وتلك حكايةٌ أخرى ، يرويها ( الطفل ) وديع : نصلُ إلى عدن ، وبالنسبة لنا نحن ( البدو ) فعدن حلم رائع وجميل . ثلاثة أشهر كنتُ أقضيها في عدن ، هي أشهر الإجازة الصيفية . بالرغم من تغُيّر الجو وكمية العرق والرطوبة تبقى تلك الأشهر الثلاثة هي أسعد أشهر السنة . أشد ما انحفر في ذاكرتي كان صوت الغربان ، وتحليق الطائرات . كنت أقضي الثلاثة الأشهر في خور مكسر ، قريباً من المطار ، وكان أكثر مايميزها في ذلك الوقت هو الحركة الكثيفة للطيران . تخيلوا طفل بدوي ينتقل إلى عدن ويسكن بجانب المطار ! . كنت أخرج من البيت كلما سمعت الطائرة ، أتباعها ببصري وأشير لها بيدي إشارة وداع . كانت خور مكسر رمز من رموز النظام كونها الموقع الرسمي لسفارات العالم ، هنا السفارة الكويتية ، وهناك الفلسطينية ، والكوبية ، .... ألخ . كانت الخور عالم صغير في حد ذاتها . أتدرون ما الذي تغيّر في عدن ؟! . أكثر شيء تغير هو ( الزحمة ) . كنتُ أطوف بين الشوارع في حي السفارات صباحاً لساعة أو ساعتين دون أن ألتقي بأحد ! . لا زحمة ولا ضوضاء ولا إزعاج عدا صوت الغربان . وهذا أشد ماكان يفرحني . لطالما كنتُ منطوً ، لا أحب الإختلاط بأحد ، ولا أحب الزحمة ، ولازلت كذلك . يبدو أننا نكتسب أشياء من مرحلة الطفولة لا نستطيع أن نتجاوزها أو نغيرها مهما حاولنا ومهما كبرنا . ساحل أبين ، وفندق عدن ، وسينما ريجل ، وروعة المباني المدرسية ، وساحة العروض ، والشابات ، والعمائر الخشب ، وقبل ذلك ( الروتي العدني ) المميز في الطعم والشكل ، كل تلك الأشياء كان لها سطوة وحضور على ذلك الطفل البدوي . كنت أراها عالم من الخيال والدهشة والمتعة . حكايات عدن حكايات متنوعة وممتعة صوت الغربان فيها هو العامل المشترك . ... #غربان_يانظيرة