثم يؤكد الفيلسوف أن الحرية هي الغاية الأساسية من وجود الدولة. إلا أن ذلك، لا يعني التصرف المطلق بطريقة فيها إيذاء للغير، خصوصا وأن من الناس من فطر على الخضوع للشهوة، ومن المعلوم أيضا أن الجميع ميال إلى الاعتقاد أنه دائما على صواب.
هكذا دعى سبينوزا إلى الاحتكام إلى العقل والابتعاد عن الحقد والغضب والخداع. ومن ثم، كان لابد أن يدرك الأفراد أن تقنين الحرية الفردية ضرورة حتمية وحصرها في حرية التفكير والتعبير وإصدار الأحكام، دون أن يكون في نية الفرد تغيير الأشياء لأن الدولة وحدها تملك سلطة اتخاذ القرا بالتغيير وتنفيذه.
وفي نفس السياق الفكري تؤكد جاكلين روس J. Russ بأن دولة الحق أصبحت واقعا معاشا، ولم تعد كيانا مجردا. فدولة الحق تتجلى في الممارسة المعقلنة للسلطة، وتسعى إلى توفير الحريات الفردية وبلورة الحريات العامة. لأن الدولة توجد لخدمة الفرد (وليس العكس)، لأنها تعتبره قيمة مؤسسة. فالدولة إذن تحتل مرتبة تالية للإنسان لأنه الغاية والمعيار الاسمى. وأن سلطة دولة الحق تتخذ ملامح ثلاثة : القانون، والحق، وفصل السلطات. فلا يمكن أن يوجد حق دون قانون عادل وصريح. كما أن إحقاق الحق مستحيل دون فصل السلطات؛ السلطة التشريعية ، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. انتهى كلام روس.
ومن الواضح ان القانون العادل واقع معاش في كثير من دول العالم، وان كثيرا من حقوق الانسان قد توافقت عليها جميع دول العالم الاعضاء في الامم المتحد بقبولها وتوقيعها على العهد الدولي لحقوق الانسان الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من ميثاق الامم المتحدة، وكذا على التشريعات والمواثيق المتتممة لهذا العهد والتي تراكمت على مر السنين. وان فصل السلطات اصبح علامة ثابتة في كل الدساتير الحديثة للدول المختلفة على الرغم من وجود المغالطات والالتفافات والتحايل.
الدولة والسلطة في بلادنا:
وفي مناسباتنا الوطنية وهي في معظمها ذكرى الانقلابات والثورات، يتحدث الخطباء ويكتب الكتاب والصحافيون والمؤرخون، وينشد الشعراء ويغني المغنون، تمجيدا للشعب الذي هب على الظلم والفساد، وقام بالثورة أو الانقلاب التصحيحي. والحال أن الشعب بريء من كل ذلك، بل ومن الانتفاضات القبلية أيضا، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستثني من ذلك الثورات الشعبية ضد الاحتلال الاجنبي .
فالشعب اليمني بغالبيته الساحقة يعيش في قراه يمارس حياته في الزراعة والرعي. وكانت المدن حيث تتمركز السلطة الحاكمة إلى وقت قريب أشبه بالقرى الكبيرة ولا يسكن في أكبرها إلا آلاف قليلة يقدمون الخدمات للدولة وموظفيها باستثناء عدن بطبيعة الحال. والشعب في الريف منتظم في كياناته القبلية التي تحميه من عدوان القبائل الأخرى، وحتى سكان المدن كانوا بشكل أو آخر يحتمون بالقبائل المحيطة بهم بواسطة المعاهدات أو الأعراف التي تكفل لهم الحماية. وحتى عندما توسعت المدن ظل النازحون من الريف محتفظين بولاءاتهم القبلية .
ولأن انظمة الدول والدويلات التي قامت في اليمن أنظمة متخلفة قامت على الجباية من المواطنين، واستخدمت كل وسائل القمع والبطش في الجباية، دون أن تلحظ على نفسها حقوقا للمواطنين تؤديها إليهم. فقد حدث انفصال نفسي بين المواطن والدولة. فالدولة في نظر المواطن ليست إلا تنظيما قويا أو عصابة لصوص قوية. وما موظفو الدولة وأركانها إلا أعضاء العصابة وزعماءها في نظره .واذا استثنينا الجنوب تحت حكم الجبهة القومية والحزب الاشتراكي من الجباية، فما ذلك إلا لأن النظام جرد الجميع دفعة واحدة من كل ما تمكن جبايته، ومع ذلك بقي القمع والبطش، بل واللحس، أي القتل السري وكانما ابتلع الانسان فم كبير بلسان كلسان الحرباء يخفيه الى الابد، فجأة ودون سابق انذار، فلا حس ولا خبر.
