الحمدلله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وهكذا تتوالى الأحزان وتزداد الخسائر وترتفع فاتورة المأساة الشخصية والإنسانية لمدينة عدن ولي شخصياً ، وهذه تراتبية الحياة ورحلتها الأزلية منذ ان خلق الله الأرض الى ان يرثها وسيل الأجيال تتوالى قدوماً ورحيلاً والفرق ان بعض الأفواج تتقدم وأخرى تتأخر ، وهي آجال محددة من عند الله سبحانه وتعالى ، ولكل أجل كتاب. البارحة أمست عدن بدون صديقي العزيز / عبدالله محمد علي العديني "أبا أيمن" ، الذي توارى تحت تربتها الطاهرة ، عدن ودعت الاعلامي الجميل / العديني الذي صال وجال بقلمه الرشيق طيلة أربعة عقود ونيف وكان ميدانه الناعم صحف ومجلات ونشرات يمنية و عدنية عديدة منها 22 مايو ، الأيام ، الطريق ، الثورة ، 14أكتوبر ، الثوري ، الميثاق ، الأمناء ، الجمهورية ، رسالة جامعة عدن ، الوطن العربي 00000الخ.
وعلى امتداد هذا الزمن الطويل وقلم صديقي العديني رحمة الله عليه لم يتوقف عن الكتابة في التحليل والعرض والنقد والغوص في جل الاحداث التي مرت بها بلادنا ، واستمر قلمه النشط وعقله المتقد وأفكاره النيرة في إثارة اهم الموضوعات و القضايا بشجاعة وموضوعية وحكمه الى قبيل أسابيع حينما أستسلم جسمه المنهك المريض الى ان قابل ربه يوم الثلاثاء بتاريخ / 22/12/2015م 0 ولا زالت مكتبات و أرشيف عدن و بالذات الصحف والمجلات اليمنية تزخر بإسمه شاهداً على بصماته الطاهرة بحروف من نور ، ومدادٍ من صبر وعزم ، وموضوعاته سُطرت من فكر وعلمٍ و أخلاق حميدة ساميه 0 بدأ صديقي حياته المهنية كمعلمٍ في نهاية الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي من جبال ووديان م/ شبوه في قرى مثل قوبان ورفض والمصينعه وأمضى فيها ما يربو على أربعة أعوام وانتقل الى قُرى محاذية لمدينة لودر وأمضى فيها قرابة ثلاثة أعوام وأكتسب مهارة العيش الصعب في ريف وطننا الحبيب وكسب علاقات وصداقات كبيرة وواسعة مع الأهالي والشخصيات من هذه المحافظات ظلت ترافقه الى آخر يوم في حياته 0 إنتقل بعدها الى مدينة عدن ، مدينته التي ولد وتربى وشب في حوافيها وأزقتها ليواصل مهنته كمعلماً في مدرسة قرية المصعبين بضاحية دار سعد و الشيخ عثمان وألمنصوره و في هذا الأثناء كان له نشاطه الحزبي السياسي النشط ضمن حزب الطليعة الشعبية ( حزب البعث ) ووصل الى مرتبة تنظيمية عالية نسبياً أي عضو بمجلس محافظة عدن وهو موقع محترم في نشاط حزب بدء بالعمل السري لفترة لا باس بها ومن هنا تعلم في مدرستها السرية والكتابة والجدية والصبر والتوثيق الدقيق 0 انتقل لاحقاً للعمل في صحيفة 14 أكتوبر كمحرر وكاتب و كلف بعد ذلك كمسؤول إداري فيها و من هذا الموقع الإعلامي الهام جداً آنذاك تطور في الكتابة والتحليل والعرض وكانت له إسهامات صحفية عديدة 0 زارني الفقيدالسفير / عبدالوكيل إسماعيل السروري في منتصف صيف 1994م الى مكتبي في مدينة الشعب ، وزيارات صديقي السروري لا تنقطع ولكنها هذه المرة كانت بمعية الفقيد/ عبدالله العديني الذي كلفه بمتابعة انشطتي و أخباري العملية ومنذ ذلك الحين والى آخر أيامه وهو يقوم بهذه المهمة بإقتدار وهمة عالية وصبر عظيم 0
لم يمت صديقي عبدالله رحمة الله عليه الا بعد ان حقق إنجازات هامة في حياته ، ولم يودع هذه الدنيا الفانية الا وهو راضٍ عن ما أنجزه ، وكان يردد مقولته المشهورة لا أريد ان أموت الا والقلم بيدي وأساهم في النقاشات والحوارات في ظل هذا الزخم من تناقل المعلومات و الأفكار عبر كل وسائط التواصل الاجتماعي 0
