- القاهرة في كل يوم يمر أكتشف في تهامة اليمن وإنسانها أبعادا أخرى للجمال والبهجة، وأزداد إيمانا بأن تهامة يجب أن تتغير وهي قريبة من ذلك كما رأيت، وليحدث ذلك فإنه لابد من بناء الإنسان أولا وقبل كل شيء. مناسبة قاهرية في الثالث من أكتوبر حجزت لي مكانا على طاولة، التف حولها مجموعة من الشباب الواعد، الذين سرعان ماعرفت أنهم تهاميون كما خمنت من سمرة بشرة بعضهم الأنيقة وتلك اللهجة البسيطة المتهادنة مع الطبيعة. أكثر من خمسة عشرة كرسيا حول الطاولة جلس عليها وزير وشيخ ودكاترة في العلوم السياسية ومهندس بترول وأعضاء سياسيين، وسينمائيين، بينما كان في المنصة فنان يغني بمهارة وعذوبة صوت جعلتني لا أتمالك نفسي من شدة الإعجاب بصوته، فحملت هاتفي وصورت ماتيسر لأحمله في الذاكرة.. عدت أدراجي وفي داخلي فضول كبير لمعرفة المزيد عن فكر وانتماءات الشباب حول الطاولة، -بالنسبة لي كان الانتماء الفكري أهم- وهو ما أراهن عليه دائما.. كانت تلك الطاولة تهامية خالصة، تتحدث بوعي وتهذيب وطرافة طالما تماهت مع لهجتها الطيبة، وهو الأمر الذي زادني يقينا بأن تهامة اليمن على عتبات زمن مختلف تماما، لأنها ببساطة أصبحت الآن تفكر في المستقبل وتتحدث عنه، هكذا تتم عملية بناء الإنسان وصناعة جيل يفهم ما يريد ويتفهم الاحتياج إلى التغيير وتحقيق الذات. لقد شعرت بالفخر العظيم وأنا أجلس بينهم وأحظى بالترحاب والألفة، تلك التي لم يتخل عنها ناس تهامة حتى وهم يحملون الشهادات العليا والألقاب، ولم يجافوها وهم يلاقون التهميش في الداخل اليمني والتغرب في المهجر، وكأنهم يمنحون من حولهم دروسا في المعاني السامية للإنسانية.... *صحفي وكاتب رأي يمني