مبيعات قياسية للسيارات في الصين بدعم من الحوافز الحكومية    2300 شخص ضحية التغير المناخي في أوروبا خلال 10 أيام    ديمبيلي أمام فرصة لتتويج موسم استثنائي يقوده للكرة الذهبية    ماذا نتوقع من مؤتمر صيف 2025 لهواتف "غالاكسي"؟    الرئيس العليمي يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية بالمهرة ويوجه بتعزيز حضور الدولة    حارس ميسي يوقع عقدا ب15 مليون دولار لمواجهة لوغان بول    إنريكي يستقر على توليفة باريس لقهر الريال    علماء يحلون لغز جمجمة "الطفل الغريب"    خبير: البشرية على وشك إنتاج دم صناعي    هل للصوص الأراضي علاقة باشعال الحرائق في محمية الحسوة (صور)    تشيلسي يتخطى فلومينينسي ويتأهل إلى نهائي كأس العالم للأندية    استنكار واسع لاختطاف الشيخ الزايدي بالمهرة    هآرتس: وقف العدوان على غزة هو الحل الأفضل لتجنب صواريخ اليمن    العلاج بالحجامة.. ما بين العلم والطب والدين    سلطة حضرموت ترد على نائب البركان.. رجال الدولة لا يستقون معلوماتهم من الإشاعات    جنوبية حضرموت قبل الاستقلال في30 نوفمبر1967 (3 وثائق)    ضابط استخبارات بريطاني سابق يكشف صناعة الغرب ل"داعش"    لحج.. النيابة تُصدر قرارًا بعدم إقامة دعوى ضد الصحفية هند العمودي    7 يوليو: اجتياح لا وحدة.. وطمس لا شراكة    هم شهود زور على انهيار وطن    السقلدي يكشف عن القوى التي تسيطر على المهرة واسباب الحضور الباهت للانتقالي    تغاريد حرة .. سيحدث ولو بعد حين    (دليل السراة) توثيق جديد للفن والأدب اليمني    صنعاء .. الاعلام الحربي ينشر تسجيل مرئي للسفينة "ماجيك سير" من الاستهداف إلى الغرق    ولادة على خط النار    لندوة علمية بعدن حول (حوكمة الجامعات)    اختتام ورشة تدريبية حول السند القانوني لاستعادة الدولة الجنوبية بالعاصمة عدن    تظاهرات في مدينة تعز تطالب برحيل المرتزقة ..    تصل لخلل الجهاز العصبي.. أخطار الشاشات الرقمية على نمو الأطفال    أضرار السهر وتأثيره على الصحة الجسدية والنفسية    التعرفة بالريال السعودي.. كهرباء المخا من منحة إماراتية إلى مشروع استثماري    مايضير أوينفع الشاة بعد ذبحها    تدشين العمل بمشروع طريق اللصيب – خدير البريهي في ماوية    ذمار تحصد 17مركزا ضمن أوائل الجمهورية    الزهري يترأس اجتماعًا للجان المجتمعية بخور مكسرالزهري يترأس اجتماعًا للجان المجتمعية بخور مكسر ويؤكد على تعزيز دورها الخدمي والتنموي ويؤكد على تعزيز دورها الخدمي والتنموي    استقرار أسعار الذهب عالميا مع تزايد القلق من الرسوم الجمركية الأمريكية    انباء عن تعرض سفينة تجارية ثانية لهجوم في البحر الاحمر    - وفاة عميد المخترعين اليمنيين المهندس محمد العفيفي صاحب الأوتوكيو ومخترع ال 31 ابتكارا    الرصاص يتفقد سير العملية التعليمية والتربوية في البيضاء    مونديال الأندية.. فيفا يلغي مباراة المركز الثالث    اكتشاف مدينة مفقودة في بيرو عاصرت حضارات مصر القديمة وبلاد الرافدين    شرطة تعز تمهل الجهات المختصة 24 ساعة لحل أزمة مياه الشرب وتؤكد أنها لن تقف عاجزة    الهلال السعودي يتعاقد مع اللاعبة الفرنسية حمراوي    أمم أوروبا سيدات.. إسبانيا تكتسح بلجيكا بسداسية    النجدة بصنعاء تستعيد 41 سيارة مسروقة    الخبير المعالج الصلوي: الطب الشعبي مكملاً للطب العام ، في عدة مجالات    الفصل الخامس    بعد ليزا نيلسون.. فنان فرنسي يتهم