أكدنا سابقا ومرارا عدم وجود خلاف بين الدولتين وإنما يوجد توزيع للأدوار بينهما. هم يعرفون مسبقا الزخم الشعبي للحراك الجنوبي الرافض للوحدة ، ولذلك رأت المملكة صعوبة في ظهورها منفردة في الشمال والجنوب معا حيث يوجد فريقان يؤيدان العاصفة لكنهما مختلفان في الأهداف النهائية وهما : الفريق الشمالي الوحدوي الواقف مع التحالف والفريق الجنوبي الواقف مع التحالف أيضا لكنه متمسك بفك الارتباط. ونتيجة لهذا الاختلاف والتناقض بين الفريقين أحست السعودية صعوبة في جمعهما تحت رأية موحدة وقيادة خليجية واحدة وربما تخفق وتتعثر في قيادة طرفين حليفين ومتناقضين وكل طرف منهما يريد إشارات وطمأنة منها بأنها إلى جانب أهدافه وتوجهاته ، وهنا تكمن صعوبة الأمر للمملكة فإن هي أظهرت مؤشرات إيجابية لطرف فسيغضب الطرف الآخر ويتراخى وربما يحجم عن القتال إلى جانبها أو يسبب لها عراقيل وعثرات، وإن أظهرت مؤشرات للطرفين فسيكون هذا من التناقض المكشوف وسينفر منها الطرفان ويتوجسان، فمؤشر للوحدة ومؤشر للانفصال تناقض غبي لا يمكن تمريره على العقلاء. ولذلك ظهرت المملكة كطرف في الشمال تلوح لأتباعها هناك بالوحدة وهي حقيقة مع الوحدة اليمنية وأوكلت إلى الإمارات ملف الجنوب ومغازلة الجنوبيين والعزف لهم بوتر الاستقلال ليندفعوا بحماس للقتال في صف التحالف ليس إلا ، وكل طرف يظن أن بين الدولتين خلافا ويطمئن بأن تلك الدولة تقف مع طموحاته ، وبهذه السياسة ينجح الاستقطاب نوعا ما. لكن هناك شبهات يرددها الكثيرون حول خلاف الدولتين فهل يوجدا حقا خلاف بينهما. لتفنيد تلك الشبهات سنقرأ ما بين السطور بدقة وبعمق. يقال أن السعودية تدعم الأخوان باليمنوالإمارات تحاربهم. والصواب أن الدولتين تحاربان الأخوان في كل دولة كما في مصر وليبيا وغيرهما وتوتر علاقاتهما مع تركيا وقطر خير شاهد، ودعم السعودية لأخوان اليمن يأتي في سياق الضرورة السياسية والعسكرية الملحة كونهم القوة الوحيدة المؤثرة والمنظمة والكبرى ولم تجد في الشمال غيرهم وإن قامت المملكة بمقاطعتهم فهو انتحار سياسي وسيلجأون للبحث عن بديل من أعدائها أو يرتمون في حضن الحوثيين مضطرين إن لم يجدوا الحليف. وحرب الإمارات للأخوان بالجنوب بتنسيق مع المملكة لكنها تحاول أن تجعل نفسها بعيدة وبريئة كي لا تكون في حرج أمامهم . لكن ، هل الإصلاحيون أغبياء لا يعرفون هذا. هم أذكياء ويعرفون ذلك منذ البداية ولذلك وزعوا الأدوار بينهم وجعلوا فريقا منهم في تركيا يهاجم السعودية ويكشف تنسيقها مع الإمارات وإعطائها الضوء الأخضر لها في كل ماتقوم به. هل كانت الإمارات وراء دعم تأسيس المجلس الإنتقالي أم بدعم وتنسيق بين الدولتين. ولماذا تم دعم تأسيسه ؟ تشكيل المجلس الإنتقالي لم يكن برعاية إماراتية بحتة لكنه بتنسيق مشترك بين الدولتين مع اختفاء السعودية بشكل كلي عن الظهور في دعم تأسيس المجلس ورعايته وترك الأمر للإمارات لتخفي المملكة عن نفسها أي شبهة في ذلك أمام حلفائها في الشمال وبالتالي ستخسر كل الشمال المتمسك بالوحدة وسيقلب جميعهم في وجهها المجن. وفي خضم التوجس والحذر الذي تتشاركه الدولتان بخصوص خطر الأخوان المسلمين في المنطقة لجأت الدولتان إلى فكرة دعم تأسيس المجلس لتوازن القوى أمام جماعة الأخوان وكنوع من الضغط والمقايضة لاحتوائها من الانفراد بالمشهد السياسي والعسكري والتمكن من تثبيت أقدامها في كل جوانب المشهد داخل المناطق المحررة شمالا وجنوبا ، وحاول التحالف بدهاء تسيير الوضع السياسي للأخوان والإنتقالي في حالة شد وجذب. وقد نجحت الدولتان في إبعاد عدن وجاراتها خلال الفترة الماضية عن سيطرة الأخوان وتم تحجيم وتقييد الإنتقالي من التمكن لا سياسيا ولا عسكريا ولا إقتصاديا وجلعوه كحارس مزرعة مؤقتا لئلا تنفش فيها غنم الأخوان المسلمين. وقد تم تأسيس المجلس بإشراف إماراتي وبإيعاز من السعودية صاحبة الأمر والنهي وتم تشكيلة بصورة احترافية ليضمنوا التحكم به منذ ولادته ومستقبلا إذ تم حشر التيار السلفي الوهابي الموالي للمرجعية الدينية الوهابية السعودية داخلة بقوة وجعله صاحب النفوذ الأبرز والتعامل المباشر والكلي مع هذا التيار من قبل التحالف في كل مقومات المجلس وقواته العسكرية سياسيا وماليا وعسكريا ، واختيار الدولتين لهذه الجماعة كونها مناهظة لجماعة الأخوان بشدة وليست ذات توجه سياسي أو تشبث بالإنفصال وإن سمعنا منها ذلك فهو موقف وقتي عفوي يأتي في سياق النكاية بجماعة الأخوان وسيغيرون مواقفهم لاحقا عند الحل النهائي الذي يرتضيه التحالف وتخف فيه قبضة الأخوان على المشهد. كما عملت الدولتان على حشر قيادات مؤتمرية داخل الكيان الأعلى للمجلس ليست ذات ولاء للقضية الجنوبية ، وفضلا عن ذلك يتجلى الفشل الذريع للإنتقالي في كل الصور وهو في حقيقته إفشال ممنهج من قبل الدولتين بحيث يضمنان تفكيكة عند انتهاء مهمتة، فلم يستطع توحيد قواته تحت قيادة واحدة وتنسيق عملها وتأمين مصادرتموينها ومرتباتها وكذا إشراف التحالف رأسا وبقصد سيء على فرض قيادات عسكرية مراهقة لا خبرة لديها وإبعاد الكفاءات العسكريةليتم للتحالف مبتغاة من هذا العبث طيلة سنوات . إن كانت الإمارات على خلاف مع السعودية في في الشأن الجنوبي ولديها أهداف خاصة فلماذا خرجت بعد سنوات من الدعم والتجييش ولديها الحاضنة الشعبية والعسكرية الكثيرة ؟ ولماذا تترك أهدافها قبل تحقيقها بعد سنوات من الجهد والإنفاق الضخم؟ إن كانت تعمل طيلة أربع سنوات بعيدا عن السعودية ورغما عنها فما الذي جعلها تخرج وتسلم كل شيء للمملكة وهي تسير بعكس أهدافها؟ لا يستسيغ العقل السياسي هظم تلك الترهات الغبية التي تتصور خلافا بين الحليفتين إنطلاقا من قراءة سطحية للمشهد الهزلي المتناوب بينهما. إن سلمنا جدلا بوجود الخلاف فبإمكان الإمارات تحويل الدعم المالي لدفع رواتب الحزام الأمني وغيرها وبصورة سرية دون علم السعودية ليستمر حليفها الإنتقالي وقواته في تحقيق الهدف الذي تصورنا أن الإمارات تطمح إليه. إن كان هدف الإمارات فصل الجنوب فلماذا بنت الأحزمة والنخب بشكل مناطقي وأختارت قياداتها من معدومي الخبرة العسكرية وجعلت كل هذه القوات مقسمة إلى آلآف الفصايل وكل فصيل يتبع فلان وعلان دون أن تنشئ حتى غرفة عمليات مشتركة بينها طيلة أربع سنوات ولم تؤمن لها التموين الثابت والمستمر بل حتى وجبات الغذاء ظلت تتحكم بها وكل وجبة بوقتها ؟ لماذا سمحت الإمارات بدخول قوات الشرعية إلى شبوة وهي من كانت تدعم النخبة هناك ولم تحرك الإمارات ساكنا عند دخول الشرعية إلى شبوة وأبين ؟ وصلت قوات الشرعية إلى شقرة وزنجبار ولا زالت إلى يومنا في شقرة ولم تطلع أي طلعة لطيران الإمارات إلا حين تجاوزت القوات دوفس متوجهة إلى عدن حيث يقع معسكر التحالف وقد أعلنت الإمارات رسميا أن غاراتها عليهم هي دفاع عن قوات التحالف بعدن. لم يكن تصرف الإمارات فرديا ومستقلا عن قرار المملكة في كل ماحدث سابقا ومؤخرا لكنه منسق، وكان قرار السماح بدخول الشرعية إلى شبوة وأبين هو قرار الدولتين بعد تطعيم الشرعية بكوادر وتيارات لا تنتمي لجماعة الأخوان فضلا عن كثير من القيادات العسكرية والوحدات التي لا تنتمي للأخوان عمل التحالف على تهيئتها في شبوة وأبين وأشار إليها بالإنظمام إلى وحدات الشرعية لتمييع قوة الأخوان في الفترة المقبلة وإذابتها، خصوصا أن قوات النخب والأحزمة التى أشار التحالف إليها بالإنظمام الى قوات الشرعية لا تنتمي إلى جماعة الأخوان. ويبدو أن التحالف لم يسمح لقوات الشرعية بدخول عدن تحاشيا لأي صدامات دامية ستدوم ويصعب إيقافها كون معظم القوات الجنوبية في عدن تنتمي إلى مناطق المثلث ذات الزخم الانفصالي. النتيجة والاستخلاص: 1- السعودية هي قائدة التحالف وصاحبة اليد الطولى في رسم مجريات الأمور وطريقة تنفيذها وما دول التحالف الخليجية المشاركة معها إلا جنودا تابعين وتوزع الأدوار بينهم بالتشاور والتنسيق وفق ما يخدم أهدافهم المشتركة وهي من أرسلت الإمارات إلى الجنوب ورسمت لها خط السير وتم خروجها من الجنوب وفق ما يرسمانه خلف الكواليس. 2- ليست السعودية مع الأخوان ولا الإمارات مع الإنتقالي ، وهما يوزعان الأدوار لضرورة مرحلية ملحة. وإن كانت المملكة تحارب الأخوان في دول بعيدة فلن تدعمهم للتمكن في بلد على مرمى حجر من حدودها ،وما نرأه مؤخرا من دعمها لهم باتجاه الجنوب هو بعد أن قامت مع الإمارات بزج قيادات مؤتمرية ومن توجهات أخرى داخل الحكومة ولملمة حزب المؤتمر تحت قيادة هادي ومشاركة جميع الأطراف لاحقا وفق اتفاق الرياض ويكون الأخوان كباقي الأطراف في الحكومة . 3- خروج الإمارات وترك حليفها الإنتقالي وقواته بلا دعم ولا سند هو بالتنسيق بين الدولتين لجعله وقواته يخضعان للأمر الواقع لتسهل فرقعته وإيصاله إلى حالة اليأس والركوع ويضطر للحاق بركب الأقلمة ودمج القوات الموالية له ضمن القوات الحكومية دمجا شاملا . 4- سيتم تنفيذ اتفاق الرياض بعد تحجيم الإنتقالي وتقليم أظافره بقطع الدعم تدريجيا عن القوات الموالية له وشراء ولاء قيادات الأحزمة بالمال والتلويح للمتعنتين منهم بقطع الأموال المغرية التي يتلقونها من التحالف فضلا عن التيار السلفي الوهابي المسيطر على قرار الإنتقالي ومقوماته والذي حشره التحالف داخل المجلس استعدادا لتسهيل حرف مسار المجلس مستقبلا . 5- سيقوم التحالف والشرعية بدعم مكونات الحراك الأخرى وأظهارها في الشارع لسحب البساط عن الإنتقالي وابتزازه ليقبل بأبسط المكاسب السياسية كشريك في الحكومة ببعض الحقائب الوزارية كأي حزب سياسي آخر.