غاز شرق المتوسط.. التهديد القادم لأمن الطاقة العالمي
هناك بوادر لنشؤ صراع جديد اخر متفجر في الشرق الأوسط يرتبط بالموارد النفطية والغازية المكتشفة حديثا في شرق البحر الابيض المتوسط (مصر وإسرائيل ولبنانوسورياوقبرص- اليونان). تجليات هذا الصراع بدأت تظهر بين عامي 2007- 2008مع تلك المعلومات المؤكدة لتوافر احتياطيات كبيرة من الهيدروكربونات في الجرف البحري في شرق البحر المتوسط . أكثر المناطق الواعدة والمستكشفة تقع على امتداد سواحل بلاد الشام بمساحة تقدر ب 83 ألف متر مربع.، ويقع جزء منها في اليابسة والجزء الاخر في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر وإسرائيل وفلسطين ولبنانوسوريا. التوقعات اشارت الى ان احتياطيات النفط في أعماق المنطقة المكتشفة يصل إلى 1.7 مليار برميل نفط، فيما بلغ احتياطي الغاز حوالي 3.5 تريليون متر مكعب. في عام 2009، قبالة ساحل إسرائيل تم اكتشاف حقل تمار باحتياطيات تقدر ب 280 مليار متر مكعب، ثم حقل ليفاثان 620 مليار متر مكعب.، تبعه في عام 2011 اكتشاف أول حقل كبير للغاز (حقل أفروديت) في الجهة المقابلة للساحل السوري في الجرف القبرصي باحتياطات تقدر بنحو 200 مليار متر مكعب. وفي عام 2015 تمكنت مصر هي الأخرى من اكتشاف أحد أكبر حقولها في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها " حقل ظهر " باحتياطات تصل الى - 850 مليار متر مكعب بمشاركة شركات Eni و BPو شركة النفط الروسية "Rosneft". هذه الاكتشافات الضخمة والغير متوقعة دفعت شركات الطاقة العالمية الامريكية والاوربية للتنافس للحصول على جزء من الموارد المكتشفة في إطار توجه استراتيجي لكسر احتكار روسيا وهيمنتها على سوق الغاز الأوربي القريب من الاحواض المكتشفة واضعاف تأثير موسكو بصورة تدريجية في أسواق كبار مستهلكي الغاز الطبيعي في جنوب اوربا (إيطالياوفرنسا وإسبانيا) ومنافسة امدادات خطوطها الاخرى في الشمال الأوربي التي تمد المانيا بحوالي 75. %من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. تقوم الشركات الامريكية مثل إكسون موبيل ونوبل للطاقة بالاستثمار في الحقول المكتشفة (شركة نوبل للطاقة، مستثمر رئيس مع إسرائيل في حقل ليفياثان). وتستثمر هذه الشركات على قدم المساواة مع شركة توتال الفرنسيةTotal وENI الايطالية بالقرب من جزيرة كريت اليونانية في نطاق احتياطات ضخمة من الغاز تتراوح ما بين 170 و230 مليار متر مكعب. هذا التعاون المشترك لتحالف الشركات اثار حفيظة الاتراك واضاف توتر جديد في العلاقات اليونانية التركية المتوترة تقليديًا. هناك احتمال كبير لصدام مسلح بين تركيا والدول المتشاطئة مع مناطق الاكتشافات في شرق المتوسط (قبرص واليونان ومصر) حيث تسعى تركيا للحصول على جزء من الموارد المكتشفة من خلال إعادة ترسيم خارطة شرق المتوسط بفرض سياسة الامر الواقع واعتمادها ممر مائي يوسع منطقتها الاقتصادية وصولا الى الساحل الليبي في تعارض شديد مع جيرانها ورفض اوربي - امريكي لخطواتها الانفرادية. (تدعي تركيا أن حدودها البحرية تتقاطع في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص وتشمل بعض حقول الغاز فيها، وتتقاطع على امتداد المنطقة الاقتصادية لمصر في حقل "ظهر" وهو ما ترفضه مصر، كما ان الاتفاقية الموقعة مؤخرا مع ليبيا تقطع المياه الإقليمية لليونان وقبرص وتلقي بظلال من الشك على مطالبات هاتين الدولتين بأي حقول غاز في مناطقهما الاقتصادية.). هناك مخاوف جدية بانزلاق البلدين (تركيا واليونان) في حرب حول