كالعادة .. جُلُّ من يكتب سيقول أن بدايته كانت محض تعبيرٍ عن حزنٍ لم يستطع البوح به جهرة .. لذا اختار قلما وبعض الأوراق لتؤنس سره .. وشيئا فشيئا غزاه الخيال بعد غرقه ببحر القراءة والكتب .. فعاش آلاف القصص والشخصيات .. والآن .. صارت روحه ناضجةً بما يكفي لتصف أحزانها بكل جرأة .. لكن الكتابة ي صديقي لا تفي بالغرض .. تُهَّيج الكتابةُ الأحزانَ وتُنكئ الجروح .. أن تكتب حزنك يعني أن تبقيه إلى الأبد .. أن تخلده في الذاكرة راسما إياه على الجدران .. والحزن ي صديقي شبيهٌ بعمَّال البناء .. يبني الحواجز بينك وبين المحيط .. أو ربما محيطٌ دمعيٌّ يمنع جزيرتك من احتضان قارة ..! ونحن ..! نحن عباد الله لا جدال .. لكنَّا لا نملك الصبر الجميل .. مُذ غادرنا أيوب ونحن نبكيه حتى خالط القبح صبرنا ..! والكتابة بامتداد الأعوام لم تشفِ جرحا .. مازالت الكتابة كما كانت في بدايتها .. تعبيرٌ محضٌ عن شعور يعجز الوصف عنه .. وأرواحنا مازالت غضة الأغصان .. ترنو لما يصف جرحها دون أن يُلهِبَه .. نرى الكتابة ملجأً وهي الجحيم .. كل من اختار أن يخلِّد حزنه بأدب اللغة .. بعثر أحرفا لا يعلم عدها .. لا يعرف عنها سوى نزيفٍ يتجدد .. هذي الكتابة فخ .. لا تصدق كاتباً يخبرك بأنها الراحة .. كل حرفٍ كُتِبَ كان له ألمه .. وذاك الذي كتب حزنه ومضى في الموت .. ترك خناجرا تدمي من يقرأ حرفه .. وهأنذا .. أكتب لك لأصف حزني كما أريد لك أن تراه .. لكن إياك أن تحمله على عاتقك كي لا تتمزق .. وإن جاراك الحزن فابكِ حتى يأتيك السلام .. لكن إياك وكتابة الحزن .. ي صديقي .. هذي يدي انظر لها جيدا .. كم جرحا ترى إثر هذي الخناجر .. جميلة هي يديك بهذه الألوان .. لا تمزقها بوجع الكتابة ..!