ولذلك فإن المواطن ينظر إلى قضايا الدولة وشؤونها باعتبارها شأنا لا يهمه إلا بقدر ما تتيحه له من فرص للنهب أثناء الصراعات التي تخوضها الدولة، أو للاستفادة من التجند في خدمتها، أو في ما تنزله به من شرور وأضرار على يد جباتها وعساكرها. ومن هنا كان فساد موظفي الدولة وأركانها ونهبهم للمال العام أمرا طبيعيا في نظر المواطن في الشمال، فقد كان النظام في الحنوب (والحق يقال) مبرأ من سرقة المال العام، فلابد أن يتقاسم اللصوص فيما جشموا أنفسهم مشقة سرقته ابتداء.
إن هذا المواطن الحريص على حقوقه إلى درجة أنه قد يقتل أخاه دفاعا عن حقه في شبر من الأرض أو دراهم معدودات، لا ينظر إلى المال العام وممتلكات الدولة إلا باعتبارها حقا مكتسبا لأعضاء العصابة اللصوص. وظل قصارى ما يأمله هو أن ينضم إلى العصابة (الدولة) لينال نصيبا من الغنائم .
وحتى بعد قيام ثورة سبتمبر التي وسعت قاعدة الدولة فوجد المواطن القبلي طريقه إليها، ظل محتفظا بنفس النظرة ذاتها إلى الدولة والمال العام. ولعل هذا ما يفسر هذا الانتشار الواسع للفساد الحكومي ولا مبالاة المواطنين في آن واحد .
ومن هنا يتضح أن إلصاق تهمة الثورة والانقلاب بالشعب ليست إلا تهمة بوسع أي محام متبدئ تبرئة هذا الشعب منها لانعدام الحافز .وذلك حتى اندلعت الاحتجاجات الاخيرة في الجنوب في الحراك الجنوبي، في الشمال ضمن مسلسل الربيع القطري.

الثورات والانتفاضات والانقلابات :
عندما قامت ثورة 1948 وقام بها وزراء، وموظفون في الدولة، وضباط، ونفذها شيوخ قبائل، واعتبرها الشعب القبلي أمرا لا شأن له به. وعندما وجد المواطن فرصة للاستفادة من الصراع بالتجند مع الإمام أحمد ونهب صنعاء فعلها دون تردد، وكرر السلوك نفسه في عدن عام 1994 .
وعندما قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 قام بها ضباط من الجيش، وشاركهم في التخطيط موظفون، وبعض الشيوخ، كادت الثورة أن تلقى مصير أختها ثورة 1948 لولا الدعم المصري الذي كان وراء قيام الثورة ابتداءا. وقد تجند الشعب القبلي مع الجانبين الملكي والجمهوري واستفاد ماديا من الجانبين، إلا إذا وجد وظيفة دائمة مع الدولة (العصابة في رأيه) فانه كان يستقر في خدمتها .

وقد يبدو أن هذا لا ينطبق على بعض القبائل ومنها قبائل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر التي لم ترتزق من الجانب الملكي رغم أنه لم توفر لها وظيفة دائمة في ذلك الوقت مع الدولة الجمهورية!!.( أصبح جميع أفراد القبيلة موظفين فيما بعد)، إلا ان الشيخ الأحمر قد فسر لنا هذا التناقض في حديث له مع مجلة (الوسط) العدد (144) في 31/04/94، قائلا: (حاشد حمت الثورة والنظام الجمهوري. والدافع الوحيد لحاشد هو الثأر للوالد وحميد وإلا فانهم كانوا سيتصرفون كالقبائل الأخرى).
فالثأر عامل حاسم في سيكولوجية القبيلة. وهنا تتضح سذاجة قادة الحزب الاشتراكي عند توقعوا ان تناصرهم قبائل بكيل في صراعهم ضد المؤتمر والإصلاح متناسين أنهم سبق واغتالوا سبعين من كبار مشائخها الذين كانوا في ضيافتهم في الجنوب أوائل السبعينات .
الانقلابات في العهد الجمهوري :
كانت الانقلابات ضد السلال ثم ضد الإرياني ومن بعده الحمدي من تدبير وتنفيذ أركان النظام والدولة بالاشتراك مع شيوخ القبائل، الذين كان لهم دور في كل انقلاب، ومع ذلك احتفظوا برؤوسهم ومكانتهم، رغم أن شركاءهم من أركان الدولة أطاح بهم الانقلاب التالي. ولا ننسى ملاحظة أن كل الانقلابات حظيت بدعم خارجي. أما انقلابات الجنوب فقد كانت كلها صراعات على السلطة بين القادة الحزبيين ذات طابع قبلي متأدلج. وتتميز المحاولة الانقلابية الناصرية في الشمال بأنها لم تشرك شيوخ القبائل وان كانت من تدبير موظفين كبار في الدولة مدنيين وعسكريين بتمويل من ليبيا، ولعلها فشلت لغياب عنصر الشيوخ المهم .
