الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوت الأستاذ وبدلة حسن شكري
نشر في يمنات يوم 08 - 06 - 2013


"1"
في ذهني اكثر من تناولة عن الاستاذ احمد قاسم دماج، لكنني ما ازال " اجبن " من ان اتناول شخصية اسطورية كشخصيته، الرجل بدأ حياته كرهينة وهو بطل رواية الأستاذ زيد مطيع دماج التي تحمل نفس الاسم، محا اميته الابجدية وهو في سن الثامنة عشرة متحولا الى واحد من المع السياسيين اليمنيين واحذقهم فضلا عن ثقافته العميقة والموسوعية وهي الثقافة التي مكنته مع زملاء له من تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومن ثم رئاسته لعقود من الزمن ليُشكل، هذا الاتحاد، ضمير اليمن المعاصر ومدماكها الوحيد حيث تكثفت فيه البلد كهوية وككيان في ظل تمزق الدولة وإستكلاب السلطة وتفتتها متحولة الى اشبه ما يكون بمجرد نسيج تتماسك عيله مافيات كلبية (مسعورة) سياسيا سامت الامة اليمنية سوء العذاب، فضلا عن حركيته وصولا الى اعتباره واحدا من مؤسسي الحزب الديمقراطي وواحدا من قيادات التيار الأكثر نضجا في الحزب وهو التيار الذي أصبح يُرمز اليه بعبد القادر سعيد، عبد القادر سعيد الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في حضن الأستاذ، في مستشفى جبلة كما جاءا في ذات مقابلة مع الأستاذ.
على مدار مشوار حياته الطويل ونضاله السياسي والثقافي الدؤوب تحول الأستاذ الى واجهة ووجاهة سياسية وثقافية واجتماعية حمت الكثير في اليمن بشرا وقيما وفي سياق ذلك ارتبط بعلاقات مع معظم رؤساء اليمن وعلى وجه الخصوص بالإرياني وبالحمدي وبعبدالفتاح اسماعيل، موظفا في علاقته بهم كاريزما انتجت اثرا عميقا الى درجة نستطيع ان نقول، وباطمئنان، بان احمد قاسم كان مؤثرا وعلى مستوى رفيع، ولمرحلة طويلة وان من موقع وموقف مختلفين هما موقف وموقع (المثقف المشتبك) وهو الامر الظاهر اكثر شيء في فترة الحمدي، هو لم يكن شريكا في الحركة وان لعب دورا في التأثير وفي توجيه الحمدي بعد ان اصبح رئيسا، لقد ارتبط بعلاقات مبكرة به ومن أيام حركة القومين العرب وكان رأيه بان الرجل وصل الى الحكم واصبح خط الرجعة مغلقا امامه ولذلك يجب ان دعمه وتأييده ومساندته، على الضد من الرأي الانعزالي الذي قراء المسألة من زاوية حلقية ضيقة.
بعد اختطاف الحمدي وقتلة حاول الانقلابيون اول ما حاولوا إستيعاب احمد قاسم ولذلك قدموا له عروضا سخية كثيرة ولكن انّا لل(مثقف المشتبك) ان يقبل بها، لقد رفضها كلها وبحذق قبل ان يصبح مطلوبا تصفيته فيتوارى بأكثر من شكل وصولا الى اواخر النصف الاول من ثمانينيات القرن الماضي، بيد ان كل ذلك امر اخر سوف نتناوله في معرض التناول المستقل لهذه الشخصية اليمنية قبل، ذلك تجدر الاشارة الى ان الرجل استطاع، كشخص وكفعالية ان ينسج علاقات عربية وعالمية جعلت منه نموذجا وممثلا لليمن بنظر الكثيرين، النموذج الحي والفعال و " المستميت " في العمل من اجل حق شعبه بكرامة موضفا في سياق ذلك قدرات إبداعية، قبل ان تكون قدرات مكتسبة، وقبل ان يكتسب قدرات هائلة في مضمار كفاحة الطويل، قدرات يستحيل التفكير فيها بعجالة ولذلك قلت بأن في ذهني اكثر من تناولة، فضلا عن انني سوف اشير اليه في تناولات كثيرة أخرى كشخصية ذات حضور جذاب وعميق ومدهش في مجمل تاريخ اليمن المعاصر.
