لقد وهب اللهُ اليمنَ موقعاً جغرافياً وإستراتيجياً مهماً. ورغم أنني من الذين لا يأخذون بمقولة الحتمية الجغرافية؛ إلا أن وطننا اليمني يتمتع بالفعل, بأهمية موقعه الجغرافي. حيثُ تقع اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. وتطلُ على كل من البحر الأحمر ومضيق باب المندب, الذي يعدُ من أهم الممرات المائية في العالم, إضافة إلى البحر العربي وخليج عدن. وكذا الجزر الهامة المنتشرة في مياهنا الإقليمية. إن وطننا اليمني, يتمتع بأهمية جيوإستراتيجية؛ فهو بمثابة ملتقى لقارات آسيا وأفريقيا وأوربا. ويُعد شريانا حيوياً للتجارة الدولية؛ عبر ما يمتلكه من موانئ, كميناء عدن ومنطقته الحرة وبقية الموانئ, الممتدة على سواحله التي يبلغ طولها أكثر من ألفي كيلومتر, إضافة إلى قربه من بحيرة النفط في الجزيرة والخليج العربي. إن من المحزن, أن تتحول هذه الأهمية البالغة لموقع اليمن من مصدر قوة لدولتنا إلى عبء عليها وعلينا معاً! وكي لا يكون الكلام مرسلاً وعلى عواهنه؛ هاكم بعض الدلائل الشواهد على هذا الاستنتاج: - يلاحظ أن كثيراً من المتعاقبين على حكم اليمن, قد عجزوا عن توظيف هذا الموقع الهام, حيث غدت اليمن بمثابة مسرحاً للصراع الإقليمي والدولي. - إننا في العلوم السياسية, حين نتحدث عن أركان الدولة, نجعل من الإقليم من أهم أركانها. كما أن إقليم أية دولة ينقسم إلى ثلاثة مكونات: الإقليم البري, والبحري, الجوي. والملاحظ أن المعنيين في اليمن لا يهتمون إلا بالإقليم البري, ويكون محط أنظارهم وصراعاتهم, أما الإقليمين البحري والجوي؛ فمازالا نهباً لسفن الأجانب وبوارجهم وطائراتهم! فهاهي الطائرات الأمريكية بدون طيار, مازالت تنتهك الأجواء اليمنية وتسرح وتمرح, وتضرب ما يُسمى بمعاقل تنظيم القاعدة, بدعوى مكافحة الإرهاب, دون استئذان السلطات اليمنية ! ومن العجيب في هذا السياق, أن نسمع إجابة للذي كان حاكماً, حينما سُئل عن ضرب الطائرات الأمريكية للأهداف على الأراضي اليمنية, يتنصل عن مهمة الدفاع عن الأجواء اليمنية بقوله: لقد جاءت هذه الطائرات, وضربت من الجو! -رغم أننا دولة بحرية, حيثُ نملك سواحل شاسعة المسافة, إلا أن هذه السواحل مازالت مكشوفة, ولم نتمكن من إيجاد قوة بحرية لحمايتها. ونذَكر هنا, بالغزو الإرتيري لجزرنا (جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى وزقر) عام 1995م. حيثُ لم نستطع حمايتها واسترجاعها إلا عبر التحكيم الدولي. فقد كنا نتقاتل فيما بيننا إبان ما عُرف بحرب صيف عام 1994م. حيثُ خرجنا ضعفاء, وجيشنا منهك وغير قادر على صد العدوان الإرتيري, رغم أنها كانت دولة صغيرة وضعيفة معاً. صحيحٌ أن اليمن كانت, ومازالت, عبر التاريخ محط أنظار القوى الاستعمارية الطامعة بموقعها الجغرافي الهام, إلا أن من الصحيح أيضاً, أننا كيمانيين نفتقر للوعي بأهمية موقعنا الجيوسياسي الهام. ومازلنا نتقاتل في الداخل(الإقليم البري) أما مياهنا الإقليمية ومجالنا الجوي, فما زالا منكشفين تجاه الأجنبي ونهباً له حتى اللحظة! إن ثقافتنا السياسية اليمانية, مازالت تنظر بدونية لمفهوم الدولة وأركانها. والأخطر أن هويتنا اليمانية العامة المشتركة باتت مهددة بالمناطقية, والمذهبية! بل إن ثمة هويات مناطقية قد أوشكت على التخلق, لتحل محل الإقليم التاريخي للدولة اليمانية! أما ولاءات مادون الدولة, فقد غدت مهددة لكيان الدولة اليمنية ليس على المستوى الجغرافي فحسب, والسياسي أيضا! أيها المعنيون, والمنغمسون في صراعاتكم الضيقة ؛ تذكروا أنكم قد حولتم الموقع الهام لدولتنا إلى عبء علينا وعليكم. يا هؤلاء: أما آن الأوان لكم الترفع عن مصالحكم الضيقة, واستحضار الوعي بجغرافية وطنكم, واستثمارها لمصلحة اليمن مجتمعاً ودولة !