كان من الواضح جدا ان تجليات الواقع الجديد في الجنوب قد وجدت لها طريقا نحو رسمنة إطارها سياسيا وتحولها الى وقائع على الارض يصعب تجاوزها وبخاصة عقب الاعلان عن تحرير مناطق ومدن الجنوب ودحر قوى الانقلاب عنها قبل خمسة أعوام تقريبا. لكن في الحقيقة لايمكن الإنكار بتاتا هنا ان التوقيع على اتفاق الرياض قد ساهم بشكل كبير في صناعة مشهد التحول السياسي ذاك وهذا أمر يحسب لقيادة المجلس الانتقالي التي فضلت يومها الذهاب نحو خيار المعترك السياسي والخروج بإتفاق شراكة سياسية بدلا من خوض غمار المواجهة مع رغبة وأجندات التحالف حال تبنت قيادات المجلس خيار فرض سلطة الامر الواقع عقب مواجهات اغسطس العام الماضي . تجدر الإشارة ان متوالية الإرهاصات والتجليات المتصلة بواقع جديد يتم الأعداد له جنوبا قد بدأت فعليا قبل توقيع اتفاق الرياض بكثير بما يوحي أن الإتفاق بحد ذاته لم يكن سوى منعطفا سياسيا آخر يقود الى بوابة واقع سياسي أكبر منه . لاجدل بأن ذلك التطور قد أزعج كثيرين هذا ان لم يكن حقا قد شكل نقطة الخلاف الحقيقية التي أستعصت امام تطبيق الاتفاق عمليا واضحت اليوم بالفعل تمثل جوهر الصراع الحالي بين اطرافه الموقعة . نقطة الخلاف تلك وكما يبدو انها جاءت حقا بمثابة المنعرج السياسي الخطير الذي شعرت أمامه قيادات شرعية متشددة بخطورة الموقف والمسار الدبلوماسي الذي تجسده بنود ذلك الاتفاق حال إنفاذه وانعكاسات ذلك على منظومة مصالحها في الجنوب . ولذا كانت الحاجة مآسة فعلا بالنسبة لهم في بذل كل الجهود والمحاولات الهادفة الى عرقلة وإفشال إتفاق الرياض . عدا ان خيار التلويح بإمكانية لجؤ تلك القيادات نحو قوى إقليمية بديلة ومحاولة إستخدام فزاعة التدخل التركي في مواجهة سياسات التحالف والكيفية التي لم ترقها كما يبدو في أدارة السعودية للصراع اليمني عامة وليس في الجنوب فحسب كان بالفعل خيارا سيئا كلف الكثير . فالملف اليمني المحصن بتفويض أممي كامل والمؤطر حصرا بلجنة رباعية قوية تضم محورا إقليميا ودوليا بكل ثقله السياسي والإقتصادي وحتى العسكري قد لاتبدو ملعبا جيدا وخيارا حكيما امام القيادة التركية كما هي الحال في الملف السوري مثلا؛ وهو ما قد يكون فعلا أحد الاسباب الرئيسية وراء قلة التفاعل التركي تجاه الازمة اليمنية وشحة التصريحات القادمة من حكومة تركيا حول الاوضاع في اليمن مقارنة باهتمامها وتعاطيها الكبير والفاعل في ملفات اخرى منها ليبيا . من هنا ربما جاء كل ذلك الصراخ والنحيب الذي بتنا نسمعه اليوم من أفواه ورموز شرعية معروفة وخاصة عقب التطورات الأخيرة في سقطرى ومعها عودة نبرة الإستجداء بقيادة التحالف أملا بتدارك ما يمكن تداركه بعد سلسلة طويلة من الاخطاء والمواقف المتلونة التي جسدها عدد من قيادات الشرعية وشخوصها الغوغائية طيلة الفترة الماضية في مشهد ملحمي لايمكن وصفه عنوانه بأقل من كارثة " الحسابات الخاطئة والرهانات الخاسرة " والتي لا تعدو كونها مراهقات سياسية أفضت تراكماتها إجمالا الى الحال البائسة التي تعيشها الشرعية اليوم . وبطبيعة الحال اظنه ليس ثمة من وسيلة أخرى متبقية قد تساعد في توقف ذلك العويل والضجيج الذي باتت تعج به قنوات الشرعية اليوم وكذا لملمة ولو بعضا من تبعات افتقارها للقراءة السياسية الحصيفة في تحليل المشهد الماثل امامها فضلا عن تبعات إنكماش حضورها السياسي في الداخل والخارج سوى تجديد طلبها الإسراع بتنفيذ إتفاق الرياض وإعلان تخليها كلية عن اي مواقف قد لاتتفق مع توجهات ورغبة المملكة.