وقبل ان اشرع في هذه التناولة، الآن، في هذه العجالة، ومن زاوية بقدر ما فيها من طرافة فيها عمق، تجدر الإشارة بان المرء لا يمكنه إلا ان يُلاحظ ثمة جوانب في شخصيته لا يمكن دراستها بدون التمييز بينها، الجانب الأول هو احمد قاسم الشخص أو الإنسان وهو مستوى خلاق ومُنتج للخيال كما يُلاحظ، بل لقد اُنتج عنه وعلى اساس من شخصيته رواية، وما ذلك الا لغنى شخصيته وخصوبتها، وثمة دلالات أكثر من عميقة في حياة هذا الانسان " العادي" .
المستوى الثاني هو المستوى السياسي وهو مستوى لا ينبغي ان يغفل علاقة الرجل بمطيع دماج الشخصية البارزة في الحركة المناهضة للإمامة مرورا بعلاقته بحركة القوميين العرب فالحزب الديمقراطي حيث برز احمد قامس دماج في التيار المُنحاز للنضال السلمي الديمقراطي مع عبدالقادر سعيد وغيره وهو التيار الذي انتصر في المؤتمر الاستثنائي الثاني بعد ان كان المؤتمر الاستثنائي الأول للحزب قد اقر الكفاح المسلح (كلا المؤتمرين عُقدا في مطلع سبعينيات القرن الماضي) وهو خط النضال الذي ما زال الأستاذ منحازا اليه حتى هذه اللحظة.
المستوى الثالث من مستويات هذه الشخصية هو المستوى الثقافي، ففضلا عن كون الرجل اديبا وشاعرا (جزلا) حتى وهو يكتب قصيدة التفعيلة، إلا انه يتمتع بثقافة عالية وموسوعية فضلا عن ثقافته السياسية وهي الثقافة التي افتقر اليها معظم القيادات السياسية في اليمن وما تزال تفتقر اليها، الى ذلك فللرجل حسا نقديا (لاذعا)، ما ازل أتذكر كيف انه نفى (من قانون نفي النفي) فترة كاملة من فترات كتابتي للقصيدة، هي تلك الفترة التي سبقت تعرفي عليه وجلوسي اليه عن قرب. أتذكر بأنني كنت الح عليه ان يستمع اليّ وهو يعرض عني الى ان كانت يوم قال لي: هات سمعني، فبدأت اقرأ وهو كأنه لا يستمع اليّ، بل وحتى لا ينظر ناحيتي، وكلما حاولت ان ( انبهه ) لا يزد على ان يقول لي استمر استمر، وفجأة التفت ناحيتي، وهو عادة يلتفت كصقر، وهو يقول ولكنك يمني وليس في اليمن زيتون، ثم ذكر لي مفردات كثيرة وكأنه كان معي بكل جوارحه قبل ان يسترسل في إشارات احسست معها بأنني ( ولا حاجة) قبل ان يقول لي: شعر جميل وممتاز " بس " اين انت كهوية، من انت في القصيدة، القصيدة هي قول شعري لشاعر بعينه، كيف اعرفك من خلالها دعك من كونها جمال وادهاش، هي أيضا – القصيدة – انت...
يخيل لي بأن ملاحظاته تلك كان له أعمق الأثر في تكويني، لا يساويه وان من زوايا نقدية اخرى سوى تأثير عبد الودود سيف او بالأحرى القائل:
كل ما يصلح للكسر سندعوه زجاجا
ونسمى العمر مهرا جامحا
ونسمي الرأي تاج
وندير الأرض في أقدامنا التعبى ونأتي
كي ندمي قامة الشوك بأيدينا ونبني
حول جثمان مراثينا ضريحا وسياج
وكان يعارض بهذه القصيدة (العصماء) قصديتي التي كتبتها في السجن " لا شيء يكسرني " والتي أقول في مطلعها:
لم انكسر
لأشفاقي عليك من انكساري
ولم أسقط لأني خجلت من عينيك
عيناك اوقدتا داخلي ..