مها الصغير ب"سرقة" لوحاته    صنعاء .. التأمينات الاجتماعية تعلن صرف مرتبات المتقاعدين وتستعد للانتقال للمحفظة الإلكترونية    تحسن ملحوظ في خدمة الكهرباء بعدن عقب وصول شحنة وقود إسعافية    مدرب الناشئين:سنتيح الفرصة لاستكشاف المواهب على امتداد خارطة الوطن    الإعلام الأمني: تسجيل 23 حالة انتحار خلال يونيو ومأرب وتعز تتصدران القائمة    مصر.. اكتشاف مقابر أثرية تحمل زخارف مدهشة في أسوان تعود للعصرين اليوناني والروماني    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    لا يحق لإمام المسجد رفض أمر ولي أمر المسلمين بعزله من الامامة    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم إغلاق المساجد لأجل كورونا
نشر في عدن الغد يوم 29 - 03 - 2020


أختصر الكلام في نقاط:
1-يمنع حامل المرض المعدي من دخول المساجد؛ لئلا يؤذي المسلمين، ففي الصحيحين " لايورد ممرض على مصح"، وفي مسلم :" من أكل ثوما، أو بصلا، فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا"، وقد بين الشرع الحنيف مناط هذا المنع بقوله: "فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم". فعممت العلةُ الحكم على كل أذية يتأذى بها المصلي، ولم يقتصر الحكم على أكل الثوم والبصل فقط، وعليه فحامل هذا الفيروس الفتاك يصلي في بيته، ولا يأتي المساجد؛ تحرزا من انتقال مرضه لغيره.
2-ذكر الفقهاء أعذارا لترك الجمعة والجماعة، ومنها المرض، والخوف مما يؤذيه في طريقه الخ، وعليه فالخائف من انتقال مرض كورونا إليه له العذر في التخلف، فهو بمنزلة الخائف مما يؤذيه، وقد جاء في الحديث "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، وكذا بمنزلة المريض والقاعدة الشرعية تقول: "ينزل المتوقع منزلة الواقع"، فهو متوقع الإصابة، فينزل منزلة المصاب، فله التخلف عن الجمعة والجماعة، بناء على ما ذكره أهل الطب من سرعة انتقال هذا المرض.
3-بالنسبة لإغلاق المساجد لأجل محاصرة الفيروس، وسلامة النفوس البشرية من الهلاك.
نجمل القول في الآتي:
أ‌- الفقيه متعبد في فتواه على ما وقر في قلبه بعد النظر في المستندات الشرعية، دون الخضوع لضغوط المجتمع، أو غيره ، فالنظر الفقهي عبادة، مرتب على ما غلب في ظن الفقيه بعد سيره الصحيح على الخريطة الفقهية.
ب‌- يجب دراسة الموضوع دراسة جيدة، ومعرفة مرتبته في الشرع، وأين وضعه الشرع؟ ثم النظر إلى العوارض التي تعتري هذا الموضوع، وقيمتها في ميزان الشرع، وهل هي مؤثرة في حكمه أم لا؟ إذ تنزيله دون مرتبته التي جعلها له الشرع، أو رفعه عن مرتبته، أو تفخيم العوارض، أو تهوينها، كل ذلك من الحكم بغير ما أنزل الله، فليعط كل ذي حق حقه ومكانته.
والموضوع المبحوث عن حكمه هنا، هو رمز من رموز الإيمان، ومعلم من معالم الدين، وشعيرة من شعائره، يؤدى فيه الركن الثاني من أركان الإسلام، ويرفع فيه ذكر الله ليلا ونهارا، وفيه تجمع المؤمنين، إلى غير ذلك من المقاصد والحكم.
وقد أمر الله بتشييدها، ورفع ذكره فيها، ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)، وخصها بعمارتها الحسية والمعنوية من قبل أولي الإيمان، وبين أنه لا أحد أظلم ممن منع ذكر الله في بيوته، وسعى في خرابها، فقد قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
بل أمرنا شرعنا الحنيف بقتال من ترك أداء صلاة الجماعة، أو رفع الأذان، حتى تعاد هاتان الشعيرتان إلى وضعهما الشرعي.
