مشكلتنا أننا لا نتعامل سوى مع الفصل الأخير من الكارثة، وننسى جذورها المعنوية والأطراف المتصلة بها، في حين أن الدينامو المولد للعنف يكمن في الخلفية النظرية والقتلة الغير مرئيين، أولئك الذين يشرعنون للعنف ضد وجود المنظمات دون أدنى تحفظ منهم تجاه قيم الحياة، وفي مقدمتهم خطباء الأمس الذين لعبوا الدور الأكبر في هذا التحريض، إضافة إلى الضخ العشوائي من جمل التشويه التي قام بها روّاد وسائل التواصل العمياء، دعوا فيها إلى تفجير مقرات المنظمات معتبرين محاربتها أولى من المواجهة في الجبهات. المساحة التي شملت التحريض الممنهج ضد هذه المنظمات، والذي تبنّته خطب المساجد على وجه الخصوص، إلى جانب بعض الغوغاء في وسائل التواصل، هذه التراكمات من التحريض، والنزوع العدائي تجاه الحياة، هي التي منحت الفاعل اسنادًا فكريًا قويًا لفعل الجريمة، مع وجود رواسب نفسية، عدائية، وذاتية ضد المنظمات من الشخص نفسه ربما لأسباب أنه لم ينلْ حصته من العمل والتوزيع فيها.
هؤلاء من يحولون روّاد العمل الإنساني إلى شيطان رخيص، تافهٍ وبلا ثمن، بل ويعتبرون استهدافهم عملًا نضاليًا، وهكذا يتم تنميطهم في نموذج مهين، ليجردونهم من إنسانيتهم فيغدو قتلهم مهمةً سهلة، يقوم بها أي إنسان دونما شعور بالذنب.
كما لا ينكر أحد وجود نوعًا من الفساد المجتمعي الذي يرافق عمل بعض المنظمات، وهذا لا يعني أن يتم معالجته بهذا الشكل، بل يجب وضع روادع تُقلّص من حدِّة اختلاط الجنس الآخر بالأعمال المستهدفة من هذه المنظمات والشاغلة فيها أيضًا، وهذه إشكالية ليست معقدة، بل بالإمكان حلها ببساطة بعيدًا عن كل أساليب العنف، التي تُدمّر الفطرة السويّة للمرء، وتُخرج لنا هذا الكائن المشوّه، والذي لا يجد حلًا لمشكلاته إلا بهذا العمل الجبان.
أخيرًا: إلى المتدينون الجدد، إن سدَّ معدة خاوية لمسكين لم يجد ما يُهدّأ به جوعه، وتخفيف الألم عن مُسنِّة، أو شيخ عجوز قدم من أطراف القرية ولم يجد قيمة للأدوية والعقاقير التي تُسعفه. أن توفير هذه الأشياء البسيطة، التي تنقذ ما تبقى من الحياة في نفوسهم وتُعزز قيمها، أنها أفضل من صلاة شهرٍ كامل مع قيام ليلة، لأحد الرهبان في مسجدٍ لا يعرف فيه حرارة الشمس.