وهي القصيدة التي تُغنى الآن باللغتين النرويجية والانجليزية. عبد الودود هو الاخر صاحب قصيدة وحس نقدي رفيع أيضا.
اعود فأقول بان دراسة شخصية (تاريخية) عميقة وثرية كشخصية " الرهينة " الذي هو الآن وما يزال رهينة نبله وسموه وعلو شانه وانحيازه العميق للناس وحقهم في الحياة، محتاجة الى صبر ومراجع كثيرة، مكتفيا الآن بالإشارات المقتضبة فيما يشبه المقدمة لذلك، على ان اعود في تناول مستقل لأنسان لعب دورا في انقاذ حياتي وحياة كثيرين، بمثل ما لعب دورا في التأثير على مجريات التاريخ في اليمن المعاصر بغض النظر عن التقييم من زوايا من قبيل النجاح او الفشل، الصح او الغلط لقد لعب دورا وكفى، ولقد اصبح دورا في ميزان التاريخ.
لكن دعونا الأن من هذا و " خلونا" نشوف حكاية الكوت، الحكاية التي فيها من الطرافة قدر ما فيها من عمق، وهي تكشف عن انسان بسيط وعظيم، مثل ما سوف تكشف حكايات أخرى مشابهه كحكاية بدلة حسن شكري او حكايات مُشابهة عن أناس فقراء لكن عظماء، شخصيات تركت اثرا عميقا في وجداني ووجدان اليمن. فإلى كوت الأستاذ قبل ما اروح الى بدلة حسن شكري.
"2"
في بيروت وعلى هامش مسؤوليتي الحزبية وتلك التي في إطار مكتب الجبهة سكنتُ في شقة حزبية، بقدر ما هي مخصصة لاجتماعات المنظمة كانت مخصصة ايضا لاستقبال كادرات وقيادات زائرة لسبب أو لآخر وكان عليّ مرافقتها، خاصة السرية منها.
في مرة من المرات جاء الاستاذ احمد، جاءا هاربا من القتل، وعلى هامش وجوده في بيروت كان عليه ان يلتقي بقيادات فكرية وسياسية. اكتشفتُ بان للرجل علاقات واسعة وله حضوره وهيبته غير العادية، لن استرسل كثيرا في المسألة سوف اعود لها في سياق آخر، سياق كتابتي عن شخصية اسطورية بجسد آدمي يشبه جسدي تماما، وهو قول اكون به قد دخلت منطقة الكوت المُشار اليها في العنوان أو بالأحرى مادة هذه التناول.
في معمعة وجوده في بيروت، اقول معمعة، لأنه كان منشغلا على مدار اليوم بلقاءاته، وكنتُ ارافقه في بعضها، وفي يوم من الأيام نظر ناحيتي شزرا وهو يقول لي: ذلحين انت ألن تستحي!، ارتبكت وأنا اردد (خير ايش في!)، قال لي نحن نروُح نقابل شخصيات سياسية وفكرية، وهؤلاء أناس (شوام) انت تعرفهم، عيب عليك، قلت له ما فهمت!!!!
- إلبس كوت
وكنتُ في حالة شبابية، الشعر الآفرو وألبس الجنز وفوقه شيء ما يشبه بلوزة نسائية. مباشرة راح بالي الى كوت من اكواته التي كان يلبسها فقلت له لكن ما عندي كوت، كان عندي اثنين منها، شاف ناحيتي بعطف ( وربما بفخر) وهو يقول، كما لو انه يكلم نفسه..
- خذا ذاك المعطف البسه بس انتبه انساه، يجب ان تعيده بعد ان تلبسه.
ارتديتُ الكوت والاستاذ غادر وانا اغافله. وفي اوقات لاحقة قابلته، في دمشق مرارا وبشكل أكثر من يومي: الأستاذ آذني: اين كوتي؟ وأنا " اتملص " وهو لا يعلم بأنني محتفظ به، خاصة وقد قال لي انتبه: لن ينقذك غيري وكان موضوع عودتي مطروحا وثمة اعتراض من قبل الرفاق عبر عنه قادري بحزم اكثرمن غيره، ربما من فرط ما عانه في المعتقل، وفي كل مرة كنت اقول له والله هو.. هو.. هو هناك، وهناك بالنسبة لي تعني هناك، حيث ينبغي، متمسك به كتعويذة.
