مات البوعزيزي ,, نعم مات وجسده الآن يواري الثرى بجوار ربه جلا وعلا , لكن هل كل شي انتهى بمجرد دفن البوعزيزي ؟؟ الواقع يخبرنا بان المسألة لم تنتهي بعد .. ليس في تونس فحسب بل ربما في كل ربوع العالم العربي الذي نتمنى أن يشهد خلال الفترة المقبلة تغيرا جذريا ونهاية أبدية للأنظمة العربية الاستبدادية المتسلطة والتي تحكمنا منذ عقود, تلك الأنظمة التي حتما ستسقط على أيدي شعوبها التي بدأت الحياة تعود اليها من جديد. نعم لقد مات البوعزيزي مشعلا النار في جسده لينير الطريق نحو حياة أفضل للملايين من شباب أمته , الذين كانوا يسيرون في طرقا مظلمة ووعرة وموحشة , تلك الطرق التي وضعها و ارتضى بها الحكام العرب,, مات البوعزيزي ليعيد الحياة والكرامة والإنسانية للملايين من أبناء بلده وكل البلاد العربية .. مات البوعزيزي دون أن يشاهد أو يسمع ما حصل من تغير لم يسبق له مثيل في تونس اليوم وفي العالم العربي غدا. مات البوعزيزي وهو يردد لا لحياة الذل والمهانة والفقر فنحن امة أكرمنا وأعزنا الله بالإسلام,,, مات البوعزيزي لكن هيئة مظهره ستبقى أشبة بكابوس وشبحا مفزعا يراود الحكام العرب في منامهم لينغصهم من لذة النوم رغم ما تعانيه شعوبهم ليل نهار .. مات البوعزيزي وهو يقول من الآن لا آنت يا أمريكا ولا أنت يا أوروبا من يختار ويحدد من يحكمنا بل نحن الشعوب ,,, مات البوعزيزي وهو يرسل للحكام العرب رسالة مفادها بان ولائكم للخارج أكثر من الداخل , أي تنفيذكم أجندة ومطالب الخارج "أميركا تحديدا" وعلى حساب مصالح شعوبكم, لن يفيدكم ولن يضمن لكم البقاء أكثر في السلطة, طالما أن شعوبكم متضرعة جوعا ومكتومة أنفاسها ومنتهكه كرامتها ،مات البوعزيزي وهو محذرا الحكام العرب من مغبة الاستمرار في استبداد شعوبها وتجريعها من كاس المر والمهانة . مات البوعزيزي ليقول للعالم أجمع بان شعوب أمتي لم تمت بعد كما يعتقد الغرب ويدعي ذلك ,,, مات البوعزيزي وهو لا يعلم بأنه سيضع حدا فاصلا ونهائي لكل من تجبر وطغى وأذل واحرم شعبه من حق"العيش الكريم" ,, مات البوعزيزي وهو مرددا كفانا عبودية ومهانة وفقرا وتخلف وتهميش,,, مات البوعزيزي ليثبت للعالم بان الحاكم مهما كانت سلطته وبلغت قوته وتوسع ثراءه , فأنة حتما سيسقط ويصبح ذليلا صاغرا على يد الشعب عندما يثور ويغضب ويتفجر مثل حمم البركان التي يصعب إخمادها. مات البوعزيزي ليجيب ب نعم عن سؤال يتبادر في ذهن الملايين من الشباب العربي الذي يسأل هل التغيير قادم ؟ هل يمكن أن نشهد غدا أفضل ؟ هل يمكن أن تتغير تلك الأنظمة العربية " الشائخة والكهله في عمرها " ؟؟,,, مات البوعزيزي ليقول للشباب العربي انه من حقكم أن تكون لكم أحلام سياسية أي بإن تطمحوا بإن تكونوا انتم من يقود البلدان العربية غدا, فكفانا رئاسات مدى الحياة , وكفانا أنظمة جمهورية وملكية وراثية " رجعية متخلفة " كفانا أنظمة تمارس القمع والإرهاب والترويع ضد شعوبها . مات البوعزيزي دون أن يعلم بأنة سيتحول من مجرد شخص بائع خضار إلى رجل التغيير والى بطل قومي ورمزا للحرية والكرامة التي سلبت من أمته العربية على أيدي حكامها التابعين للخارج ,,, مات البوعزيزي ليخبر شعوب الدنيا بان الشعوب العربية لديها من العزة والكرامة ما يكفي لكل البشرية وأنها شعوبا محبة للسلام وتواقة للحرية وساعية نحو التقدم والأزهار,,, مات البوعزيزي ليوقظ الضمير العربي النائم . واختم بالقول باني اشعر بالغصة في نفسي كلما كتبت " مات البوعزيزي " الذي كنت أنا والملايين الذين تمنينا له أن يعيش ليرى ثمار شجاعة ما أقدم عليه, وان حياته لم تذهب سدى ,, أخي وحبيبي البوعزيزي اليوم أنت لم تمت, فروحك الطاهرة لا تزال وستظل تحوم بين الملايين من ابنا أمتك ,, الذين أصبحت في نظرهم شابا بطلا وشجاعا جسورا , شابا محررهم من العبودية والجهل ومنقذهم من الخلاص والموت البطيء على أيدي حكامها الذين جرعوهم كل أصناف العذاب والذل ,, أنت لم تمت فالملايين لا يزالون يتذكرونك ويتباكون عليك ويتمنون رؤيتك احتضانك ليشموا رائحتك الطيبة الطاهرة . الملايين من الشباب العربي لن ينسوك بل ستبقى قدوة صالحة لهم , ليس لشجاعة ما أقدمت عليه,, بل قدوة في عدم قبولك ورضائك بواقعك وواقع الملايين من مثلك واقع الذل والجبروت والمهانة والخزي ,الذي ارتضت به كل الزعامات العربية لشعوبها دون رحمة أو شفقة من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر ,, لقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه كرجل منقذ ومعيد للعزة والكرامة لآمة بطولها وعرضها ,, لقد رحلت لكنك ستبقى خالدا مخلدا في قلوب وعقول الملايين من ابنا أمتك .
وأخيرا فلوا أن كل ما يتمناه الإنسان يتحقق له على الفور , لكانت أمنيتي الوحيدة أن ازور وأتجول في البلدة التي نشأت وترعرعت بها , وان اقبل يد ورأس أمك , تلك الأم الحنونة المنكسرة التي تحملت عناء حملك بين احشائها لتقدمك بعدها رخيصا وفداء للأمة كمخلص لها من القهر والظلم, تلك الأم التي ظهرت أمام الشاشات ودموعها تلك التي لا تتوقف حزنا وحسرة على فقدانك ,, وفخورة بك وعلى ما أقدمت علية , وما جنيته من خير وحرية وسعادة للأمة التونسية والعربية ,, رحمك الله يا حبيبنا وملهمنا و وأخينا محمد البوعزيزي وأسكنك فسيح جناته.