قبرص في إعادة لسيناريو الحرب المفتوحة بينهما عام 1974، ولكن هذه المر ة بانخراط أكثر من طرف فيها. في صيف عام 1974، أثناء الأزمة السياسية في اليونان، غزت الوحدات العسكرية التركية جزيرة قبرص وسيطرت على جزء كبير من أراضيها وتم إعلان الجمهورية التركية لشمال قبرص (TRNC)، التي لم يعترف بها سوى أنقرة. اكتشاف الغاز في مياه المنطقة الحصرية بقبرص، وتوقيع اتفاقيات بشأن ترسيم الحدود البحرية بشأنها مع إسرائيل ومصر، اثار انزعاج انقرة التي اعتبرت تلك الاتفاقات غير قانونية وتضر بمصالح سكان جمهورية قبرص التركية" جمهورية شمال قبرص". سيما بعد ان تمكنت كل من مصر وقبرص واليونان من ترسيم مناطق النفوذ الاقتصادي بين كل منها في عام 2013. وايجاد القاعدة التشريعية والقانونية للمشروعات المقامة في المنطقة والتي اسهمت في جذب الاستثمار الأجنبي واكتشاف حقل "ظهر" المصري عام 2015. الرفض التركي للاتفاقات الموقعة بين الدول الثلاث تم التعبير عنه بإبرام اتفاق مع حكومة السراج في ليبيا وتعطيل عمليات الاستثمار في المناطق المتنازع عنها. وتتلقى انقرة في خطواتها هذه دعم ضمني من "روسيا" التي تجتهد في حماية مصالحها الاقتصادية في هذه المنطقة الواقعة بالقرب من أسواق كبار مستهلكي الغاز الروسي. موسكو تسعى من خلال دعمها لتركيا للتموضع أيضا في ليبيا للاستثمار في قطاع النفط الليبي واقتطاع جزء من موارد ليبيا لصالح شركاتها (احتياطي ليبيا يبلغ 48 مليار برميل نفط/ مؤكد)، وتحاول في مساعيها السياسية احتواء الجنرال المتقاعد حفتر في صراعه مع تركيا ومع حكومة السراج وخلق توازن لمصالحها مع الطرفين وتامين حضورها في شرق المتوسط كلاعب أساسي. وتتبع موسكو سياسة "برغماتية" مع جميع الأطراف في المنطقة. فهي تتوافق مع تركيا في بعض جوانب ملف غاز شرق المتوسط وتهتم كثيرا بتحويل تركيا الى مركز عبور للغاز الروسي الى اوربا من البوابة الجنوبية وكذا تتوافق معها في بعض جوانب الملف السوري، الا انها لا تميل للموقف التركي كثيرا تجاه الصراع في ليبيا وتجاه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ومواقفه من حكومة السراج الحليف الاستراتيجي لتركيا. الموقف الروسي في الملف الليبي يستند في حقيقته على ابعاد اقتصادية وجيوسياسية تسعى موسكو لتحقيقها كورقة ضغط إضافية تستخدمها في وجه الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوربي لتسوية ملفات أخرى خاصة أهمها الملف الاوكراني و ما ترتب عنه من فرض عقوبات على روسيا و ملف أنبوب الغاز لشمال اوربا "نورد2- " الذي ينقل الغاز الروسي عبر بحر البلطيق صوب العمق الأوربي وتحديدا صوب السوق الألمانية، بالإضافة الى سعيها وقف توسع عمليات حلف الناتو تجاه حدودها الشرقية. الصراع في ليبيا من المنظور الاستراتيجي يسمح لروسيا بإعادة التموضع بالقرب من الخاصرة الجنوبية لأروبا لحماية مصالحها الاقتصادية هناك وايجاد توازن جيو- استراتيجي مع حلف الناتو يقيد تحركاته من خاصرته الجنوبية صوب حدودها الشرقية والاهتمام بحماية مصالحها الاقتصادية المرتبطة بمد شبكات نقل الغاز الروسي الى القارة الاوربية ومراقبة تلك المشاريع التي تهدد سطوتها على أسواق الغاز جنوب اوربا " إيطاليا- فرنسا و اسبانيا الى حد - ما"، إضافة الى ذلك ، فان هذا التموضع يساعدها على التغلغل جنوبا صوب العمق الافريقي الغني بالموارد لتأمين حصص لشركاتها من ثروات القارة الافريقية بما في ذلك ثروات ليبيا - من منظور المنافسة والصراع الجيوسياسي والجيو- اقتصادي مع الغرب في القارة