صابح الليلة الكبيرة، والليلة الكبيرة بالمعنيين، بمعنى ليلة العُرس التي اعتقلت على إثرها والليلة الاولى تحقيق وتعذيب التي اعقبتها، وهو التعذيب الذي استمر ليلة كاملة، وليلا كاملا، حتى الصباح.
استيقظتُ على طرق خفيق على باب الغرفة التي كنت انام فيها على فراش الزوجية وكانت عروسي في حضني نائمةٌ، قمت الى الباب وفتحته، كان ابي بعينين جاحظتين وشفتين مرتعشتين يبلغني بان البيت مُطوق بالعسكر. خرجتُ، كان البيت مطوقا وكان هناك بخيت مليط، خير ايش في؟ قال سلم نفسك، لن استرسل فيما دار بيننا لأنني سوف اعود اليه في سياق آخر، ولن اتحدث عن بخيت مليط الذي نعاه علي صالح عباد بعد سنوات طويلة من هذه اللحظة كواحد من مؤسسي الجبهة القومية لأن لذلك سياق آخر. تمام، سوف البس قلت له، والعسكر تحوم ككلاب جائعة حول فريسة بين يدي ذئب او انها في اقصى حالات التهيؤ للاقتحام، التفتُ ناحيته وانا اقول له قُلتُ لك سوف البس واجيء وعلى عجل دلفت مجددا الى الغرفة وانا اقول لهم انها عروستي داخلها، لم يتبعوني، خلعتُ البجامة وعلى عجلٍ لبست البنطلون، كانت هناك نقود مطروحة على النافذة، مجابرة نسوان عائلتي لي في اليوم السابق، قسمتها نصفين وانا امد بالنصف الأول الى العروس التي كانت في حالة وجوم واقول لها بلغي الشيباني وعبدالباري وبأسرع وقت، لم اجيء على ذكر اسم الاستاذ كان قد اصبح علىّ، كنت قد لبست معطفه.
التقطتُ – الكوت – تلقائيا، لم اعد اتذكر سوى خروجي وهو عليّ، وثمة إعتقاد عميق داخلي بأن كل من سوف يراني سوف يردد في سره وااااو لابس كوت احمد قاسم دماج، كان هذا هو ما جال في سري، لا أدري لماذا، ولا أدري لماذا احتفظتُ به، أو انني ارتديته كتعويذة.
لن اتحدث الآن عن مجريات مسافة الاعتقال من القرية الى تعز وصولا الى عند احمد الأنسي، حوارا سريعا ومقتضبا " ومُلغزا " لكن حادا من جانبي قبل ان يأمرهم بان يأخذوني وهو يقول لهم وعيونه مصوبةً عليَّ: سوف نكمل الحديث معه في المغرب !
لن اتذكر الآن شيئا، انا الآن لابس كوت الاستاذ، ولكن يجب الاشارة الى ان الليلة الكبيرة في هذا الوجه هي ليلة التعذيب الذي استمر حتى الصباح، تعذيبا لا علاقة له بالألم لا ولا بالوجع بل بشيء اخر لا استيطع ان اصفه حتى الان، لم اعد اتذكر شيئا أو انني ارفض ان تذكر، وكل ما يتبادر الى ذهني الآن هي لحظة استماعي الى صوت العصافير بما معناه ان التعذيب استمر الليل بطوله وقد طلع الصباح، كانوا يحققوا معي في (فلة) خارجية، خارج مقر الجهاز، محاطة بالأشجار التي تعشعش فيها العصافير للأسف، لم اكن اعي شيئا، كُنتُ وقد انزلوني من على المَعْلُق (اتوذح) كديك مبذوح، بين الحياة والموت وثمة اصوات عصافير وصوت استمع اليه كما لو انه يجيء من بعيد: لا حول ولا قوة الا بالله لا حولا ولا قوة الا بالله، من انت يا بني وايش هي جريميك، لا حول ولا قوة الا بالله، كان صوت الخلقي كما سوف اتبيّنه في وقت لاحق، ولم اعد اتذكر من نفسي شيئا سوى ما كنت اردده: شيييل، بس شييل، وكانوا