اليوم الاثنين،وهو توافق تاريخي لنفس اليوم(الاثنين من عام 1986م) بعد34 سنة.. هكذا يقول تاريخ الإحداث ..13يناير..اليوم الأسود الاليم الذي تقاتل فيه الرفاق وصفّوا بعضهم بعضا، ما ادى الى خسارة لاتعوض ابدا..ففقدنا الرجال المجربين من قادة ومثقفين كتابا وصحافيين وأورثنا الندم والتقهقر وزرع الأحقاد الدفينة في النفوس..كل ذلك من اجل السلطة والنفوذ والتوجه الذي كنا نعتقد انه لصالح التقدم والحرية وبناء المجتمع الاشتراكي النموذج لرفاه البلد والشعب..ونحن نعيش القبيلة والتخلف..و الخ! شطحات قادتنا الى تدخل قوى شمالية متنفذة في الدولة بدعم عربي ودولي ..كانت تتحين الفرص لإذكاء الفرقة والحرب والقتل وسفك الدماء ونجحت بشكل مخيف ..والثمن كان باهضا وراحت كفاءاتنا ضحية غدر وتآمر أوصلنا الى ان نكون لقمة سائغة لما كنا نعتقد انه منقذلنا ،ألا وهي (الوحدة) لاننا ضعفنا وسيطر على الواقع حينها من هم اضعف وسلموا البلد لنظام عسكري قبلي اكل الأخضر واليابس وما ارغمهم على ذلك احدا. رغم كون الكثير من قياداتنا النبيهة كانت تنبه الى ان التسرع والهرولة في تطبيق الوحدة فيه كوارث ومخاطر ..ولكن كانت13يناير هي المفصل المدمر والمحطم للتوجه وتصفية خيرة الرجال..وهم من مختلف محافظات و مناطق اليمن كلها..(كالنار تاكل بعضها ان لم تجد ماتاكله!) هنا نتذكر العلَم الرمز الذي كان يقود دفة السلطة الرابعة وأبلى بلاء حسنا وسجلت مواقفه بأحرف من نور ..وكان الرجل الموقف الى جانب رفاقه الكثر ممن كانوا يشكلون نهج الثقافة والحصافة وأساطين الصحافة بكل ماتعنيه الكلمات من معان.. هنا اخصص كلامي لرجل لامثيل له بشهادة أعدائه قبل محبيه.. وحتى من كلفوا بتصفيته- حسب شهادة احدهم كان مع الشهيد في اللحظات الأخيرة- كانوا يشهدون بحكمته ورجولته وطيبة أخلاقه وتعامله معهم..لكن الأوامر كانت هي اللعنة التي لا بد من نفاذها.. وهنا.. انا لا انبش ماض بأحقاده ومآسيه ابدا،بل لإعطاء كلمات إنصاف وعدل لخيرة من عملنا معه وتعلمنا منه وكان بمثابة الاب والاخ والرفيق والزميل البسيط الخلوق..وسيظل كما رسمنا له صورة ناصعة في عقولنا الى الابد . نعم انا لن اضيف كلمات سرد مملة عن الشهيد احمد سالم الحنكي الإنسان.. سوى إعادة نشر الكلمات التالية التي نشرتها قبل عام ونيف عن الرجل في الذكرى ال 33 الماضية ..وهوالذي ترك فراغا في مجالات الصحافة والسياسة ..والحياة عموما.. واقول: (تتسارع الايام مرورا فالشهور والسنين..ولا نعدها او نتعظ منها بل نتجاوز آثارها بالنسيان احيانا واحيانا اخرى مرغمين وهي القصة الأليمة لكثيرين! قبل ايام قليلة ومصادفة التقيت زميلة دراسة جامعية وصحافية بعد مرور سنوات كثيرة وهو اللقاء الثاني العابر.. وتحادثنا في الاول لثوان معدودة ..وكيف الحال مع واقع مرير مر عليه زمن ليس بقصير.. وافترقنا كل الى وجهته ومبتغاه ..لكن اللقاء الأخير كانت فيه مفاجأة ويصعب ان تعبر عما في نفسك بعد ان ذهب الشباب واوغل الشيب فينا في أكثر من نصف العمر..