وهناك تجربة الجبهة الوطنية التي رغم شعبيتها المفترضة وعظمة دوافعها واهدافها لم تكن أكثر من غزو جنوبي لنظام الشمال انتهت بتوافق النظامين واتفاقهما .
الانتفاضات القبلية :
كانت الانتفاضات القبلية كلها من صنع شيوخ القبائل ولحسابهم الخاص ومنها انتفاضات شيوخ القبائل الاقيال ( كانوا أقيالا أما اليوم فهم فاسدون وعملاء) الذين يستمدون زعامتهم وقوتهم من ولاء قبائلهم وكان هدفهم في الشمال والجنوب هو الحصول على نفوذ اكبر في الدولة ونصيب اكبر في غنائمها . ومنهم في الأطراف من حاول بناء سلطنة مستقلة على غرار سلطنات الجنوب والخليج. ونوع أخر من الانتفاضات تمثلت في مشراكة الشيوخ الإقطاعيين من ألوية اب وتعز في الثورات، وهم صنف من الشيوخ يعامل قبيلته معاملة العبيد والاقنان، وهؤلاء يستمدون قوتهم من الدولة التي يشترون دعمها بالرشوة، وكانت انتفاضاتهم عبارة عن مشاركة في الثورات والانقلابات أملا في أنظمة حكم أقل وطأة عليهم في الجبايات، وكمثال على ذلك انعكست مشاركتهم في ثورتي 1948 و 1962 على ميثاقي الثورتين الذين جعلا الزكاة أمانة. وقد أخفقت كل انتفاضات الشيوخ القبلية لأن الشعب كما أسلفت لا يعتبر هذه القضايا قضاياه فلا يبذل جهدا حقيقيا لنصرتها.

دور المجتمع المدني :
كان للمجتمع المدني في اليمن مساهمتان بارزتان: إحداهما للمجتمع المدني المتطور الذي نشأ في عدن في ظل الحكم البريطاني. فقد افرز هذا المجتمع المدني قيادات الجبهة القومية وجبهة التحرير، ورفع قضايا التحرر من الاستعمار والوحدة اليمنية شعارات ناضل من اجلها، ولكن تحقيق الاستقلال وتسلم الجبهة القومية للحكم قضى على المجتمع السياسي والمدني المستقل الممثل في الأحزاب والنقابات الحرة .
فالمجتمع المدني كالسمك والمناخ الديمقراطي كالماء بالنسبة له، وهو يختنق ويموت في ظل الديكتاتورية، وعلى أي حال كان هذا المجتمع سيلقى نفس المصير لو أن جبهة التحرير كانت هي من تسلم الحكم بدلا من الجبهة القومية فهي أيضا كانت تتخذ الحزب الواحد المصري الشمولي نموذجا لها .
والتجربة الثانية للمجتمع المدني كانت تجربة المقاومة الشعبية التي أسهمت في تثبيت الجمهورية والسلطة في ملحمة السبعين يوما، فكان جزاؤها من السلطة جزاء سنمار .
إذن فإن المجمتع المدني- وهو الشعب في ارقي مستويات وعيه وتنظيمه - قد ظهر في ماضي اليمن مرتين واثر في تاريخ البلاد تأثيرا خلاقا ومصيريا وتقدميا، حيث حمى الجمهورية في أحلك أوقاتها ورفع لواء التحرير والوحدة في الجنوب، وكان دوره حاسما في المرتين .
وقد ظهر هذا المجتمع المدني مرة أخرى بعد الوحدة. ولكن تداعيات ما بعد حرب 94 أخذت في السعي إلى الغائه من قبل المتنفذين .ولكن المجتمع المدني الذي كسب من الوحدة حرية التشكل والحركة، وعلى الرغم من العراقيل، كان العمود الفقري لثورة الحراك في الجنوب وثورة الربيع (القطري) في الشمال، وان افتقد في الحالتين القيادة العليا الممثلة والحاملة لاحلامه بصدق واخلاص؛ فتسلطت عليه وركيته ديناصورات المتنفذين التي سامت الناس سوء العذاب طوال العقود الخمسة الماضية.
