لا تَأملوا خيرًا من المملكة، إنّهم يستثمروا معاناتنا، يَحتقرُوننا، يتلذّذون بتعذيبنا، ويسعدونَ حينما يرونا مقموعين نتسوّلُ حقوقنا على أبوابِهم، إنهم ينظرون إلينا بدونيةٍ مُفرطة، وكأننا شعوبٌ وُجدت بالغلط، شعوبٌ هامِشيةٌ لا تستحقَ الحياةَ على هذا الكوكب، وليست جديرةً بالعيش، بل يجب قصقصة أجنحتهم وتركهم يعوُمون بلا وجهة، مُجرّدين من التفكيرِ سوى بكيفيةِ توفيرِ لقمةٍ تسدُّ جوعهم، أو كهرباء تُمكّنهم النوم كما يجب. إنّهم يُصادرون حياةَ شعبٍ بكامله، بكلِّ ما فيها من جوعٍ ووجعٍ، ويمعنون في سلبهِ آخرُ مصادرِ بقائه، وتخريبٌ كل ما يمدّهُ بالاستمرار على قيدِ الحياة. أيها المواطنُ المعذب، لقد تكالبتْ عليك كوارثُ الوجود دفعةً واحدة، وهكذا يُرادُ لك أن تكون ممن استنجدتَ بهم ليُنقذوك يومًا، يُراد لك أن تموتَ متعفنًا في فراشك، تخنُقك الرطوبةُ القاهرة لكل منافذِ الهواء حولك؛ في اسوأ درجاتها الحابسة للروح، ويرشحُ معها جسدك النحيلِ مستنفدًا ما تبقى من مقاومة للبقاء، هكذا يُرادُ لك أن تعيش!! معطوبًا، وأنت بلا رواتبٍ لخمسةِ أشهرٍ متتابعة، وتعيشُ في وضعٍ مزرٍ تضخّمتْ العملةُ فيه إلى أسوأ حالٍ لها في تأريخِ البلاد، وكهرباء غائبة 18 ساعة في اليوم الواحد، في كارثةٍ وجوديّة وحقيقة، أشرفتْ المملكةُ بشكلٍ مباشر على حدوثها، تهدفُ بها إلى تجريفِ كرامةِ هذا الشعب وبكلِّ قناعةٍ ورضى تام منها. لا يوجد سببًا منطقيًّا يجعلهم يُحاصرون حياتنا بهذا الشكل المستَفز، ويشرحُ ظاهرةَ الاحتقارِ العميقةِ التي يتعاملون بها تجاهنا، حتى يَنتقصون من حقنا في العيش، وينظرون إلينا كأننا مواطنون من الدرجةِ الثانية على الدوام. بالطبع، قد تكون هناك ملفاتٍ كثيرة لدى المملكةِ تُشغِلها عن تصحيحِ هذه النظرة المنقوصة في التعامل معنا وأنها ليست متعمدةً في ذلك، لو أن هذه الارتباكاتِ في العلاقة تجاهنا بدأت من وقتٍ قريب، ولكن ما يُؤكدُ أن هناك ظاهرةُ احتقارٍ راسخةٍ يتعاملُ بها السعوديون مع اليمنيين بشكلٍ عام، هو أن ما يحدثُ اليوم هو امتدادٌ تأريخيٌّ لهذا التعامل المهين، والذي يعودُ لعقودٍ طويلة، ولكنه لا زال يكبرُ ويتمدّدُ بالتقادمِ كل يوم، وهذه لعنة المال والنفط التي جعلتهم يحملون صورة ذهنية مشوّهة وكارثية حينما يتعاملون معنا. على كل حال، ليست أطرافَ التحالف وحدُها المسئولة عن هذا العبثِ المعيشي الذي يسحقُ المواطن كل اليوم، بل الانتقالي ومعه الشرعية، يتحمّلا جزءًا من المسؤولية القانونية والتاريخية عن مصيرنا، وخذلانهم وتركهم لنا منكشفين لكل اعتلالات الطبيعة، ولكنكم أنتم "التحالف" في المقام الاول من يتحمل ذلك، وهذا لا يعفيكم من الفضيحة الأخلاقية والعار التأريخي الذي تعاملتم به معنا. أيها المواطن العنيد، متى تثور..؟ انتزع حقك في الوجود، انتفض ضد الكل، فخيوط اللعبة لا زالت بيدك، وبإمكانك تخريبها على الجميع. كيف تتصالحُ مع جرحك، كيفَ تنظرُ في عَينيّ امرأةٍ لا تستطيعَ أن تمنحها ثمنَ الطعام. ؟ كيف تداعبُ طفلَك وأنتَ لا تستطيعَ أنّ تمنحَهُ ثمنَ لعبةٍ زهيد..؟ كيف تقعدُ مع أسرتِك في الظُّلمة تأكلُ الحرارةُ جُلودكم ولا تُحرّك ساكنًا..؟ وأخيرًا، تغورُ رجولتَك حِين تَفقدُ شروطَ عائلتك لأسرتك ومع هذا تظلُّ صَامتًا، تبدأ كرامَتك بالتحللِ حين تتقبلُ الاهاناتِ ببرودةِ، التعايُش مع الجُرحِ والنظرُ إليه بحيادٍ يُحولك إلى كائنٍ لا يمثلُ إنسانيته.