في معرض ان يأخذوني من على الارض الى حيث يعيدوني الى الزنزانة التي سوف استيقط فيها على صوت (ما احلى ان نعيش في وطن واحد) اغنية المقدمة لمسلسل اطفال كما سوف اعرف لاحقا، كان يُعرض في التلفزين حينها، وكان الصوت يجيء من مكان ما، ربما انه المكان الذي يجلس فيه عسكر مخزنين وهم يشاهدون التلفزين، كما لو ان الساعة كانت قد بلغت السادسة مساءا، وكما لو هناك من قد احس بأنني قد استيقظت (من الموت)، انفتح باب الزنزانة ودلف الى داخلها ثلاثة من العسكر، تقريبا، كنتُ منهكا جدا، بل، بين الحياة وبين الألم وثمة أحساس بالبرد فظيع، لا استطيع ان اتحرك ولا استطيع ان اتذكر الآن سوى أنين خرج من جوفي بدون وعي أو إرادة: شاهي، ممكن تعطوني قلص شاهي، احضروا لي شاهي في صينية، حاولوا ان يجلسوني ولم يستطيعوا، كنت اشبه ما اكون بكومة من الشحم واللحم والعظام والوجع، ركنوني الى حائط الزنزانة ووضوعوا الصينية بين يديّ الأثنتين، امسكت بصعوبة بالصينية قبل ان اقربها من فمي، ومع الرشفة الأولى وجدتني احاول اعي نفسي من جديد، جسدي لم يعد كذلك والملابس التي كانت عليا كما لو انها لم تعد ثيابا، وما كان لشيء ممكن ان اميز به نفسي لنفسي سوى محاولتي ان اتحرك بدون وجع، اتلفتُ ولسان حالي: اين الكوت !.
في اواخر الثمانينيات ( 1988م) جاء رفيق احبه جدا ( لن اذكر اسمه هو رفيقا جيدا لكن ما يزال يعمل في المخابرات ) الى عند احمد اخي مساءا وقال له: سوف يقتلوا منصور بعد العيد، كان عيد الأضحى وبالتحديد في إجازة العيد، خامس العيد بالكثير، قال احمد تيبس فمي وانا اقول له والآن، ما العمل بكره او بعده تبدأ العشر( وهناك تغيير وزاري )، رد عليّ: تحرك صباحا الى عند الأستاذ احمد وانت عليك ان تختفي فورا، ممكن بعد ان تشوفه تجيئني. لم انم تكل الليلة، قال احمد، وصباحا تحركت سريعا الى بيت الأستاذ الذي ما ان استمع اليّ حتى ارتدى ملابسه على عجل وهو يقول لي تعال معي .
كانت يوم واليوم التالية كانت سوف تكون بداية العشر الأوائل من ذي الحجة، بداية عُطلة القضاء، وكان هناك تعديلا وزاريا، كان الوزير احمد الجوبي يلملم أوراقه تمهيدا لمغادرة الوزارة حين وصلنا اليها، قال احمد، وحين وصولنا اتجه الأستاذ مباشرة الى مكتب الجوبي الذي ما ان شافه حتى " انتبش " وهو يردد هه الأستاذ احمد.. ما قد به!.. ما تجيء هكذا الا وفي شيء!. سأله الأستاذ هل عندك شيء من قبيل اوامر الإعدام جاهزة للتوقيع، تلفت الجوبي بشكل يحمل مغزى وقد كان عنده علما عن القضية من قبل، تبيّن بان هناك بالفعل خمسة أوامر في طريقها الى التنفيذ الفوري ومطروحه للتوقيع من قبل الوزير، وكان اسمي محشورا بينها. ارتبك الوزير وهو يقول( والله ما لي علم!) انا لن اوقع على شيء، ثم اتصل قبل ان يطبق التلفون وهو يقول للأستاذ عبد القادر بن عبد الله يقول لا يوجد حكما على منصور وقضيته منتهية، تحرك اليه فورا، وهه يا أستاذ احمد ما عاد أوقع على أي ورقة، انا طالع معك، القرار قد طلع وما عادناش وزير!.
