الوحدة نقيض الثورة تماما،بل إنها نقيضا للحس بالمسئولية،ونقيضا للجدية في مواجهة قضايا الوطن؛والغريب أن الجنوبين،في غابر عصرهم لم يكونوا على هذا القدر من بغضهم للوحدة،وقد استطاع أجدادنا أن يزرعوا حب الوحدة،لكنهم لم يدركوا أن كلمة"الوحدة" في عالمنا الشقي؛مثل حزمة ديناميت،وقنبلة يدوية نزعت فتيلها وتم قذف الجنوبين بها...إن ذات الكلمة في عصرنا الرديء تشبه المرآة السحرية،لا تظهر فيها الأقنعه التي تكسوالوجوه،ولا يرتسم في صفحتها إلا الوجه عاريا من كل ادعاءاته،ولأن أحدهم لايريد ان يرى وجهه الحقيقي،تجدهم قاموا بكسر المرآه....وبالتاكيد لقد تم كسرها؛وأستطيع الجزم أن الوحدة انتهت وتم استبدالها ب تيار مقيت أخذ على عاتقة مهمة تصفية معظم مثقفي الجنوب؛بل وصل الأمر الى قتل كوادر جنوبية كانت تحمل مشاريع عملاقة ليمنِ مُشرق. قابلت أحد الأصدقاء من أبناء العربية اليمنية،في إحدى المطارات العربية؛وأثناء تعارفنا بادرني بالسؤال:أأنت من يمن الوحدة والديموقراطية والأمن و...وقبل أن يكمل انفجرتُ ضاحكا،وهو يتأملني بدهشة وكأنني طلعت عليه من بين دفتي كتاب من كتب العصور الوسطى! الوحدة؟؟وتابعتُ ضحكتي......وحين ألح علي أن أشرح له سبب ضحكتي؛إذ بأحد موظفي الإستقبال يمر بجانبي؛فعمدتُ إلى سؤاله:هل يمكننا الخروج خارج المطار لأن" لدينا ترانزيت طويل"؛فسألني عن جنسيتي؛حينها بادره صديقي بالإجابة"نحن من اليمن"؛فرد الموظف ضاحكاَ :لا يمكنكم الخروج؛ لأنكم من اليمن....! شكرتُ الموظف لأنه وفر علي عناء الإجابة والشرح الطويل..والتفتُ إلى صديقي قائلا:"هذه هي الوحدة ياصديقي الفاضل"! بحزن شعب يحترق؛أقول أن كلمة"الوحدة" تفتح جراح"المعذبين في الجنوب" وتجلد الذاكرة لديهم؛وتجعلهم فاقدي الهوية؛وأنه من الأفضل أن يتم تناسيها تماما؛أشعر الآن بالضيق وبالغيظ وأنا أكتب عنها؛بل وبالمهانة أيضا..بالضبط "المهانة" هي الكلمة؛لا ليست المهانة هي الكلمة بالضبط!! ثمة شعور يفترسني الآن وأجهل الاسم الدقيق له؛لكنني أيضا اعجز عن الكتابة عن أي شيء آخر.....ربما لأنني أكتب عن وجع الشعب الجنوبي بأكمله؛عن معاناة طويلة؛ورحلة قاسية. أقول لكل الجنوب"إن الحياة ملحلمة انتصار تبدأ من سلميتكم وحضارتكم..الصمود وحده درعكم،والإيمان بالله يجلب لكم الانتصار أكثر مما يجلبه أي شيء آخر؛فلحظة الذروة قد جاءت؛وموعد الانتصار لكل أوجاعكم قد أتى،سوف ننتقل من ترحال العناء إلى الغوص في إشراقة المستقبل الجميل....ما دام من واجبنا أن نتحدث على فضائل الأموات"الوحدة"؛دعونا نقسو عليهم ما داموا أحياء...فإننا لا نعي حقا معنى الموت إلا حينما نعرف"الوحدة".