على متن الباص المنحدر نحو تهامة نسيت حبيبتي وكل البقية. إذ أنا هنا على باب المدينة في كف الحياة المتمايلة في منتصف الطريق عند نقطة تفتيش العبور تجاوزت أسئلة المراهق بضحكة ماكره، ومسحت جبيني على تراب "زبيد"، رأيت في عيون سكانها حزن "يوسف"، ولسان "هارون"، هناك حيث ولدت الحياة بعقر في حضن أرملة، وتمخضت المجاعه. نعم انني الآن مابين خضم الحرب، وازدحام المارة الموجوعين تحدثني دمعة عجوز بنهدة جارحة إنها دائخة من الجوع، ترثي حال أحفادها المشردين في خيمة، تصف أن أحدهم مصاباً بالتوحد، وآخر معاقاً منذ الصغر، بيدها خبز وماء، و3 كيلو دقيق تقول أنه قوت يوم كامل، نعم قوت يوم كامل، تكبر بهجتها وهي تربط في طرف جلاببها الأسود سبعة ريالات، وبقايا رغيف أماني الحياه. ياللفظاعة.! ففي السوق الآخر في أوجه الباعه في الحراج بكت مهمشة، وقالت أنهُ لاشيء أكبر من حجم اهانتها في ظهيرة ما باحدى الجولات حينما طردها حارسٍ بحجة قتل شهية الزبائن وهي تقف خلف الزجاج تتسول لقمة عيش من احدى المطاعم الشعبية. نعم لاشيء أصدق من دمعها هنا، فهي صفعة وخيبة في آن، قسمات وجهها الشاحب مازالت تحتفظ بأصابع اللعين بين تجاعيد خدها بخطوطٍ حمراء تجسد قبح العالم في لوحة بشرية أحتوت المأساة برمتها. لكنها ليست هي الشتيمة، بل قول طفلة يمزقها البوح بحديثٍ مجروح أنها كادت أن تُودَع السجن من رجل ضخم يرتدي ثياب عسكرية وبندقية بتهمة وضع المتفجرات في ذاك المكان وهي تفتش في سلة القمامة عن بقايا "كُدمة" لإخوانها الجوعى. يا إلهي: على مسافة الطريق والنسوة يفترشن الأرصفة يفلسفن الجراح بموسيقى أكثر ألماً من صور الضحايا الذين سقطوا في معركة البقاء دون عزاء. انني الآن أبصق القات الذي مر بفمي وأبتلع بقاياه، يتشظى الحلم، وأنا أرى العصابة التي تعمل لآليات المادة، واللا مبالاة، بلا وعي لصالح الداعم، ودافع الأُجرة. نعم، من يموت في سبيل الحلم فهو ثوري، ومن مات معُدماً فهو ذات السبيل، ومن لم يمُت فهو مازال عالقاً بقلبه الأمل" سننجو"، وإن كان لاطريق للنجاه. فالعيش لمن أستطاع له سبيلا ، والبقاء لدون الرعية الذين أحترفوا الرقص، وضخّموا العزاء، ونحن مابين اللعنة والأخرى نداري صلعاتنا بالغناء، ونرسل أحلامنا الى قوس قزح، والسماء. كما إنني الآن أيضاً قبل وصولنا إلى المدينة يقول السائق أننا أقتربنا من محطة الباصات في موقفه الأخير، وقبل أن يكمل ونصل أنفجر لغماً، ولسوء الحظ مات الجميع، ونجوتُ أنا، وجدتُ هذه الورقة وكتبتُ القصة.