لكن ماذا أنجز صديقي عبدالله في حياته ؟؟؟ أولاً : ترك تراثاً تربوياً جميلاً سيتذكره طلابه وزملائه ومحبيه لردحٍ طويلٍ من الزمان 0 ثانياً : كتب مقالاتٍ سياسية وحزبية عميقه وغطت كتاباته طيف واسع من الصحف والمجلات وفي مجالات متعددة ستبقى شاهدة على ديناميكية الرجل في حياته ؛ الخط يبقى زماناً بعد كاتبه *** وكاتب الخط تحت الترب مدفون ثالثاً : جمع ووثق العديد من الوثائق والصحف والمجلات اليمنية والعربية لمكتبة وذاكرة جامعة عدن وكلياتها وهذا عمل لا يقوم به الا إنسان مدرك بوعي عالي لأهمية التوثيق في المؤسسات الاكاديمية للأجيال القادمة . رابعاً : اسمه لم يغب عن كل كتاب او منشور له علاقة بالتوثيق إذ جمع كتب المراثي لزملائه ومحبيه على مدى السنوات الماضية وكان شديد الحرص على جمع وتوثيق أعمالهم ومواقفهم و صورهم فقد كان المساهم الأساس في جمع مقالات ومواد كُتب شهداء الحرف و الفكر كالمرشدي و أحمد صالح منصر و السروري و المسرج و محمد ناجي و لعسم واحمد بن أحمد قاسم و شكري و عبدُه نعمان والصائلي والعديد من شخصيات ووجاهات عدن الكرام 0 خامساً : أسس أُسرة عدنية عُدينية يمنية مثقفة ومحترمة وربى ابنائه على قيم الخير والفضيلة وعَلم أبنائه جميعاً في الجامعات الى ان بلغوا مراتب علمية عليا 0 سادساً : كان شجاعاً و جريئاً في مواقفه بل انه يجاهر بالدفاع عن أصدقائه وأتذكر انه اتصل بي في اثناء هذه الأزمة والحرب وقال لي / لقد سائني وأحزنني ماقرأت وماكُتب من أكاذيب و دعايات موجة ضدك و لذلك كتبت مقال لأبين للناس حجم المغالطة والتدليس الذي مورس إعلامياً ضدك كأنسان وكمسؤول ، وقبل ان يسترسل حاولت إقناعه بعدم جدوى الكتابة في زمن وضروف الحرب لأسباب نفسية سيكلوجية وحتى أخلاقية ، لكنه أصر وقال تحسبني مثل بعض أصحابك وعيال عمك الخائفين والصامتين صمت القبور ، و كتب مقالته الموسومة ( بسبعة أدلة في بن حبتور ) وكان لها صداها الإيجابي في مسار الأحداث . سابعاً : لقد جمع معظم أعمالي كالمحاضرات والكتابات والحوارات والأبحاث لفترة تقارب 21 عام ونيف ، عدى توثيق أخبار الانشطة والفعاليات وغيرها في عمل مستقل عن السابق ، إذ كان شديد الحرص على تتبع أي مصدر يرد لي فيه موضوع مهما صغر او كبر وجمعها ووثقها وتابع طباعتها وظهرت في سلسلة أجزاء وأسماها " المنظور " ، وكان يتواصل مع المكلفين بالإعداد والطباعة حتى قبيل وفاته بأسابيع وهذا العمل يحمل اسمه الشريف على أغلفة الكتب كلها وعلى كل جزء من أجزائه المتعددة ولعله أراد الخلود من باب التوثيق كأهم عمل في نشاطه الذهني والفكري المتعدد جعله الله في ميزان حساناته 0 صديقي العديني رحمة الله عليه كان يردد مقولة شهيرة أنني قريب من الله لان أعمالي وسلوكي تفيد الناس ولا أضر بها أحدٍ من عِباده وسبحان الله العظيم ودع الحياة الفانية الى الحياة السرمدية في أيام مباركة على البشرية كلها المتزامنة مع مولدي النبيين الطاهرين ، النبي / محمد بن عبداللاه (ص) و النبي / عيسى ابن مريم عليه السلام 0 نحن نرثي الإنسان كأنسان ونحزن عليه ، فكيف حينما يكون هذا الإنسان الذي نرثيه انسان مثقف ومحترم و مفيد جداً كصديقي الغالي / عبدالله محمد علي العديني ابا أيمن رحمة الله عليه واسكنه فسيح جنانه وتغمده بواسع رحمته والهم كل محبيه وأهله بالصبر والسلوان وأنا لله وأنا اليه راجعون.
والله من وراء القصد
أ0د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور رئيس جامعة عدن – محافظ عدن الأسبق عدن في 23/12/2015م