اليوم حزين إلى درجة لا توصف ، وهل هناك ما هو أكثر حزنا من ان نودع الاخ والصديق ورفيق العمر الدكتور يحيى عبد الله المفلحي (بن حرد)، الذي وافته المنية يومنا هذا في صنعاء. لسنا الوحيدين اصدقاؤه ومحبيه واقرباؤه من فقده وافتقده ، فالوطن ايضا خسر قامة علمية رفيعة ليس سهلا تكرارها ، فالدكتور يحيى كان اهم عالم جيولوجي على مستوى اليمن شماله وجنوبه ، تحصل على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة مرموقة بل هي الأهم من بين الجامعات الأوروبية في هذا التخصص ، وعندما عاد إلى أرض الوطن في بداية الثمانينات، لم يخلد للراحة والسكينة والعمل المكتبي، بل راح يقطع اليمن وديانها وجبالها وسهولها بجهاتها الاربع يفترش الارض ويلتحف السماء مسجلا في ذاكرته ومذكراته كل ما تقع عينه عليه من معادن وصخور وترسبات حتى أصبح بحق مرجعا وعالما لا يشق له غبار بتفاصيل التنوع الفريد لتركيب الطبقات الجيولوجية في اليمن . الا ان علمه الجيولوجي لم يكن الفضيلة الوحيدة التي تميز بها الدكتور يحيى ، فهو قبل ذلك كان إنسانا مثقفا ملتزما ومدافعا عن قيم الحرية والعدالة والسلم والمحبة الديمقراطية وحقوق الإنسان ،كان ما يمكن ان نطلق عليه داعية حقوق مدنية بامتياز ومن منطلق ايمانه العميق بهذه المفاهيم لم يكن يتوانى عن مساعدة الآخرين ومد يد العون لمن يعرفهم أو لايعرفهم . لقد كان د. يحيى منضبطا في كل حياته، في عمله ومواعيده وفي عدم الخروج عن المبادىء الرفيعة التي آمن بها حتى آخر لحظة من حياته الحافلة بالعطاء والإنسانية. وبالنسبة لي فإن خسارتي به مضاعفة ، فقد كنا سويا في حلنا وترحالنا ، في مقايلنا وفي رحلاتنا وفي أوقات فراغنا ، وعندما نفترق لأي سبب كان سؤال معارفنا التقليدي اين صاحبك اليوم؟. اليوم اقول لهم بقلب يعصره الالم والحزن إن صاحبي قد رحل إلى جنة الخلد ان شاء الله " مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا". صديقي يحيى، لا تسعف الكلمات للتعبير عن حجم الحزن الذي خلفه في قلوبنا رحيلك المفاجئ ، لقد كنت نعم الاخ ومصدر الأنس ، وكنت ركنا ركينا نتكىء عليه وقت الشدائد والملمات ، والكثير من الاحبة يعزونني فيك ، وانا بدوري أعزي كل أصدقاءك ومحبيك، أعزي اسرتك الصغيرة المتماسكة، أعزي رفيقة دربك ام رامي، أعزي الابناء، رامي و ماهر وسارة وفارس. راجيا من المولى عز وجل ان يتغمدك بواسع رحمته ويدخلك فسيح جناته ويلهمنا جميعا الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون. "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) " صدق الله العظيم.