العودة إلى الجنوب مجددا عدن الغد) القسم السياسي: أثارت التطورات الميدانية العسكرية التي شهدها شمال الشمال مؤخراً؛ الكثير من المخاوف، المرتبطة بتصاعد قوة الحوثيين، وتقدمهم على الأرض. المخاوف لم تكن قاصرة على تقدم مليشيات الحوثيين على جبهات مأربوالجوف، ولكنها تعدت ذلك لتصل إلى محافظات أخرى، أعادت إلى الأذهان "هرولة" المليشيات مطلع 2015 صوب الجنوب واجتياحها كافة محافظاتاليمن. تلك المخاوف ارتبطت بالتغير في موازين القوى التي شهدتها عدد من المحافظات الشمالية، والتي ليست ببعيدة- جغرافياً- عن عدد من المحافظات الجنوبية. فما حققه الحوثيون لا يمكن النظر إليه بأنه عمليات "دفع" بقدر ما يعتبرها مراقبون أنها عمليات "طلب"، بالمفهوم الفقهي للمصطلحين. كما أن التغير في موازين القوى الذي تطرقنا إليه في تقارير سابقة يتجلى في تحول المليشيات الحوثية من موقع المحافظ على ما تحت سيطرته من مناطق، إلى طامحٍ وراغبٍ في استعادة ما خسره منذ 2015، بل وضم المزيد منها إلى جعبته. كل ذلك أثبتته المعارك الملتهبة منذ أسابيع في جنوب غرب محافظة الجوف، وغرب محافظة مأرب، والتي نتج عنها تقدمٌ حوثي لا يمكن إغفاله أو الاستهانة به، وكشفت عن تحول في سياسة الحوثيين، من الدفاع إلى الهجوم، كما هو ملاحظ. الأمر الذي يجعل التهديد الحوثي لا يقف على أعتاب المحافظات التي سيطر عليها مؤخراً، بل يمتد ذلك الطموح متجاوزاً الجوف، ويتعدى ما وراء مأرب نحو الشرق والجنوباليمني. وهو ما حذر منه غير واحدٍ من المراقبين الذين نبهوا منذ وقتٍ مبكر باحتمال عودة المليشيات الحوثية مجددًا إلى الجنوب، والتذكير بما فعله منذ نحو خمسة أعوامٍ من اليوم. ولم يقف التحذير عند هذا الحد، بل تعداه ليجعل أيضاً محافظات الشرق كحضرموت والمهرة في عين العاصفة والتهديد هي الأخرى، وفق مخاوف وتحذيرات المتابعين لمجريات الأحداث. الحوثي.. كيف يمكن أن يعود إلى الجنوب؟ بنظرةٍ فاحصة على الخريطة الجيوعسكرية للتقدم الحوثي، يتضح أن القوات المليشياوية تنحو في اتجاه شرق وشمال صنعاء، حيث معقلها الرئيسي. وهو ما اعتبره خبراء عسكريون بأنه تأمين استراتيجي نجح الحوثيون في تحقيقه، حيث تجاوزوا مخاوف واحتمالات اقتحام مدينة صنعاء من الجهة الشرقية، حيث كان محور نهم يشكل هاجساً مرعباً بالنسبة للمليشيات. غير أنهم استطاعوا تأمين محيط عاصمتهم الشرقي، والتوجه شمالاً نحو الجوف، وشرقاً باتجاه مأرب، وهم هنا انتقلوا بشكل عملي من مرحلة الدفاع والتأمين إلى مرحلة الهجوم والتقدم، بحسب رأي الخبراء العسكريين. وبنظرة أكثر اتساعاً وشمولية لخارطة ما بعد مأرب، نجد أن الحوثيين يمنون أنفسهم بالسيطرة على كامل مأرب وليس مجرد القيام بمناوشات كما جرت العادة قبل سنوات، وهنا تكمن الخطورة، وتبدأ المخاوف الحقيقية من احتمالات عودة اجتياح المليشيات الحوثية للجنوب. حيث تتاخم محافظة مأرب شرقاً نظيرتها محافظة شبوةالجنوبية، والتي تمثل بوابة الحوثيين ليس فقط إلى الجنوب "أبينوعدن"، ولكن أيضاً إلى الشرق، "حضرموت والمهرة"، وفق ترجيح العسكريين. وهذا السيناريو المحتمل كفيل بأن يسيل له لعاب الحوثيين التواقين إلى العودة مجددًا نحو الجنوب والانقضاض على ما لم يتمكنوا من السيطرة عليه خلال اجتياحهم السابق قبل خمسة أعوام بالتمام والكمال. ونعني هنا محافظتي حضرموت والمهرة، وهما المحافظتان اللتان بقيتا بمنأى عن الحرب منذ اندلاعها، ربما بحكم موقعهما الجغرافي القصي، إلا أن تمكن الحوثي من السيطرة على مأرب، ومن ورائها شبوة، قد يمكنهم من الانتقال إلى حضرموت الوادي حيث قوات الشرعية، وبالتالي نحو المهرة لاحقاً. ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق في حالة انتقال الحوثيين من مأرب إلى شبوة، وهذا ما يجعل ذلك الاحتمال منطقيا وممكنا، بحسب رغبة المليشيات. الاحتمال الأقرب لتهديد الجنوب قد يرى البعض أن إمكانية السيطرة الكاملة على مأرب صعبة نوعاً ما، كونها معقل الشرعية الرئيسي، مع إمكانية استماتة أبنائها من القبائل وقوات الحكومة لصد أطماع مليشيات الحوثيين. غير أن عسكريين ينظرون إليه بأنه ليس مستحيلاً، وإن كان صعباً، لكنهم لا يرجحون هذا السيناريو كمتحكم في رغبة الحوثيين إلى الجنوب. حيث يعتبرون أن المليشيات الانقلابية يمكنها العودة إلى الجنوب عبر العديد من المحاور التي تعتبر ممكنة وسهلة- نوعاً ما- مقارنةً بجبهة مأرب ثم شبوة. فهناك جبهة البيضاء وعقبة ثرة المتاخمة لمحافظة أبين، وهي العقبة التي يسيطر عليها مجموعة صغيرة من الحوثيين، ما انفكت تهدد مديريات محافظة أبين بين الحين والآخر. وهي تمثل تهديداً أكثر خطورة لإمكانية عودة الحوثيين إلى الجنوب، وتحديداً أبينوعدن، وبالتالي لحج والضالع، وهذه الأخيرة تشهد أيضاً معارك متواصلة منذ نحو عامين، بين المليشيات والمقاومة الجنوبية، وهي جبهة يمكن للحوثيين أيضاً أن يعودوا من خلالها، غير أنهم يواجهون صعوبات عسكرية جمة هناك. وتبقى جبهة ثرة، خطرة نوعاً ماً، وتشكل تهديداً غير عادي، خاصةً مع توارد الأنباء عن قيام الحوثيين بتعزيز مواقعهم هناك بصواريخ أرض جو، وطائرات مسيّرة، يمكن أن تستخدم في تحقيق تقدم عسكري لصالح المليشيات. كما أن جبهة كرش والراهدة المطلة على محافظة لحج، يمكن أن يستغلها الحوثيون بتحريكها وفتح بؤرة جديدة لإشغال القوات المناوئة لهم. بالإضافة إلى إقدام الحوثيين بالفعل على تحريك جبهة الحد في منطقة يافع، بمحافظة لحج، والقريبة من معاقل الحوثيين في البيضاء أيضاً. كل تلك الاحتمالات يمكن أن يتم تفعيلها وتطويق الجنوب بأكمله، ويحظى هذا التوجه باهتمام الحوثيين، خاصةً في ظل تحقيقهم انتصارات وتقدما ميدانيا على جبهات شمال الشمال؛ وهذه المعنويات المرتفعة التي شحذت هممهم قد تُغريهم بتكرار انتصاراتهم جنوباً. توجه رسمي وعسكري قد تبقى تلك التحليلات التي سردناها حبيسة التكهنات، لكن يمكن ألا تكون كذلك إذا عرفنا أن هذه الرغبة والطموح الحوثي ليس مجرد تحليل، بل هو توجه عسكري ورسمي أعلنته قياداتهم الحكومية والعسكرية. وهذا ما كشفته عنه خطط الحوثيين الحكومية، حيث أعلنوا عن هذا التوجه بشكل جدي؛ بهدف العودة ليس فقط إلى محافظاتالجنوب بل وحتى محافظات الشرق. ويبدو أن الدعم الداخلي والحكومي الذي يحظى به مقاتلو المليشيات الحوثية، يفتقده أمثالهم من مقاتلي الحكومة الشرعية. ففي الوقت الذي يخطط قادة الحوثيين للتقدم والانتصار، يرقد القادة الشرعيون في الحكومة والجيش على وسائد وافرة في فنادق العالم، ويلتهمون مرتبات الجنود الواقعيين والوهميين على السواء، دون التخطيط حتى لصد تقدم المليشيات الانقلابية. كما أن الاهتمام لدى الحوثيين بضرورة العودة إلى الجنوب مرة أخرى يكشف حرصهم وجديتهم في خوض غمار هذه الحرب، على العكس تماماً من مواقف كثير من القوى الحكومية والعسكرية المحلية والإقليمية. ما الذي يُغري الحوثيين؟ ذكرنا أن انتصارات المليشيات في الشمال قد تغريهم للعودة مجددًا إلى الجنوب، غير أن ثمة أمورا كثيرة تمنح الحوثيين إغراءاتٍ عديدة لتحقيق رغبتهم تلك. أحدها أن الاجتياح المتوقع للحوثيين هذه المرة لن يكون كما سابقه، حيث يبدو أن الحوثيين قد تعلموا من دروسهم السابقة، خلال مكوثهم أشهراً في الجنوب. وهو ما يعطي خطورة إضافية لاحتمالية عودتهم من جديد، وهي العودة التي يبدو أنها لن تكون كسابقتها في ظل تأكيدهم للعالم أجمع بأنهم القوة الأكثر تماسكاً وترابطاً بل وصموداً في اليمن. ومن هنا قد تحظى توجهات الحوثيين بالعودة إلى الجنوب بموافقة غير معلنة من اللاعبين الدوليين والإقليميين الفاعلين؛ شريطة تحقيق الحوثي لمصالحهم على حساب القوى التي أثبتت فشلها في الجنوب. وتلك الموافقة الإقليمية والدولية غير المعلنة هي أيضاً إحدى الإغراءات التي تدفع بالحوثي نحو هذا التقدم شمالاً وجنوباً. بالإضافة إلى قدراته التسليحية والعسكرية المتنامية، والتي لم يمنع تناميها جهود الحصار البري والبحري والحظر الجوي المفروض عليه منذ خمس سنوات. قدرة على التقدم.. أم مجرد مناورة؟ على الضفة المقابلة ثمة رأي يتحدث عن أن الوضع الحالي للحوثي لا يؤهله لمزيدٍ من التقدم أو فتح جبهاتٍ جديدة هو في غنى عنها. ويشير معتنقو هذا الرأي إلى أن المليشيات الحوثية تسعى إلى تأمين محيطها الاستراتيجي، ونطاق حاضنتها الشعبية والجماهيرية في شمال الشمال ليس أكثر. ويعتقد البعض أن التقدم الحوثي يأتي في إطار ما يتم تسريبه من معلوماتٍ عن تسوياتٍ سياسية وسلمية توزع الحصص وفق مناطق السيطرة والنفوذ، والتي يتم تحديدها بحسب قدرة كل طرف على فرض وجوده العسكري. فكما استقر الوضع للمجلس الانتقالي في عدنولحج والضالع وأجزاء من أبين، وامتلاك الحكومة الشرعية لنفوذٍ عسكري في شبوة ووادي حضرموتومأرب ومناطق واسعة من الجوف، يعمل الحوثي هو الآخر على توسيع رقعته. ولهذا فهو يمضي نحو تأمين طوق صنعاء من خلال السيطرة على محاورها الشرقية، وتأمين شرق صعدة من خلال مديريات الجوف المتاخمة لها. ويرى أصحاب هذا الطرح أنه ونظراً لكل تلك المعطيات يبدو أن توجه الحوثي نحو الجنوب ليس مطروحاً حالياً في ظل تواجد التحالف العربي الذي قد يحول دون تحقيق المليشيات رغباتها التوسعية جنوباً. وما يزيد من واقعية هذا الطرح ما أعلنته قيادات محلية وعسكرية حكومية، علقت على نتائج تقدم الحوثيين في مديريات الجوف، والتي حصرتها في أنها مجرد "كر وفر"، ومقتصرة على سياسة "المناورة". حيث أكد محافظ الجوف أمين العكيمي، أن الجيش الحكومي سيعاود تحرير المناطق التي خسرها خلال اليومين الماضيين. وأوضح العكيمي، في تسجيل مصور، رصدته (عدن الغد) أن الجيش الحكومي قادر على استعادة المناطق التي خسرها، وأن معنويات أفراده مرتفعة، وأنهم يدركون جيداً أن الحرب كر وفر. وقال العكيمي إن ألوية الجيش التي قاتلت في محافظة الجوف، عازمة على ترتيب صفوفها، وتجاوز السلبيات التي تسببت في خسارة عدد من مديريات الجوف، بما فيها مديرية الحزم عاصمة المحافظة. ولم يكن العكيمي وحده من رجّح أن يكون