السمراء. وعموما.. يمكن القول بان هناك تماهي في سياسات موسكو وانقره في هذا الملف بغض النظر عن نتائج التطورات المتسارعة في ليبيا وهناك شبه توافق على تقاسم النفوذ والمصالح الاستراتيجية بينهما في المنطقة في إطار توجهات بعيدة المدى اخذت تتبلور في إطار المحور الأورو -أسوي الصاعد الذي تتبناه روسيا الاتحادية وتجتهد الصين لتكون قاطرته الاقتصادية الرئيسية. سياسات تركيا في شرق المتوسط أصبحت تحاكي الى حد كبير سياسات إيران في المنطقة بتبنيها تصدير الفوضى والسعي للحصول على موطئ قدم في مناطق الثروات ومناطق العبور الاستراتيجية عنوة. ففشل تركيا في الحصول على عضوية الاتحاد الأوربي على مدى سنوات عديده وعدم مقدرة الرئيس الحالي رجب طيب اردوجان على احداث أي اختراق حقيقي في جدار الصمت الأوربي تجاه طلب انقره المتكرر الحصول على عضوية النادي الأوربي. دفع بتركيا للتوجه "شرقا" لتعويض خسارتها للحاضنة الأوربية. ووفقا لهذا التوجه يعمل حزب العدالة والتنمية التركي ذات الميول الاسلامية جاهدا على إعادة صياغة استراتيجية تركيا في المنطقة بتبني فكرة إعادة احياء مشروع الخلافة العثمانية الإسلامية وإعادة شعوب المشرق العربي وصولا الى الشعوب التركستانية في اسيا الوسطى وبعض أجزاء شرق اسيا الى الحاضنة العثمانية الجديدة وهو المشروع الذي اضمحل في عشرينيات القرن الماضي باتفاقيات "سان ريمو" 1920 و "لوزان" 1923م بعد هزيمة احفاد ارطغرل في الحرب العالمية الاولى. فتركيا المعاصرة مازالت تدغدغها مشاعر العودة والحنين الى مناطق نفوذها في المشرق العربي الغنية بالموارد والتي حرمت منها بعد اتفاقية "لوزان" وتقسيم ولاياتها العثمانية وتوزيعها بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى في إطار ما أصبح يعرف تاريخيا بتوزيع تركة الرجل "المريض". التوجه الجديد لتركيا يركز على احياء واستعادة الدور التركي على الخارطة الجيوسياسية العالمية وتعزيز مكانتها الجيو استراتيجية كبلد يربط الشرق بالغرب وتوظيف موقعها كنقطة عبور استراتيجي لموارد الطاقة تستطيع من خلاله التحكم بإمدادات الطاقة للسوق الأوربي من البوابة الجنوبية، وبالتالي احداث تأثير على الموقف الأوربي في كثير من القضايا التي "تزعج انقره". بهذا الصدد نجح الاتراك في استعادة علاقاتهم التاريخية بدول الفضاء السوفيتي السابق في اسيا الوسطى والقوقاز وهي جميعها دول غنية بموارد الطاقة التي يتدفق جزء منها عبر الانابيب الى تركيا ومنها الى اوربا وابرام اتفاقيات شراكة استراتيجية معها على طريق احياء رابطة الشعوب الناطقة بالتركية التي تضم كل الشعوب التركمانية في اسيا الوسطى والقوقاز وصولا الى شعوب حوض الفولجا كتتار والبشكير في العمق الروسي والايجور في المقاطعة الغربية للصين.. كذلك في إطار استراتيجية التوجه "شرقا" تحاول تركيا بناء "جيوب لجند الخلافة "في أكثر من بلد إسلامي لتمرير مشروعها التوسعي ونشر ثقافة " التتريك " بفتح محطات التلفزة ونشر المؤسسات التعليمية و الاكاديمية و مراكز البحوث والمواقع الإعلامية للترويج للنموذج التركي كنموذج إسلامي متفرد ينبغي الاخذ به بحيث ينصهر" الكل " في بوتقته واستغلالها ل"العاطفة الدينية" لدى عموم المسلمين السنة وتطويعها لصالح المشروع السياسي الذي يسعى له حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة الرئيس رجب طيب اردوجان. في الإطار ذاته تعمل تركيا على توسيع نطاق المجال الحيوي الاقتصادي لها برا وبحرا في حوض المتوسط. هناك تأكيدات اشارت الى ان من