كنت برفقة تسعة أوغاد في رحلة شاقة، أنا العاشر ، ركبنا سيارة رديئة”خردة” قاصدين مدينة تعيش الموسم ولا ترى الحصاد، في الطريق مررنا بريف تعافى بعد حرب وأخر مازال يعاني الحرب ذاتها، أضعنا الطريق ولم ندرك ، الحرب طمست وجه المدينة الضاحك، ففي مدخل السوق طفلة تتسول المارة ، وشاب ثلاثيني يرفع شهادته الجامعية ويقول: “لا تصدقوا بأن هذه كل شيء ، وبعد دمعة ، يحرقها “، بجانب عمود الكهرباء المائل عجوز تبكي بختها الأعوج، الصحف هنا لا تقرأ ، فقط يستخدمونها لتغليف المأكولات، هنا أيضا ، صبية تتهندم أمام عاكس سيارة ما، المهم أننا تجاوزنا السوق بعد مشقة ولعنات كثيرة، كأعمى دون صديق، ومع كل خطوة يقوده شخص ما ولكنه لم يصل بعد حيث غايته، قبل المدينة بدمعة ومآسي كثيرة وجولة للجوعى ، نفذ الوقود وتوقفت الخردة، اللعنة، لقد اقترح السائق الكسول خطة لعينة لتكليف من يأتي “القرعة ” بالعودة للسوق وشراء الوقود، أظنني الوحيد الذي لا يرغب في هذه الخطة ، أنا دوما انتصر بشرف ، المرواغة لا تناسبني إطلاقا، ولأنني هكذا ، كنت القرعة ، بلا حس وصلت محطة ما ، وبعجل حاولت تجاوز الطابور اللعين، الكل هنا خائف من الأخر، الطمأنينة تسكن أول الطابور فقط ، فجأة ، سمعت دوي انفجار ، قلقت كثيرا وكأن شيئا ما حصل في القرب ، لأول مرة يهزني شعور الخيبة، الهزيمة ،شعور الفقد، حاولت الإتصال بأصدقائي ، كل الهواتف مغلقة، وفي المحاولة الألف رد رجل غريب من تلفون السائق ، اللعنة، كان رجل من الطوارئ ، أخبرني بعزاء بأن تسعة أشخاص فتك بهم الحظ (استشهدوا )بقذيفة أخطأت الغاية!!! للأسف الحظ الذي نؤمن به قد يحالفنا بهزيمة أيضا إن لم يكن حليفنا بالنصر طبعا.