إذا تبين معرفة وضع هذا الموضوع في الشرع، ينتقل الفقيه للنظر في العوارض التي تعتريه، وهل هي مؤثرة في الحكم أم لا؟
ولابد من دراسة صفات هذا العارض، وهي وجود الضرر الذي يحصل باجتماع الناس في المساجد، وما مرتبة هذا الضرر، وهل هو واقع أم متوهم؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي يحتاجها الفقيه لمعرفة قوة أو ضعف هذا العارض.
فيتوجه الفقيه لسؤال أهل الخبرة في معرفة حجم هذا المرض وخطورته، ويهتم الفقيه بما يؤثر على الحكم، ويترك مالا يؤثر، وماهي المفاسد المترتبة على إلغائه.
وقد صرح الأطباء بخطورة هذا الداء، وسرعة انتشاره، وأن الاختلاط أحد أسباب انتشاره،وعليه فيصبح المسجد بؤرة من بؤر الانتشار، والشرع الحنيف قد راعى حفظ النفس، وحرم كل ما يدعو إلى هلاكها، وكذا أمر الشرع برفع الداء بعد حدوثه، والوقاية منه قبل حدوثه، لأجل بقاء هذه النفس.
والمحافظة على النفس أصل عظيم، وكلية من الكليات التي راعاها الشرع.
هنا يقف الفقيه مع أصل عظيم يواجه صلاة الناس في المساجد، وبالتالي يجب عليه أن يستخدم ميزان الشرع ليضع كل أصل في موضعه الصحيح.
لكن لا يبادر لإغلاق المسجد؛ لأجل هذا الأصل المعارض، دون التدرج في إيجاد الحلول الشرعية.
إذ المطلوب من الفقيه أن يقدر الضرورة التي تبيح له منع الناس من صلاة الجماعة بقدرها ، وهنا سيبحث عن طرق تبقي الشعيرة، مع المحافظة على النفس، ويخرج من التعارض، وإلا لجأ لإغلاق المسجد حفاظا على النفس، غير أنه لا يجوز له أن ينتقل لهذا الحكم وهو يجد حلا بل حلولا قبل الوصول لهذا الحكم، لأن الضرورة تقدر بقدرها، فهنا يستصحب الفقيه المعاصر خطورة إغلاق المسجد، ويبحث عن حل يدفع به هذا العارض، ويناقش الأطباء في السؤال عن الطرق التي تجنب انتقال العدوى إذا صلى المصلي في المسجد، وكذا يراعي التزام الناس بهذا الحل، فإن تحقق له ذلك وقف عند هذا ومنع الإغلاق، وإلا لو قيل له مثلا : مع كثرة المساجد يتعذر التزام المصلين بالوقاية، فهنا سينتقل لأن يفتي بفتح مسجد واحد في كل حي يتحقق به قيام الشعيرة، وهو ما لا يكون فيه ضرر على البعيد من الصلاة فيه -كما نص على ذلك علماء الشافعية- وهنا يطلب من السلطات أن يخصوا قلة من الناس ولو ثلاثة، أو إثنين بأداء صلاة الجماعة لأجل قيام هذه الشعيرة، وبهذا يجمع بين الأصلين.
هذا مثال لإيجاد الحلول التي لا تسقط الشعيرة مع دفع الضرر، وبسؤال أهل الخبرة سيفتح لك الكثير من الحلول، أما التعلل بأن حق النفس مقدم على المسجد، فهو عندما تغلق الأبواب أمام الفقيه، ولا مفر من الترجيح بين الأمرين فنعم ! أما وهو يجد الحلول الكثيرة لمراعاة العارض مع بقاء الشعيرة فلا يجوز له الانتقال، وليحذر الفقيه من تهويل النفس للعوارض، أو الدليل، ونفخه أو العكس، بل يمشي متجردا سالكا المسلك الشرعي للوصول للحكم الشرعي.
