، لقد تحسنت حالتي المعيشية سريعا، توسعت " بسطتي " في السوق كثيرا ، ولم تعد أشعة الشمس تغازل الخضروات كل يوم ، لقد بنيت على " البسطة " هنجرا كبيرا يحميها ويحميني من المطر أيضا ، منزلي الذي تحيط به الطريق من ثلاث جهات لم يعد محطة انتظار لأنظار المارة ، وأصبحت استطيع النوم بكل بهدوء ، ثمة جدار متوسط القامة أراحني قليلا من أضواء السيارات والدراجات النارية.. لم يعد نظر أمي ضعيفا ، لقد ترددت بها كثيرا على الطبيب المختص وقطعت لها النظارة التي كتب مواصفاتها الطبيب منذ فترة ، ولم يعد أبي يعلق نظارتين معا عندما يريد أن يقرأ ، قطعت له نظارته التي يحلم بها مذ انطفأت عينه ، والتي يحمل مقياسها منذ زمن في ورقة أصبحت مهترئة ، ونظارة آخرى للرؤية البعيدة بعد أن أجريت له عمليتان ، عملية لتصفية العين التي ترى وأثمرت ، وآخرى للعين الطافئة دون جدوى ، ولم أعد أسمع أنين زوجتي كل مساء ، لقد قمنا بزيارات معدودة إلى طبيب ما هو الأفضل في المحافظة وغادر الألم دونما عودة . أصبحت أملك بقالة متواضعة تحظى بقفزة استثمارية عالية جدا بخلاف البقائل والمحلات التجارية المجاورة لها ، ولعل حسن معاملة صديقي الذي يعمل معي بشكل رسمي ودائم ضمن أسباب هذا النجاح السريع. تمكنت من شراء سيارة وسهلت علي كثيرا مهمة جلب البضائع من المدينة البعيدة وتزويد " البسطة " بالخضروات والفواكة المختلفة. رفضت تماما فكرة بيع القات ، قلت لصديقي عندما اقترح علي ذلك : القات لا يليق بنا ، الخضار عمل شريف قالها أحدهم لي ذات حديث عابر ، صديقي ذاته الذي يعمل في البقالة والذي بمثابة يدي اليمنى والشخص الموثوق والمقرب جدا ، لقد تقاسمنا شظف العيش وقساوة الحياة معا ، فحق له أن أقسامه هذا الترف المحدود وقد ابتسمت لي الحياة. جعلت جل اهتمامي وتفقدي أولائك الأشخاص الذين كنت أجدهم بجانبي كلما تعثرت دونما طلب . ذات مرة جلست بكل هدوء أقلب أوراق الماضي وأتفحص سطورها ، وأقارن بين وضعي في السابق وكيف أصبحت الآن وأنا أحمد الله كثيرا وأثنيه عليه ، قلت في نفسي يجب أن أترك أثرا طيبا وعمل أنتفع به بعد رحيلي كصدقة جارية مثلا وبينما أنا غارق في التفكير تذكرت معاناة أهالي القرية مع الماء وتوقف مشروع المياه عن العمل ، ولوهلة ما أحسست بضربة يد على كتفي الأيسر من الخلف أفزعتني كثيرا ، واستيقظت من غفوتي.