******* يمتلك العراق كل مقومات النهوض الحضاري الشامل ، ولا تتوفر هذه المقومات مجتمعة إلا نادرا لبلد ما .فالعراق سليل حضارة بلاد الرافدين التي أخرجت للإنسانية الأبجدية الأولى للكتابة ، وباطن أرضه يحتوي على بحيرة نفط ضخمة، جعلته في الصفوف الأولى لدول الإنتاج ، ويجريان على (أرض السواد)نهري دجلة والفرات يحملان معهما الخير والخصب. هذه الأرض الطيبة دفعت أثمانا باهضة خرابا ودماء في مراحل عديدة من تاريخها القديم والحديث. كان سقوط بغداد يوما حزينا ومأساويا ، وكان هذا السقوط هو الحادي عشر في تأريخ هذه المدينة المنكوبة الصابرة ، التي نالها الكثير من أذى الطغاة والمتجبرين، وفي زحمة الأحداث التي أعقبت سقوط المدينة وكثرة التحليلات والتصريحات والإختلافات هنا وهناك ،تحدثت بعض المواقع الإعلامية اليمنية الغير رسمية على إستحياء عن كلمة للدكتور عبد الكريم الإرياني وزير الخارجية اليمني الأسبق قال فيها (أن سقوط بغداد أسوأ من قيام دولة إسرائيل )على العرب ومرت هذه الكلمة في زحمة الأحداث دون تأخذ نصيبها من التدقيق والتمحيص والتحليل. لكن كل الأحداث التي عاشتها المنطقة في العقد الأخير أثبتت أن الدكتور الإرياني رحمة الله لم يكن يمارس التنجيم والتنبؤ وضرب الودع ، لقد كان يقراء الواقع ويستشرف المستقبل القريب المنظور بعين خبيرة وعقل داهية ... في كل الأحوال كان سقوط بغداد متوقعا والقضية قضية وقت في ظل الظروف الصعبة والحروب وغلطة غزو الكويت التي أصابت النظام في مقتل والحصار التي أنهكت الشعب والجيش وإنحسار التأييد الشعبي إلى الحضيض في ظل حكم العائلة والمنطقة الذي بداء واضحا ولا يحتاج إلى دليل إلا إذا أحتاجت الشمس في رابعة النهار دليل. ..كان السقوط متوقعا لكن سرعة سقوط بغداد كانت المفاجأة الغير سارة. .. بعد سقوط بغداد تحت الإحتلال علق الكثير من المتفائلين داخل العراق وخارجه آمالا على نهوض العراق وإنتهاجه للطريق الديمقراطي والرخاء الإقتصادي والإجتماعي ، أما بريمر (الحاكم الامريكي)للعراق فقد كانت إحدى شطحاتة بأن العراق سيكون قريبا نموذجا يحتذى به في المنطقة ! لكن هذا التفاؤل لم يستمر طويلا ، فبعد سنوات قليلة جدا من السقوط ، سقط العراق في مستنقع إقتتال داخلي طائفي ، سياسي ومقاومة وإرهاب وأختلط الحابل بالنابل ، وشهدت العراق أبشع المجازر الطائفية والحروب الداخلية ربما فاقت مافعله التتار الهمج ببغداد دار السلام ودار العلم والحضارة حينذاك. ..في هذه الأجواء السائدة أنكفئ العرب وتخلوا عن العراق وظلوا يراقبون المشهد من وراء الحدود، وفشل المحتل الأمريكي في ضبط هذة الأوضاع وانفرط عقد المسبحة العراقية ....ودفع الأمريكي ثمنا باهضا لإحتلالة العراق ، وتدخلت إيران ورمت بكل أوراقها الثقيلة في العراق ، وأنتهى الصراع الخفي لصالح إيران بعد أن لعبت ب (الكرت )الطائفي الرابح في وجة الاحتلال الأمريكي ...كانت كل الأحداث بعد سقوط بغداد تسير وفقا لرغبات النظام الإيراني فقد تولى الكثير من المعارضين العراقيين في طهران دفة الحكم في بغداد والكثير منهم يحمل أيضا الجنسية الإيرانية والراتب الشهري من طهران وبعضهم شارك في الحرب الإيرانية ضد العراق. .. بمعنى آخر صار العراق يسير في الفلك الإيراني رغما عن أنف أمريكا وسلبية العرب وخنوعهم. ..كان العراق هو بوابة العرب الشرقية بحق وحقيقة ، هذه البوابة التي حملت دول الخليج العربي قاطبة من نزق وطيش نظام الملالي الساع للهيمنة وفرض النفوذ بالقوة ، وقد كانت العلاقات الإيرانية -الإسرائيلية أثناء الحرب مع العراق وبعدها علاقة سرية ووثيقة ، وقد كشف وزير الخارجية البريطاني الأسبق قبل بضعة أسابيع في حديث لل BBC عن دور إيران المهم في تقديم كافة المعلومات حول مفاعل تموز العراقي النووي الذي تم تدميرة لاحقا من قبل سلاح الجو الإسرائيلي ، وفضيحة إيران -جيت التي يعرفها الجميع .... اليوم وبعد 17 عاما من سقوط بغداد ...البوابة سقطت عواصم عربية ولا زال الحبل على الجرار وقائمة السقوط ستستمر طالما بقي الوضع في هذا الحال ... إيران تمتلك مشروع إستراتيجي للهيمنة على المنطقة وتعمل بصمت ودهاء وإنتهاز الفرص للإنقضاض على الفريسة العربية ! لاشك أن أكثرنا سوداوية وتطيرا ، لم يكن يدر بخلده حين سقطت بغداد أن صنعاء ستسقط أيضا في الفلك الإيراني. .. مستحيل !!! لكننا يمكن أن نستثني الدكتور الإرياني رحمة الله فقد كان زرقاء يمامة سياسية من طراز فريد. ... أخيرا سقطت بوابة العرب الشرقية وسقط معها أمن العرب وبعض دولهم والقائمة لازالت طويلة. .. لقد دخل العرب منذ ذلك اليوم عصر السقوط. ...