د‌- المشهور في مذهب الشافعية القنوت لرفع الوباء، ومنه الطاعون لأنه؛ "من النوازل العظام لما فيه من موت غالب المسلمين وتعطل كثير من معايشهم، وشهادة من مات به لا تمنع كونه نازلة، كما أنا نقنت عند نازلة العدو وإن حصلت الشهادة لمن قتل منه، وعدم نقله عن السلف لا يلزم منه عدم الوقوع وعلى تسليمه فيحتمل أنهم تركوه إيثارا لطلب الشهادة، ثم قال: بل يسن لمن لم ينزل بهم الدعاء لمن نزل بهم، ويستحب مراجعة الإمام الأعظم أو نائبه بالنسبة للجوامع فإن أمر به وجب، ويسن الجهر به" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (1/ 508).
ه‌- الحكم على النازلة يختلف من بلاد لأخرى، ومن البلاء الذي عم اليوم بين طلاب العلم نقل فتوى لها ظروفها وأرضيتها وحيثياتها إلى بلاد أخرى تختلف تماما عن الأولى، وبيئة اليمن قد لاتحقق المناط الذي يعتمد عليه الفقيه في منع المصلين من صلاة الجماعة في المسجد؛ وذلك لوجود الاختلاط خارج المسجد، والبلاد بلاد حرب، وكل طائفة تحشد من قواتها، ومناصريها، والمواطن اليمني يصارع الجوع فيضطر للخروج والاختلاط، معتقدا أن العلاج أشد من الداء. وهنا يصير إغلاق المساجد عبثا؛ لأنه لم يحقق شيئا، إذ من مراعاة المنع تحقق الأثر، وإلا صار العارض في حيز العدم.
فيبقى الدور على الأئمة والخطباء في توعية الناس، وأن لهم أن يصلوا في بيوتهم، ويتخذوا الإجراءات اللازمة للوقاية من هذا الداء؛ فخطباء المساجد هم القنوات المصدقة عند عامة الناس في بلاد اليمن، وهم من أقوى الوسائل التي تتكئ عليها السلطات في التوعية.
و‌- ولي الأمر لايرفع الخلاف في أمور العبادات، بل الواجب على ولي الأمر الرجوع لأهل العلم في هذه المسائل ويقرر ما أقروه ، فشرع الله لا باباوية فيه، قال ابن تيمية: "وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة: فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك، إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواء وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم. نعم الولاية قد تمكنه من قول حق ونشر علم قد كان يعجز عنه بدونها، وباب القدرة والعجز غير باب الاستحقاق وعدمه. نعم للحاكم إثبات ما قاله زيد أو عمرو ثم بعد ذلك إن كان ذلك القول مختصا به كان مما يحكم فيه الحكام" مجموع الفتاوى (3/ 240).
وعند الشافعية لو لم يؤذن الحاكم بصلاة الجمعة في بلد، فليصلوا دون الرجوع لإذنه إلا أن يكون ذلك في صورة المشاقة وخرق أبهة الولاية وإظهار العناد والمخالفة فتمنع إقامتها بغير أذنه.
وكذا لو قرر ولي الأمر فتح جمعة في البلد ولا حاجة لذلك فإن الجمعة باطلة.
فكلام ولي الأمر معروض على شرع ربنا فما وافق حكم الله فعلى العين والرأس، وما خالفه فلا طاعة ولا سمع، بل ينصح ولي الأمر بالتي هي أحسن ويوجه، فإن أبى إلا إغلاق المساجد، فهنا على المسلم ألا يحدث فتنة ولا شغبا وليعلم أنه مكره، ويسلم الأمر لله سبحانه وتعالى، مع النصح المتكرر للجهات المختصة.
وليفرق هنا بين الأمر بإغلاق المسجد بالإكراه، وبين القول بأن إغلاق المساجد مشروع، وليفرق أيضا بين طاعة ولي الأمر في لزوم المنزل لأجل الوقاية، وبين أن يأمر بإغلاق المساجد بدون مسوغ شرعي، فهذا شيء وماسبق شيء آخر فلا خلط بين القضيتين.
دفع الله البلاء عن المسلمين في بلادنا وجميع بلاد المسلمين، وسدد الله ولاة أمورنا لما يحب ويرضى والله ولي ذلك والقادر عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.