فاجأني احد الكبار من عاش احداث إرساء دعائم الدولة وهو يشرح حالة التحولات في مسار قواعد البناء التحرري، من بعد الاستقلال الناجز عام1967م،وما رافقها من منعطفات مرت بها البلاد. وعن ذلك الزخم الثوري الجياش، وكيف كان مسيطر على عواطف الناسً بقوة إلى حد أنه خرجت مضاهرات جماهرية تطالب السلطة بتخفيض الرواتب، وتصخيرها لصالح مجالات اخرى؟. ذلك.الرجل يعرض حالة من المتناقضات مع يومنا هذا، يرويها بوجهٍ واجمٍ مليئ بالحسرة، والحيرة يقارنها بحالنا وبحال الإلتفاف الشعبي حول قيادته انذاك، والتي توزعت تأيداً، وتناغماً على مختلف المحافطات الجنوبية ، فلم يبرز على حد قوله او يضهر ايً من طرف محاولاً التوبيخ في القيادة - مستنقصاً من شأن ما تقوم به، فالكلُ كان على قلب رجلٍ واحد بعمل متواصل كخلية نحل، مدركاً حجم المعوقات والصعوبات التي تمر بها البلد وتواجهها القيادة، فتكاتف وتعاضد الجيش في مناطق تمركزه يسرّع من وتيرة البناء، يساهم إلى جانب العامل، والمهندس، والمعلم، والمزارع يشق الطريق يستصلح الأرض ويساعد في جني،المحاصيل يقيم المدارس يحصر الأضرار، ويوصل المؤن الغذائية للمحتاجين، وشيئاً فشيئا حتى أستطاع بذلك النهج والأسلوب إذابة كل الحواجز بين المواطن والثورة على مناطق كانت شبه منعزلة عن جسمها. ويقول ويصف: وما هي إلا سنوات قليلة حتى رأينا نهضة عمرانية إنعكست على تصرفات الناس رقياً، وتعاملاً.
ولو قارنا نحن ذلك، مع حالنا اليوم وقد عدنا إلى مربع الصفر وبإنهدام كل صرحاً تنموي بني على الواقع وعلى صعيد فكر الإنسان وهو الأهم وبمسيرة الثورة الجنوبية وما رافقها من محطات ستكون المقارنة مخيبة ومفزعة.
فللملاحظ عن التحديات وما الّنا اليه من مستوى متدني يتمحور حول امور عدة وإن لم نتلافى حدوثها قد نغدو يوما ما أمام وضع كارثي وضع سيعيدنا إلى الوراء نصف قرن من الزمان ويزيد.
وكما هو معلوم إن سكان الجنوب أبان الاستقلال، كان لا يتجاوز المليون ونصف المليون نسمة، والوضع المعيشي، والخدمي على كافة ضواحي السلطنات البالغة اثني وعشرون سلطنةومشيخة، متردياً للغاية، فلا تعليم ولا صحة ولا ولا ولا..... وزيادة عليه إقتتال جاري في ما بينهم وعلى كل ارجاء الجنوب، ماعدى عدن والتي كانت تمثل لنفس المحتل بمكانة عالية وبمثابة حصناً منيعاً كرس فيها جل إهتمامه.
وفي الحاضر .تقريبا عدنا إلى المربع ذاته، مع فارق بينه وعهداً كنّا فيه على قلب رجلٍ واحد، وبسكان قليل مقارنة مع اليوم والذي صار فيه تعدادنا تقريباً يزيد على الأربعة المليون والنصف، ومع كثير من التحديات، من ضمنها الثالوث الرهيب من فقر وجهل ومرض متوزعاً على كل زاوية، ومكان، وبيت.
وأما من حيث الدلالة المعنوية للأنتماء الوطني الذي يمارس بين جزء كبير من الشباب، فحدث ولا حرج يعد متراجع تراجعاً كبير ، وما يلمس عنهم للمتابع، هو تجذر فوبيا الاقتراب ولو بمجرد إلقاء إطلالة قصيرة على تقدم اي مجال من المجالات في مرحلة من مراحل الجنوب الخصب، ولا لشيئ إلا يمكن تكون لسبب واحد لكي لا تشكل له صدمة قوية فيصاب بمستوى مرتفع من الغبن، والإحباط. لهذا يفضلّ عدم التعرض لها.
واكثر ما يجعل ذلك الشباب بمعزلاً وبمنأئ عن معرفة شيئاً عنها، بوجود اطباق مقبلات تستميله لوجبة دسمة غير معلوم عن نوعها. وجبة قد تضعنا على عتبة مرحلة جديدة من التبديل في القواعد. تبديل يتجاوز بنا حدود الآمس،، فيجعلنا نحلّق ونطير على مدار اجواء هي بالأصل علينا جديدة، وبغض النظر أكانت على شاكلتها صالحة إستعمالها للإنتفاع او غير صالحة، المهم هو أن تنتشلنا من واقعنا المر ولمميت، كخيار لا بديلاً عنه إلا البقاء في هبوط مستمر، قد نهوي إذا استمرينا عليه، إلى مكان سُفلي يشعرنا بالوحدة تضاف فوق ما نعانيه اصلاً من وحدة، فنتحول منقطعين عن العالم بالتمام من حولنا.