يظل المرء مناضلاً طيباً، مخلصاً للقضية وللحلم كثيراً، يثق بهواجس النضال الأولى، يفترش ساحات الكفاح مع المساكين، ويطوف ميادين الحرية مع الجماهير المتعبة ويهتف معهم الهتافات لتحقيق أحلام الشعوب العادلة، والمتمثلة بدولة نقية يسودها النظام والعدالة والكفاءة. وما بين لحظة وأخرى تبزغ له ليلة قدر محملة بمنصب ما، فتلوث حياته وتحيله إلى كومةٍ من طينٍ وماء لا تبصرُ غير قدميها..! قيادة انتقالي الضالع أنموذج لهذا التهجين النضالي المشوَّه، لطالما حاول المرء غض طرفه عما يحدث في منظومة المحافظة، فلن يصمد طويلاً أمام هذا العبث الإداري الفاضح الذي يطال قواعدها الإدارية، وتعريتها بدون أدنى لغة مهذبة، إذْ لا يوجد لغة أنيقة في حضرة من يحاول منهجة مؤسسات الدولة وتحويلها إلى بيروقراطية لا تتجاوز حظيرة المقربين..! كل ليلة يا مهدي تفوح من مكتبك روائح العار، كل نهار والفضيحة تطول وتعبث بسمعتك في أذهان الناس، لقد أصبحت إلى اليوم لعنةٍ متكاملة، لعنة كبيرة تتضخم في المحافظة وتتجول عارية بلا خجل. هل ما زلت تملك القدرة على الإحساس بالخجل وتجيب على استفسار بسيط، هل منحك جدك ذات يوم وصية أخبرك فيها بأن انتقالي الضالع ميراث خاص به وتركة من نصيب الأقارب، هل عثرت على وثيقة في خزانة أبيك توصيك بذلك..؟ ما من تفسير لذلك سوى أنك تعتقد أن أملاك الأجداد قد عادت إليك، لتسارع الحاشية البراغماتية في أخذ نصيبها بكل ثقة منك، كما لو أنك ثملاً وتمضي على تعيينات جاهزة قرب الفجر ولا تأبه كثيراً كيف تواجه شمس الفضيحة عند النهار، فتساهم في تنمية هذه السقاية الملوثة والفضيحة السائلة في المحافظة..! هذه المدينة التي تقبض على جراحاتها كل يوم، وتُفرغ مليشيا الحوثي عليها أسوء لعنات التأريخ، فتحتشد لتواجههم بكل عنفوان وكبرياء، رغم مرارة الوجع الذي تدفعه ضريبة هذا الصمود الفولاذي المعهود، إلا أنها خُذلتْ من قبل القائمين على إدارتها، ووقفت عارية في مواجهة أبسط خدمة مشروعة للمواطن، فلم تنجح الإدارة الذاتية للمحافظة في تنظيم عمل المحجر الصحي لمواجهة الوباء، رغم توافر الجهود المجتمعية لدعم المحجر مالياً، إلا أنها تذهب إلى يد جماعات لديها ارتباطات موثوقة بجماعة الإصلاح دون أي خدمة تُذكر، فعلى الرغم من افتراق الخلفية الأيدلوجية بين قيادة الإدارة الذاتية وبين إدارة المحجر الصحي في المحافظة، إلا أن المصالح والقرابة هنا عابرة للإيدلوجيا، وتشكل منطلقاً لهذا التجانس الواضح بينهما على المدى البعيد..! لن ننام وهذه الفئة تعبث بنا وبالوظيفة العامة بهذا الشكل المهين لكرامة البلاد ومستقبلها، لن نتركهم لحظةً واحدة، ولسوف نهاجمهم حتى نضع حداً لهذه المهزلة، أو نموت ويبقى حلمنا نقي بلا دنس أو إهانة، فثمة أكتاف كثيرة نظيفة، ستصعد عليها أحلامنا، ولسوف تعبر سفينتا يوماً ونعانق حلمنا في وضح النهار، هذا ليس أملاً خادعاً، بل تلك حتمية التأريخ لا مفر منها مهما طال السفر وتباعد الشاطئ عن عيون الحالمين.