نعم كانت الزميلة الخلوقة ..الشخصية المثقفة اللبقة اقبال الخضر الإعلامية المتميزة (ارملة) مناضل شهيد واعلامي مخضرم وقلم نادر وقائد شامل في الوجود..خسرناه في لحظة حقد مناطقي وبعده تشتتنا ولم نجد من يحل محله..في الإرشاد والقيادة! وتتسارع لحظات المأساة لتمر السنين وكأنها لحظات ..فقط انعدمت لدينا الرؤية وضاع القياد .. نعم التقينا وجها لوجه..لكن كان في العقل والقلب مخزونا من الود والاحترام الاخوي والرفاقي لن ينمحي..ابدا نعم انها اقبال الخضر.. ارملة الشهيد احمد سالم الحنكي أستاذ الصحافة وربانها القائد منذ سنوات السبعينات من القرن المنصرم حتى ام 86م.. والذي كان من الابداع والكياسة ان كانت صحيفة (14اكتوبر) الصحيفة الرائدة والمدرسة التي تتلمذ عليها الكثيرون.. ومنهاوعبر دار مطابعها اصر الأستاذ الحنكي على اصدار(مجلة المسار) المعنية بشؤون المغتربين وكان من فرسان تحريرها(المفكر الاديب سعدي يوسف .محمد عبدالله مخشف نعمان قائد سيف.واخرين) ثم مطبوعات ،كتب وكتيبات ومجلات هي كنوز الرجل وترجمان عطائه وندىً يذكّر به مدى الحياة. فبفضل هذا القائد البسيط والانسان المحبوب كانت البصمات ولم تزل ماثلة وخالدة ..ونفتقد اليوم من يتمثلها ويحييها ولن نف الراحل حقه مهما كتبنا. وانا شخصيا كنت ممن يحضى كثيرا باهتمامه ورعايته حتى استشهاده في 13يناير المشئوم عام 86م. نعم كانت المفاجأة ان أخبرتني زميلتي ونحن نتذكر ايام العز برغم مااكتنفها من الآلام التي لحقت بها..وهو ماسبب ألما لنا بسبب نكأ جراح غائرة ولن تشفى بأي بلسم او دواء ..ولكن الحياة تتطلب الصمود.. ومن الذكريات نستمد خطى المستقبل لنا ولأبنائنا وأجيالنا. سالت اقبال..عن الاسرة فحمدت الله وقالت نحن نعيش وأشارت لفتاة تقف خارج محل للاتصالات والذي نتعامل معه كجار واخ عزيز لتسديد فواتير خدمة النت والهاتف.. انه محل اتصالات الاخ (ابو يحي التميمي) بالشارع الرئيس ..بالمعلا. أومأت اقبال لفتاة مشيرة لها بالدخول .. حيتنا وسلّمت علينا بتحية معبّرة للجميع ولي.. ليس مصافحة بالطبع، فقد تغيرت عادات المجتمع في عدن بعد عام90م ،وانااتفهم ذلك قالت: هذه ابنة الحنكي يااستاذ..ارتبكت انا وعدت بشريط الذكريات لثلاثة عقود ونيف عندما كان الشهيد يربت على كتفي ويقول انت تكتب تمام وسأدعمك بما اقدر وكنت مساهما في تصحيح الصحيفة واكتب في صفحة القراء..وطالبا في كلية التربية العليا وموظفا مبتدئا في وزارة التربية والتعليم بالدائرة السياسية بمدينة الشعب..وفعلا رفع مخصصي المالي كثيرا..وفوق مااحلم به..ما ساعدني في النهوض بأوضاع بيتي وأسرتي الصغيرة كما يجب، حيث كان راتبي في التربية 25 دينارا ..وقد عمل لاستاذ احمد على نقل مقالاتي الى الصفحة الأخيرة ..وهي مرتبة رفيعة ،ولكبار الكتاب المشهورين الذين كنت اتعلم منهم يوميا..نعم تذكرت كل ذلك خلال ثوان ودارت بي الدنيا..