«الأيام» الصحيفة التي طال غيابها, وكثيرون جداً ينتظرونها على أحر من الجمر, يتشممون حبرها, يلمسون جسدها كالفاتنة.. هناك علاقة أزلية بين الإنسان والكلمة, بينه والحبر, وحين نزل جبريل عليه السلام على محمد ب (اقرأ) فلم يكن ذلك عبثاً. لقد كانت البداية بالكلمة والنهاية ستكون مع الكلمة , فكيف يستقيم الحال حين تقتل الكلمة, أنت تقتل الحياة بإنسانها وشجرها وجمالها, وتسكت من حيث لا تعلم موسيقى الوجود, الكلمة أداة المعرفة ومبرر الوجود, والكلمة روح تدوم حياة الإنسان بها وتنتهي بانتهائها. وانظر فحين وعى الإنسان ما حوله بدأ يشخبط على الجدران حتى وصل إلى اللغة التي هي أداة التواصل والتفاهم, وتدوين التاريخ الذي هو سير الآخرين الذين مروا فسجلوا مراحل حياتهم على الجدران أو على ورق البردي أو على الجلود المجففة. كيف يستطيع شعب ما أن يحيا دون جريدة؟, هل يستطيع أن يدوم دون لغة؟, لا يمكن لا هذه ولا تلك, كيف لنا أن نعيش وجريدة بين ظهرانينا كتب لها التوقف, لكنها لن تموت ذلك سر حياة الكلمة, فحين أخطأ الاشتراكي وبداعي التأميم فأوقف الصحف بداعي "أن لا صوت يعلو فوق صوت صحف الحزب" ذهبت دولته وبقيت "الأيام" لم يستطع أن يوقف تدفق سر الحياة الصحف, فعادت (الأيام) ,(وفي زمن وفي يمن)على طريقة صاحبي حسن عبدالوارث لم يعد هناك إمكان أن تعيد عيون الناس وأقلامهم وصحفهم إلى الجراب, فقد شع شعاع الكلمة. ومن ذا الذي يستطيع أن يحجب ضوء الشمس الذي هو حقيقة السماء, كما هي الصحف حقيقة الأرض.. "الأيام" الصحيفة حين تتوقف لأي سبب كان فأنت كمن يحكم على شعب بالموت, فكثيرون, كثيرون, كل صباح يستنشقون, نسيم البحر من عدن من خلال "الأيام" هل نعاقبهم لأنهم يقرأونها؟ هل نعتقلهم لأنهم يذهبون صباحاً إلى الأكشاك يسألون عنها. تلك علاقة لا أنا ولا أنت صغناها أو منحناها للأيام, بل هو السر الأزلي بين الإنسان والكلمة, بينه وبين الورق من لحظة أن تشممت أنف الإنسان رائحة الحبر عليه. ولن أنسى أحمد عبدالعزيز البنا - رحمه الله - وقد مات مظلوماً, الذي كلما مازحته ونحن في ليالي الدكاكين بشارع القيادة ولايزال يخرج صفحات «الثورة» بالحروف اليدوية: يا عم أحمد لم أشم يوماً أي عطر عليك؟! يضحك: يا ابني (عرف) الرصاص أجمل من كل العطور, وذاك الشاب محمد عبدالله، صهير الأستاذ عبدالباري طاهر كانت علاقته بالبروفات التي يسحبها بصعوبة وتعب كل ليلة, كنت لا تراه يبتسم إلا حين يحمل البروفة اليدوية يذهب بها إلى المصحح, تحس أنه يستنشق عبير الحرية من الحبر والورق, أما القراءة فكيف لن يقرأ وهو قريب بيت العلم بيت الأهدل في تهامة بحر العلم. "الأيام" الصحيفة ليس بالضرورة أن نكون راضين عن خطها مثلاً, عما تنشره, كنت أنا شخصياً من مآخذي عليها – بتواضع – اختصار البلاد كلها في عدن؛ بينما عدن جمعت اليمن فيها, تمنيت على انتشارها أن تغطي البلد المظلوم كله, البلد الذي نخره الفساد من صعدة إلى المهرة, إلى جانب ملاحظات مهنية. لكن لو خيروني بين أن يغلقوها أو يعدموني, فسأضحي بنفسي في سبيل أن يظل علم الكلمة مرفوعاً, سواء رفعته (الأيام) أم أي صحيفة محترمة أخرى, الآن برغم كل المبررات لابد لابد لابد ل"الأيام" أن تعود, ذلك قدر لا مفر منه، هل تستطيع أن تلغي خليج عدن مثلاً؟!. لا يمكن وكذلك (الأيام) التي يقرأها كثيرون، وقد ارتبطت بحياتهم وآبائهم، وهذه البلاد جنوبها بالتحديد وليس عيباً أنها تنحاز في حبها لعدن, فعدن بداية الحلم ومنتهاه, وفي الأخير والأول هي ملجأ اليمنيين دون استثناء، وهي من ربتهم واحتضنتهم. فيا حكومة الوفاق, ويا صديقي وزير الإعلام: أعيدوا للناس أيامهم, وإن كانت هناك قضايا أمام المحاكم دبّرت للناشر؛ فما دخل الجريدة التي ننتظر عودتها بفارغ الصبر... - عبدالرحمن خبارة: لم أعرف أنه تركنا ورحل, ذلك الصديق العزيز من عرفته وعايشته في موسكو لبعض الوقت وظللت أقرأه في (الأيام) وانقطعت أخباره عني بتوقف الصحيفة, رحم الله خبارة الإنسان الجميل. - حاتم أبوحاتم: المناضل الكبير يرقد في مستشفى العلوم والتكنولوجيا, تمنوا له معي الشفاء, فالبلد بحاجة إلى أمثاله. [email protected]