لقد وعى صالح منذ بداياته الحقيقة التي سردناها: وهي هيمنة شيوخ القبائل على الشعب في اليمن، وفهم ان إرضاء شيوخ القبائل وأركان النظام من كبار الموظفين عسكريين ومدنيين ومقاسمتهم مالية الدولة كفيلة بسلامته واستمرارحكمه.وهذا ما جعله يستمر كل هذه المدة. ولكن مغامرات صالح في سياساته الخارجية افقدته الدعم الخارجي المالي اللازم لسياسة الاسترضاء خاصة من دول الجوار التي غدت تهيئوه للسقوط عن طريق تركه يغرق في أزماته بالامتناع عن مساعدته، ان لم يكن بالعمل الايجابي الهادف لإسقاطه.. ففي ظروف الأزمة الاقتصادية لم تعد مالية الدولة كافية لإرضاء الصف الذي يتزايد طوله من مبتزي الدولة، وهو ما يتم اليوم على حساب لقمة الشعب بكل معنى الكلمة. هذا الشعب الذي أفقدته سياسات عبده صالح حتى فرص الهجرة .
لقد كانت دولة الوحدة فرصة تاريخية للنظام (الجديد) لإقامة قاعدة مدنية واسعة من المجمتع المدني تقف وراءه لو تعايش الاشتراكي والمؤتمر. ولكنهما وقعا ضحية طبيعتهما وتكوينهما الشمولي فكان تبادلهما اطلاق النار في 1994 كمن يطلق النار على قدميه ليجعل نفسه عاجزا كسيحا، وقد كان تنافسهما على ولاء أجهزة الدولة سببا في ترك الحبل لها على الغارب فتضاعف الفساد .
واليوم نرى المؤتمر مشبعا بالقيادات القبلية بينما نجد أن حزب الإصلاح ثاني أكبر الأحزاب قد انتهج النهج الخلدوني في إقامة الدولة منذ يومه الأول القائل بالجمع بين العقيدة والفكر (الاخوان)، والعصبية القبلية حاشد والشيخ الأحمر، متبعا مثال دولة آل سعود.
ولقد كان المانع الوحيد من اقدام القيادات القبلية على الإمساك بالسلطة في الدولة المركزية في الشمال، هو وجود نظام راديكالي في الجنوب يسعى إلى بسط سيطرته على كامل البلاد،.وقد زال هذا المانع (لسخرية الأقدار) على يد المستفيد الأكبر من وجوده، ليجعل مستقبل البلاد مفتوحا على أسوأ الاحتمالات ومنها الصوملة. (هناك مانع جديد اليوم هم الحوثيون والحراك وهما حركتان تهمشان المشائخ بل وتناوئهما في كثير من الاحيان).
أن حالة الانسداد التي بلغها حكم صالح جعلت حلفاءه عسكريين ومدنيين وشيوخ دين وشيوخ قبائل يتجهون للتآمر عليه كما بينته التجربة التاريخية التي سردناها. بينما كان هو يبحث عن المؤامرات في أحزاب المعارضة وصحفها وفي المجتمع المدني المسالم. وهي كلها أحزابا ومنظمات وصحف لا تقوى على تغيير رئيس قسم شرطة في حارة، ولا تزال، ولن يقوم نظام دولة حديثة الا باتخاذها حليفا للدولة المدنية الديمقراطية التي لا يعيش المجتمع المدني إلا بوجودها وقوتها، الدولة التي اثبت المجتمع المدني في تجربتيه السابقتين انه اقدر الحلفاء على حمايتها ودعمها والانتصار لها إذا اعتمدت عليه ورعته، ثم ألم يكن عدد من رؤساء الأمن السياسي شركاء في كل انقلاب؟
وطريق آخر هو، أن تقوى قوى المجتمع المدني، القليلة العدد والضعيفة، على مواصلة الثورة وتجذيرها، بالتحالف مع القوة الحديثة الوحيدة ذات الشأن وهو الجيش، من انشاء نظام الدولة المنشود، ولكن ذلك يبدو مستبعدا مع تشتتها وخضوعها للديناصورات، واغفالها امر الجيش والتحرك الفعال للتحالف مع قطاعات قوية منه وتدبير المؤامرات معها لتحقيق الاهداف كما يفعل الثوار الجادون.
ولكن عندما تهيمن الذهنية القبلية على النظام والمجتمع ويعم الفساد الجيش وقادته فإنه لا يمكن الركون اليه كله كوحدة واحدة. أولم يقتتل رفاق السلاح في الجيش (العقائدي) (المؤدلج) (المنضبط) في الجنوب في كل معسكر على أساس قبلي محض في يناير 1986 ليتركوا الدولة اشلاء ممزقة؟ ثم ألم يكن الجيش نفسه شريكا رئيسيا في الانقلابات على الأنظمة من وراء ظهر الشعب وفي غياب المجتمع المدني منجرا وراء قادته المتنفذين؟
واليوم وقد تم خلع صالح من منصبه كرئيس هل انتهى نظام صالح؟ كل شيئ يقول انه لايزال حيا يرزق ولكن أكلح وجها وافسد ممارسة وأسوأ طوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.