أسباب التدخل العسكري التركي في سوريا عام 2012م كان رغبة انقرة في الوصول إلى مياه المنطقة الاقتصادية الخاصة بسوريا لاستثمار الاحتياطات الكبيرة للغاز هناك. فأنقرة تعتبر شرق البحر المتوسط منطقة نفوذها وتعلن دوما عن استعدادها لحماية مصالحها فيه بكل السبل بما في ذلك استخدام التدابير العسكرية. السلوك التركي في شرق المتوسط يلقى معارضة شديدة من جانب مصر التي ترى ان ممارسات تركيا تتعارض مع مصالح مصر القومية في شرق المتوسط وترى مصر في حقول الغاز المكتشفة عنصر استراتيجي لأمنها القومي وسيادتها الوطنية. لذلك، في مقابل التصريحات التركية تصرح القاهرة دوما بان مصر هي الأخرى على أهبة الاستعداد للدفاع عن مصالحها في البحر الأبيض المتوسط بكل السبل الممكنة. وهذا ما أكد عليه في أوائل فبراير 2018 المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية الذي أكد ان جمهورية مصر العربية ستعمل على " إيقاف أي محاولة لانتهاك أو تقييد حقوق مصر في هذا المجال". وتبع هذا التأكيد بأيام قليلة قيام مصر بمناورات بحرية ضخمة في استعراض للقوة، سيما وان هناك أجواء عدائية تسود العلاقات بين الزعماء السياسيين في قيادة البلدين. وفي إطار هذا المسار تعمل مصر على احتواء التطلعات التركية في ليبيا وفي المنطقة الاقتصادية في شرق المتوسط من خلال دعم قوات المشير حفتر في مواجهاته مع حكومة السراج وتعزيز تفاهماتها مع اليونان وقبرص وإسرائيل. الاهتمام بالاكتشافات في شرق المتوسط ازداد نظرا لتماس منطقة الاكتشافات في شرق المتوسط مع اوربا وهذه ميزة يترتب عنها انخفاض في كلفة نقل الغاز عبر الانابيب الى الأسواق الاوربية (إيطالياوفرنسا وإسبانيا بدرجة أقل) وهو امر يزعج موسكو في احكام سيطرتها المطلقة على أسواق الغاز الاوربية. هناك احتمال كبير بانخراط روسيا في مشاريع عسكرية واحلاف لحماية مصالحها في شرق المتوسط "التحالف مع تركيا البراغماتي ". لعرقلة مد انابيب نقل جديدة من مناطق شرق المتوسط في اتجاه اوربا (اعتبارا من بداية السنة الجديدة 2020م تم الشروع ببناء خط مشترك بين إسرائيل واليونان وقبرص لنقل الغاز من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا وسيربط الخط الحقل الإسرائيلي "ليفياثان" مع "أفروديت" القبرصي وحقول الغاز الأخرى في المنطقة إلى مدينة "برينديزي" الايطالية وهذا الخط يثير حفيظة موسكو.) . كما ان ارتفاع حدة التوتر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بسبب احداث أوكرانيا2014: يعد سبب اخر في زيادة اهتمام الاتحاد الأوربي بثروات شرق المتوسط. فمن وجهة نظر العديد من السياسيين الأوروبيين تساعد الاكتشافات في شرق المتوسط دول الاتحاد الأوربي في الضغط على موسكو بشأن ملف أوكرانيا من جهة والحد كذلك من سطوة شركة الغاز الروسية "غازبروم" على سوق الغاز الأوربي من جهة أخرى وارتفاع حصة صادراتها على حساب دول شرق المتوسط. يلاحظ في افاق تطور الصراع في هذه المنطقة الحيوية لأمن الطاقة العالمي انخراط واسع للشركات الامريكية للاستثمار في الحقول المكتشفة وتقدم الحكومة الامريكية مختلف اشكال الدعم للدول الحليفة لها في شرق المتوسط (إسرائيل واليونان وقبرص) بما في ذلك تقديم الدعم العسكري المباشر الذي يعزز التواجد الأمريكي في الإقليم ويحمي مصالح الشركات الامريكية واستثماراتها. بهذا الخصوص أقر الكونجرس تشريعات في (ديسمبر2019) بإنفاق 1.4 تريليون دولار لتعزيز حضور الولاياتالمتحدة في السوق الإقليمية الأورو-متوسطية وتعزيز الشراكة مع دول