تقدم الحوثي مجرد مناورة عسكرية. الناطق باسم الجيش الحكومي العميد عبده مجلي، من جهته هو الآخر أكد أن القوات المسلحة متواجدة بالقرب من مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف، ويمكنها استعادة ما خسرته بإسناد مباشر ومتواصل من طيران التحالف العربي لدعم الشرعية. كما نقل المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية، على صفحته في (تويتر)، عن ناطق الجيش الحكومي، قوله: إن هناك خططاً تكتيكية واستراتيجية يجري ترتيبها، بإشراف مباشر من قيادة القوات المسلحة، لتحرير محافظة الجوف بالكامل، والوصول إلى صنعاء. ونوه بهذا الصدد إلى أن قوات الجيش ماتزال مرابطة في مختلف جبهات محافظة الجوف، لافتاً إلى أن قواته ستستعيد محافظة الجوف، وستطرد جماعة الحوثي منها، وإعادة السكان الذين هجرتهم، على حد قوله. عوامل مساعدة للحوثي وبغض النظر عن حقيقة التوجه الحوثي من عدمه، ثمة أمرٌ مؤكد في سياسة المليشيات، تكمن في تركيزها على عنصر الانقسام الذي يضرب مناوئيه وخصومه. حيث يعمل الحوثي على الاستناد لخلافات الخصوم لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتصارات ليس فقط العسكرية، بل وغير العسكرية. ونظراً لحالة الانقسام التي تعيشها جبهة الشرعية، أو لتقل الجبهة المناهضة للمليشيات الحوثية، فإن هذا الأخير استطاع البناء على هذه الخلافات والانقسامات. وبالنظر للتهديد الذي يتوقع أن يحدثه الحوثي على المحافظاتالجنوبية، يمكننا بسهولة اكتشاف مدى الانقسام الحاصل هناك. فمحافظاتعدنولحج والضالع، وأجزاء واسعة من أبين، تواجه أزمة خانقة في توفير الخدمات والاحتياجات، بينما تنحصر سيطرة الحكومة الشرعية على محافظاتشبوة ووادي حضرموت، وبنسبة معينة في محافظة المهرة. تلك الخارطة الجيوسياسية والجيوعسكرية لمواقع السيطرة للأطراف الجنوبية المتصارعة لا بد أنها مثلت عاملاً مساعداً شجعت الحوثي وحفزته للخوض في تجربة العودة مجدداً إلى الجنوب. وهو ما يحتم مسئولية كبيرة على الأطراف المتصارعة في المحافظاتالجنوبية، ويفرض عليهم ضرورة توحيد صفوفهم وجهودهم؛ لتقوية جبهة واحدة ومتماسكة تواجه عدوا خطيرا بحجم وشراسة الحوثي. ربّ ضارةٍ نافعة يتبادر إلى أذهان الكثيرين ما قام به الجنوبيون في الاجتياح الحوثي لمدينة عدن وبقية محافظاتالجنوب، خلال مارس وأبريل 2015، من مآثر بطولية جسدت واحدية أهدافهم ومصيرهم المشترك. حينها تسببت مليشيات الحوثي وقوات صالح بدفع الجنوبيين نحو نسيان ماضيهم المليء بالانقسامات، وجعلتهم يوحدون صفوفهم في وجه القوات التي اجتاحت مدنهم وقراهم. تناسى الجنوبيون حينها كل الخلافات، واستطاعوا تحرير عدنوالجنوب عامةً بمساندة الأشقاء في التحالف، وهو ما يحتاجه الواقع اليوم. يحتاج الجنوب لتوحيد صفوفه وقدراته وإمكانياته، بالإضافة إلى توظيف كفاءاته وشخصياته، ليس فقط عسكرياً، بل سياسياً وتنموياً. وهي رغبة عامة لكل أبناء الوطن، رغبة تتمنى عودة الروح التي وحدت الجنوبيين في 2015، دون النظر إلى المصالح الذاتية أو المناطقية الضيقة. ويمكن أن تكون التهديدات التي يشكلها تقدم الحوثي على جبهات القتال في الشمال، ومناوشاته على تخوم وأعتاب المحافظاتالجنوبية ضارةٌ نافعة، تستدعي من الجنوبيين تدارك الوضع والقيام بما يلزم للوقوف أمام هذا الخطر المحدق.