حمل إتفاق الرياض منذ توقيعه، وبمرور الفترة الزمنية التي يفترض أنها أحد أهم أعمدته، نوعا" من الإبهام الذي تسببت به أطرافه ذاتها أو إحدى أطرافه على الأقل. فهذا الإتفاق الذي روج بأن طرفيه لم يلتقيا بشكل مباشر ، وحرصت الأصوات المعارضة له أن تعنونه إعلاميا" تحت مسمى ( إتفاق الرياض بين هادي والإنتقالي ) ، تبرزه الخلافات المتصاعدة التي لم تعد خافية، بأنه يمثل أكثر من مجرد طرفين، وتقدم الشرعية ذاتها فيه بطرفين على الأقل، بل أن حدة الخلافات بين طرفي الشرعية تبدو أكثر مما هي بين طرف الشرعية وبين ماكان من خلاف مع المجلس الإنتقالي إبان أحداث أغسطس. الدائرة التي طالما استخدمت شرعية الرئيس هادي ،واستخدمها ، ضمن نطاق مصالح محدودة، كانت الأقل اقتناعا" بضرورة البحث عن حل طالما تجاوز حضورها، لذلك لم يكن من المستغرب أن ينبري مدير مكتب رئاسة الجمهورية ليعلق على إتفاق، يستلزم حسن النوايا، مستخدما" إستهلالا" فظا" ومغردا" بأن الإتفاقات هي حبر على ورق.! ثم تتوالى مظاهر الإستياء العديدة، فلم يحظى إتفاق على هذا المستوى بأي تغطية إعلامية رسمية ، حد أن وكالة الأنباء الرسمية اليمنية لم تنشر نصه أسوة" بالعديد مما سبقه وآخرها إتفاقية السلم والشراكة. ورغم ذلك لم يفت تلك الدائرة أن تضع المقارنات عودة إلى إتفاقية السلم والشراكة، وتضعها بمواجهة هادي وتقدمه بصورة الواقع تحت تأثير غير سليم لهذه المقارنة. فالحوثيين اللذين وقعوا مع هادي إتفاقية الأمس وجميعهم في صنعاء، كانوا حريصين على أن يظل فيها كواجهة شرعية رئاسية لهم بنفس الدرجة التي يستخدمها اليوم من يحيطون به في الرياض.. لكن الجلي أن هذا الأمر لا ينطبق على عدن وما حولها ، حيث من يتواجد فيها يكرر الحديث عن تقبل شرعيته بلهجة مختلفة تراعي حضوره لا أكثر. جانب آخر يوشك الرئيس هادي أن يفقده إن لم يكن ذلك قد حدث بالفعل- وتسبب فساد ذات الدائرة به - وهو الدعم الدولي الحقيقي لشرعيته.. وهو أيضا" ذات الأمر الذي كان مايزال في أوجه وهو في صنعاء. ولولا الأداء الحكومي الواضح خلال العام الماضي، الذي أعاد قليلا" من الثقة بإمكانية التخلص من مظاهر الخلل الكبيرة في الشرعية، عبر التحركات والقرارات التي دفع بها رئيس الوزراء لتحسن من أداء البنك المركزي في عدن، وتنظم سوق المشتقات النفطية الذي شكل الكارثة الأكبر محاصرة الحوثيين من جهة أخرى.. إلى جوار سير رئيس الحكومة بإتجاه تحقيق الشفافية المطلوبة أمام الداعمين الدوليين لميزانية مختلف الأجهزة والقطاعات الحكومية. إتفاق الرياض - إن كان يقدم فرصة أخرى - فهي لشرعية الرئيس هادي ولإسمه قبل ذلك.. التي يحاول اليوم من أضر بها طيلة خمس أعوام، أن يقدم نفسه كما أعتاد مع إقتراب خسارة كل نفوذ شخصي، ويرفع صوته بعويل الوطنية والسيادة التي تظهر متى ما غابت المصلحة وتختفي بحضورها، أما وأن يتجاوب الرئيس هادي مع هذه الأصوات المدعية، فهو الأمر الذي سيجلي علنا" حقيقة إستخدام الشرعية الفعلي.. وحيث لن يعود من الممكن تبرير تغييب دور رأس الحكومات المتعاقبة مرة بعد أخرى، مع بقاء ذات الرأس للشرعية اليمنية وإقناع الجميع بإيجابيته وسلبية كل هؤلاء.!