تحركوا بسرعة فائقة باتجاه المحكمة العليا وهناك ما ان دخلوا على عبدالقادر بن عبدالله حتى " انتبش " وكأنه يتحرك قادما من التاريخ من فرط كبره في السن وهو يتفرس في الأستاذ احمد دماج مستغربا وهو يردد اهلا وسهلا ما قد به!، يقول احمد، ويقول بأن الاستاذ قال له هناك امرا بقتل منصور ايش في!؟، رجع عبد القادر بجثته الى الوراء وهو يفكر قبل ان يقول: هذه قضية منقوضة ومنتهية اخو منصور هو ذا – وشاف الى عندي – كان عندي قبل يومين وقلت له هذا، انا اخر شيء عملته امرت بتحويل الاوراق الى السكرتارية ليقوموا بكتابة اراء القضاة مجتمعة في نقضها واعادتها الى تعز وبهذا تكون القضية بالسنبة لنا منتهية، فيمَ امر شخصا كان بالقرب منه قائلا له روح السكرتارية وجيب لي كل أوراق قضية منصور، بعد قليل عاد الموظف وهو يقول له لا يوجد أي ورقة تخص منصور سوى هذه ووضع امامه ورقة تناولها عبدالقادر وهو يردد: انا لم أوقع على أي شيء يخص منصور، وتوقيع من هذا! وهذه التواقيع تواقيع من!، انا تكلمت مع كل القضاة وكل قال رأيه في القضية لكن مش هكذا!!! والتفت الى عند الأستاذ بما معناه ان الأستاذ كان على تواصل معه، كلهم كان رايهم هذه ليست قضية، هذه شبهة ولا يجوز اصدار احكام شرعية فيها، انا لا اتكلم مع القضاة في شغلهم الا لأنها قضية خاصة واستثنائية عندنا وفيها، وفيها، وفيها ..ولم يكمل مُكتفيا بالنظر الى عند الأستاذ نظرة لها مغزى!.
يقول احمد (جرينا وشورنا) طوال اليوم الى ان أوشكنا ان ندوخ من التعب قبل ان يلتفت اليّ الأستاذ وهو يقول لي خلاص الظاهر ان الأمر انفضح، ما في قتل، يقول احمد رديت عليه (ما في قتل ايش يا أستاذ!) هولاء قتلة واغبياء فألتفتَ ناحيتي، غاضبا، وهو يقول: قتلة ما اختلفنا ( بس ) اغبياء كيف تجيء هذه!، كيف يكونوا اغبياء وهم يحكموا البلد من عشرات السنيين، يالله يالله انت الاخر لا عاد تجلس (تتسرسر) انتبه لنفسك، لا تزور منصور هذه الايام ولما تزوره بلغه السلام وقول له : اين كوتي؟.
يقول احمد لم انتبه في حينه ولم تعلق في ذاكرتي حتى كلمة كوت. احمد كان يحكي لي هذه الحكاية، او انه حكاها لي بعد وقت طويل وكان الوقت تقريبا في 93م، كان قد اصبح بإمكانهم ( هو ومصطفى) ان يزوروني في وقت واحد، وكنا مع بعض ثلاثتنا في غرفة الزيارة في السجن عندما جاء الحديث عن الأستاذ وكان مصطفي شبه مقيم عنده في بيته ومثل واحد من عياله، تَبَسَمَ وهو يتساءل إلا أقول لك شيء: الأستاذ يقول لي، دائما، لما تزور منصور جيب لي من عنده كوتي، قبل ان ينتبه احمد للكلمة ثم يسرد على مسامعي ما قاله وصولا الى ان يقول لي اين الكوت، انت كيف لم تفكر بكوت الأستاذ، ربما ان للرجل علاقة خاصة به او ذكريات. لم ارد عليه وفقط وجدت نفسي اتمتم: وا خزاءاااااه ايش أقول، وهل أقول بانه تبخر في تلك الليلة الكبيرة من ضمن ما تبخر من كياني وكيان اليمن وأنا معلق بين الموت وبين التعذيب لا ( مجى ولا منجى ) منهما سوى ....كوت.