شرق المتوسط في قطاعي الطاقة والأمن. ويقضي التشريع الأمريكي الجديد بتقديم الدعم العسكري لليونان ورفع حظر توريد الأسلحة المفروض على قبرص منذ 40عامًا كإجراء احترازي يعزز قوة الردع لليونان وقبرص في وجه التطلعات والطموح التركي في المنطقة. وتسعى الولاياتالمتحدة الى وضع موطئ قدم لصادراتها من الغاز المسال الى اوربا واقتطاع جزء من السوق الاوربية لصالح شركاتها بالاستثمار في الحقول المكتشفة والقيام بدعم صادرات الغاز من المناطق الأخرى الى اوربا بهدف اضعاف صادرات الغاز الروسي الى دول الاتحاد الاوربي وإنهاك الميزانية الروسية التي تعتمد كثيرا على عائدات النفط والغاز وتقليص التدفقات النقدية الى الاقتصاد الروسي. في هذا الإطار نجحت الولاياتالمتحدة بتصدير17.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال في 2017الى اوربا.. محاولات منافسة الغاز الروسي في السوق الأوربي من قبل الولاياتالمتحدة في الواقع لا تصب في مصلحة الاخيرة، نظرا لكون الغاز الروسي "وكذا القطري" هما الارخص عالميا والاقوى تنافسية من حيث السعر، حيث يصل سعر المليون وحدة حرارية الى 2.5 دولار مقابل 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية بالنسبة للغاز الأمريكي المسال المصدر الى اوربا، وبالتالي تظل فرص محاصرة الولاياتالمتحدةلروسيا محدودة في هذا الملف. كما ان إطلاق روسيا خط أنابيب مزدوج من شمال غرب روسيا عبر بحر البلطيق، (خط نورد ستريم – 2) لنقل ما يقرب من تريليوني قدم مكعب من الغاز سنويا من روسيا إلى شمال أوروبا يثير تحفظات واشنطن التي ترى ان هذا المشروع يضر بتنافسية صادراتها التجارية من الغاز المسال من جهة، ومن جهة أخرى يضعف نفوذها السياسي في دول الاتحاد الأوربي ويعزز من ارتهان القرار الأوربي لسطوة روسيا. لذا فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات اقتصادية مشددة على العديد من الشركات الاوربية المساهمة في بناء الخط. روسيا من جهتها تعمل وبالتعاون مع حلفائها الاستراتيجيين فيما يتعلق بغاز شرق المتوسط الإبقاء على تلك الاحتياطات الضخمة المكتشفة في الساحل السوري القريب من اوربا تحت اعينها وتشجع شركاتها على الاستثمار في تلك الحقول وبكل قوة تعمل على ابعاد الشركات الامريكية عن الساحل السوري ومراقبة خطوط الغاز الأخرى المحتمل وصولها الى المناطق الجنوبية من اوربا. بحسب وكالة المسح الجيولوجي الأمريكي بشأن الاحتياطات المكتشفة من الغاز في الجرف السوري فقد يصل حجمها الى 700 مليار متر مكعب وهو ما يعادل ضعف الاحتياطات في البر الرئيسي. هناك تعقيد اخر برز مؤخرا في شرق المتوسط يتعلق باكتشاف لبنان في فبراير2018 كميات كبيرة من الغاز في المنطقة الاقتصادية الخاصة به وابرامه اتفاق مع شركة NOVATEK الروسية للبحث عن الغاز في جرفها القاري في إطار كونسورتيوم يشمل كل من توتال الفرنسية وإيني الإيطالية. وفقًا لتوقعات السلطات اللبنانية هناك700مليار متر مكعب من الغاز تحتويه المنطقة الاقتصادية للبلاد.. هذه الاكتشافات المتسارعة والتهافت على الاستثمار في موارد شرق المتوسط عقدت اوضاع المنطقة بشكل أكبر من السابق وجعلت منطقة الشرق الاوسط برمتها على شفى جرف هار، خصوصا العلاقات بين تركيا وقبرص واليونان، وتركيا ومصر، ولبنان وإسرائيل. اكتشاف مكامن الغاز الطبيعي والنفط في شرق البحر المتوسط يعتبر امر في غاية الأهمية لأسواق الطاقة، لكنه قد يصبح نذير شؤم لشعوب المنطقة ويفجر صراع جديد يقود منطقة الشرق الاوسط الى مألات يصعب التكهن بها.