* تبدو صورة المشهد اليمني في قمة تعقيداتها حاليا، ولا يظهر أي تفاؤل أو تباشير لتغيير الوضع في الداخل، فيما لو استمر الوضع على نفس الحال القائم الآن (حكومة شرعية في الخارج، وجيش مترنح في الداخل)..! الذي يعرف اليمن جيدا ويفهم طبيعة الإنسان اليمني، يعلم حتما أن الحل لن يأتي من الخارج مهما كانت المحاولات قوية وجبارة، لأن كل تغيير يأتي من الخارج يعني مضاعفة الخراب، ولن يكون قبوله هينا، وترفضه النفسية العربية بشكل قطعي، ولنا في العراق خير مثال. هذه نقطة لا أظنها بعيدة عن حسابات دول محور التحالف (السعودية-الإمارات) من جهة وحكومة الشرعية المهاجرة من جهة أخرى -وإن كنت متأكدا من معرفة الأخيرة لها حد اليقين-. لذلك نلمس -كمتابعين- قوة أثر معظم التحركات التي تنطلق من الداخل اليمني، وتجد تفاعلا ميدانيا وصدىً جيداً على المستويين المحلي والدولي، بعكس ما يصدر من حكومة الشرعية التي تكتفي بردة الفعل على ما يحدث من تحركات في الداخل، وتكون -عطفا على ذلك- مجبورة في التعامل مع تلك التحركات بمرونة -ليس وقتها في زمن الحرب- لإدراكها أن أرضيتها لا تحتمل أية مغامرات سياسية قاسية... المتأمل للمشهد الداخلي اليمني، سيرى أن هناك ثلاثة رؤوس حاليا، تتبارى على نحو ما للظهور كمخلص ومؤثر، تمثلها، جبهة المقاومة الوطنية في الساحل الغربي (حراس الجمهورية) وتحظى بدعم إماراتي ممتاز، ويقودها العميد طارق صالح، والمجلس الانتقالي الجنوبي ويقوده عيدروس الزبيدي، والجيش الوطني الذي يمثل حكومة الشرعية، والأخير -من وجهة نظري- الأقوى نظريا بحكم تجهيزه العسكري إلا أن النتائج تقول إنه الأضعف على الأرض لعدة عوامل ليس هنا مجال تناولها. لكن المشهد على كثرة الرؤوس يخلو من وجود شخصية القائد الملهم، الذي يستطيع صنع الفارق والزخم الشعبي، وهي أهم نقطة طالما كانت حجر زاوية في كل حروب التاريخ... وأرى أن الأكثر ترشيحا وتأهيلا لتغيير المعادلات العسكرية ميدانيا أو هكذا أظن -إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإنهاء الحرب-، يتمثل في دمج الجبهات التهامية الصغيرة أولا مع المقاومة الوطنية في الساحل الغربي التي يقودها (طارق) الذي يمتلك ثلاث مميزات في الوقت الراهن تتمثل في: - الخبرة العسكرية وكارزما القائد. - القبول الشعبي كخصم ومقاوم للحوثيين. - التواجد داخل اليمن مع قوة عسكرية منظمة. في حال تم استثمار هذه النقاط الثلاث وتقديمها للشارع اليمني بشكل مقنع، سيجتمع كثيرون في الداخل والخارج على قيادته للعمليات العسكرية، وربما ذهب بعيدا لقيادة الجيش الوطني بعد دمج المقاومة الوطنية مع الجيش لتشكيل كماشة ضاغطة على مليشيات الحوثيين من عدة محاور شرقا وغربا وجنوبا، وستكون القيمة أكبر بكثير في حال تم عقد تحالف جيد مع المجلس الانتقالي الجنوبي والتفاهم مع قياداته، وأظن أن إطلاق العنان له بعد التوافق السياسي من قبل دول التحالف وحكومة الشرعية، سيعجل بخنق الحوثيين وتحجيمهم، وفك الحصار عن كثير من المواقع التي تسيطر عليها مليشياتهم، ويغير من ميزان القوى بالتأكيد. العميد طارق هو الشخصية الأكثر وضوحا في المشهد العسكري اليمني الداخلي حاليا، حيث تخلو اللوحة من إسم قائد عسكري يمكن الإشارة إليه بالبنان، ويحتل في وجدان اليمنيين بعدا نفسيا قديما، فهل ينجح في إقناع الحلفاء؟ *صحفي وكاتب رأي يمني مشرف قسم الرأي سابقا بصحيفة الوطن السعودية