في وقت لاحق وكنت قد أصبحت في النرويج اتصل بي اخي مصطفي لينهي اليّ خبرا حزينا بان شريكة حياة الأستاذ غادرت الحياة ويطلب مني تعزية كتابية تليق ومباشرة وجدت نفسي اقول له: روح للأستاذ وقول له: انا لا اعزي بهكذا مُصاب، بل اتقبل التعازي ايضا، وطلبت من مصطفى ان يجلس مجلس مروان ومعن في بيت العزاء. وبعد بضعة أيام اتصل بي مجددا مصطفي وهو يقول لي كلمت الأستاذ، كان حزينا وعندما سمع باسمك واستمع مني أطرق الى الارض وهو يتسائل كيف حاله قبل ان يسألني: ايش قال، ايش قال !، اعدت على مسامعه ما قلت وهو يستمع بحزن قبل ان يطرق برأسه مُجددا ناحية الأرض ثم يرفعه ناظرا ناحيتي وهو يهز رأسه مرددا: طيب ، طيب قول له يبطل فلسفة ويرد لي كوتي.
استاذ احمد: اعرف بأنني لم ارتقي بعد الى مستوى ان اعيد لك الكوت، خذ ما كتبته ( جَرَمَا داخليا ) على ان استمر في إعادته اليك: مدائح لا تنتهي لأنسان البسني كوته كتعويذة ضد السقوط.
"3"
كنتُ في غرفة الزيارة مع أخويَّ مصطفى ومحمد حينما دخل علينا مدير السجن وهو يقول استاذ منصور جهز نفسك سوف نأخذك، قلت له وين، اثناء ذلك كان مصطفى قد أصبح واقفا وهو يخضل ويقول بحدته المعتادة: الى اين، لن تأخذوا منصور من هنا الى اي مكان إلا ونحن معه، رد عليه محمد علي سنان باحترام، هناك من سوف يأخذه وسوف نكون معكم، ما في مشكلة ممكن تجيئوا معنا، ممكن يكون الى إدارة الامن، وانا اهم بالدخول قال لي المدير لو سمحت منصور بسرعة. دخلت، وزعت ملابسي وما كان بحوزتي، مبلغ من المال بحدود الفين الفين وخمسمئة ريال، على أقرب المساجين في طريقي الى البوابة الكبيرة التي سوف اتجاوزها الى باحة السجن من الخارج حيث كانت هناك سيارة في الانتظار وأثنان من العسكر فاتحين بابها الخلفي، دلفتُ الى داخلهاوتبعني في الركوب اخويَّ، كانت سيارة نقل المحكومين بالإعدام. تهادت السيارة قبل ان تسرع، لا اسمع شيئا خلا اصوات الناس في مدينة، ولا ارى شيئا خلا أخويَّ، مصطفي ومحمد جالسان امامي تماما، بعد وقت ليس طويلا وصلت السيارة المغلقة تماما الى باحة كبيرة لمبنى لا اعرف لماذا هو، وما ان انزلونا حتى هرع مصطفى الى حيث تكلم مع احد الضباط قبل ان يعود مسرعا ناحيتي وهو يقول سوف ينقلونك الى صنعاء، دعني اخذ اشيائك ونذهب الى الفرزة، ومن هنا نركب سيارة اجرة ونشوفك هناك، ثم غادر على عجل، كان عصبيا وكان محمد، وهو اخينا الاصغر، واقفا الى جواره واجما وكأنه لا يعي شيئا مما يجري حوله، شيعتهما بنظرة وهما يغذان السير مبتعدين ومصطفي يحمل حقيبتي التي كان من الواضح بانها خفيفة جدا، لم يكن قد تبقى فيها سوى ما اقتضت الضرورة ان احمله معي، مجرد امتعة لها مكانة خاصة عندي، من بينها بدلة ( لم تكون زيتونية اللون) .