وكدت اسقط ارضا عند سماع: هذه ابنته-ابنتهما بالطبع والتي ربتها وكبرت وصارت شابة جامعية ماشاء الله تبارك الله وهي في نظرنا،احمد واقبال معا.. داريت ارتباكي وبكائي فلم استطع..كنا كلنا نختنق والغصة في الحلوق ازاء تذكر عملاقا ترك فينا الاثر وحسن التعامل والاخلاق الرصينة ..وكانت حشرجة مقترنة بالم يهز الوجدان ،ما منعني من تفاصيل معرفة الاسم والتخصص في الدراسة ..وخرجت من المكان متالما ومودعا زميلتي وابنتها وابي يحي ..امسح دموعي الحسرانة على رجل لم تنجب اليمنوعدن تحديدا مثله..! هنا يسترجعني شريط الأعلام الصحافية الذي تاثرت بهم وعملت معهم وكانوا المصابيح المنيرة في حياتي وقد توفاهم الله ورصدت إعدادهم فوق السبعين علما ممن لهم علي أفضال ماحييت وأدين لهم بماانا فيه ويشهد الله على ما اقول..وسأتناولهم بمقالة تفصيلية ان شاء الله .. وهنا يكون الشهيد احمد في الصدارة بكل تاكيد. بعد دقائق اتصل لي ابو يحي التميمي الحبيب يستفسر عما جرى لي لانه لاحظ ماجرى وكان قلقا وهذه اخلاق الكبار حقيقة ..فشرحت له الموضوع فترحّم على الرجل واثنى على الاسرة التي تتعامل معه برقي واخلاق عالية،انها أسرة الشهيد الحنكي طيبة الذكر.. وفي مقهى ردفان بالمعلا بعد يومين وبالمصادفة القيت بالزميل الصحفي والرياضي عبدالله قائد علي ( الذي توفي مؤخرا)رحمة الله عليه.. وسردت عليه الحكاية فقال نعم بنت الأستاذ الشهيد.الحنكي ذكية وخريجة كلية الإعلام بجامعة عدن يعني واخذه من ابويها ،حينها عرفت ان الحنكي (لم يمت)..لانه خلّف من يخلفه ويذكّر به وبرصيده الصحافي والنضالي والانساني. لكن للأسف الشديد بلغني ان (الحنكية) الشابة الصحفية تقدمت لصحيفة14 أكتوبر ايام سلطة احمدالحبيشي حسبما قال لي الراحل عبدالله قائد ،للحصول على وظيفة، وتنكر لها ولم يستجب لطلبها ولم يلتفت لإرث ابيها الزاخر الذي من نداه عمل عشرات بل مئآت الشباب وصار بعضهم في مركز قيادة الصحيفة منذ تلك الأيام الى الى يومنا هذا. هكذا نحن في الإعلام الذي صار في مساره أعلاما ترفرف من هبوب الرياح.. معظمنا وليس كلنا. انها حكايات قد تختلف هنا او هناك، لكنها عبق عاطر ومنها نستشف الدروس والعبَر..في زمننا هذا. فالف رحمة ومغفرة للشهيدالحبيب والاريب: احمد سالم الحنكي، ولرفاقه الاماجد ولكل شهداء الصحافة والوطن عموما..ولهم الرحمة والمغفرة ..ان شاء الله..ففي هذا اليوم الذي نشعل فيه الشموع ونذرف فيه الدموع تخليد لمن كانوا الوقود لمراحل عزتنا ومعيشتنا..نقول ماقاله الشاعر: (ليس من مات فاستراح بميْت انما الميْت ميّت الاحياء..)! رحم الله استاذنا الجميل والمثقف الابرز الشهيد احمد سالم الحنكي الذي كان وسيظل في عقولنا نجما ساطعا تهتدي به الاجيال. والعزاء الجميل لأهله كافة.. ولابنته الاعلامية الشابة وامها الارملة.. الصحافية الزميلة الأستاذة إقبال الخضر..ولكل محبي الحنكي..في الوطن اليمني كله انا لله وانا اليه راجعون..