غادر اخويَّ وكنت قد اصبحت خارج السيارة وواقفا في باحة مليئة بالعسكر فيما سأفهم منه بانه تسليم واستلام، اثناء ذلك، وفيمَّ انا واقف لا اعي إلا القليل مما يجري حولي انتبهت على من يقف امامي مشدود القامة وكأنه يؤدي التحية قبل ان تمتد يده ناحيتي مسلما، مددت يدي بتباطؤ قبل ان يلتقطها بسرعة وهي يقبض عليها مُسلما بحميمية وهو ينظر ناحيتي بإعجاب ويردد: الحمد لله على السلامة يا منصور. بعد وصولي الا النرويج تلقيت مئات التهاني بسلامة الخروج من المعتقل، ومن مختلف انحاء العالم، وفي كل مرة كنت اتقبل تهنئة تلوح قامة ذلك العسكري الشهم طالعة من ذاكرة تلك اللحظة،بإلحاح، اتذكره وبامتنان لكن وباستغراب،أيضا، كيف انني لم ألاحظ حينها كيف، وكم كان يبدُودودا ومتحديا وهو
يقفز من بينهم كلهم لكي يسلم عليّ، بل وأنيقا جدا وهو يرتدي تلكم البدلة الزيتونية.
سوف تستغرق إجراءات التسليم والاستلام فترة قبل ان يُطلب مني ان اتوجه الى سيارة كرسيدا حمراء، على ما أتذكر، طلع الى جواري عن يمني وشمال عسكري مُدجج بالأسلحة على المقعد الأمامي السائق والى جواره جلس ضابط برتبة كبيرة قبل ان تتحرك السيارة وثمة سيارات عسكرية تسبقها وأخرىتتبعها. عندما وصلنا الى صنعاء كانت الساعة تقريبا العاشرة والنصف مساءا، لن اتحدث عن مجريات المسافة الانتقال الى صنعاء عبر تلك الطريق المتعرج، لقد اشرت الى ذلك بشيء من التفصيل في نصكتاب(خارجالسجن، داخل الجسد) المنشور قبل بضع سنوات، ربما اعود الى ذلك وبقدر أكبر من التفصيل في نصوصاخرى. عندما وصلنا صنعاء توقفت السيارة اما بوابة المستشفى العسكري كما سأعرف، وكان عليّ الانتظار طويلا قبل ان يدخلوني الى المستشفى، وانا انتظر وحيدا داخل السيارة المحاطة بالعسكر احسست بأن مثانتي على وشك الانفجار، تفاصيل كثيرة تناولت بعضها في الكتاب آنف الذكر وسوف اعود الى سواها في تناول مستقبل، اتذكر الآن فقط كيف انهم عندما ادخلوني كان هناك اناس كثيرون وكانوا كلهم لابسين بدلات وكأنهم على موعد لاستقبال ما، ليس لي بالتأكيد، اتذكر الآن بأنني طلبت من عبدالعزيز السقاف، وقد اصبحت في واحدة من غرف المستشفى، ان يقترب مني قبل ان اهمس في اذنه: شوف يا عبدالعزيز انا لست جاهزا لأن اقابل اي كان، ارجوك، لم اعد قادرا على دفع اكثر مما قد دفعته ولست في وارد ان اكون مهذبا حتى مع الله سبحانه وتعالى لو انه يجيئني الآن فبلاش، خرج عبدالعزيز مسرعا وما هي إلا لحظات حتى انفض (السامر) من حولي وثمة من يطلب مني ان ارافقه مُحاطا ب(المُرافقين) الى غرفة أخرى، وما ان أوشكت على النوم فيها حتى ايقظوني بهدوءوهم يطلبون مني ان ارافقهم الى غرفة أخرى، سوف يتضح لي، صباحا، بانها كانت اقرب غرفة الى بوابة المستشفى الخارجية، وانا على وشك ان انام احسست بحركة، كان هناك من تمدد على السرير المقابل، وفي الصباح سوف انتبه الى انني نمت بالملابس التي كانت عليَّ، لم استغرب كثيرا، كنت مرهقا، واكيد بأنني قلتُ لنفسي قبل ان انام: يالله،خليني انام هكذا(هوه إلا شميز ومعْوَّزْ عاده مربوط ربط حتى بلا حزام)، حتى لو اجتعث، ايش هو بدلة.
ما تلا ذلك مكتوبٌ عنه في كتاب خارج السجن داخل الجسد ومنه: كأس شاي ويجيئون ثانية. هاهم قد جاؤوا، مبتسمون لا تدري لأي سبب. وجوه نمطية هذه المرة ببدلات رسمية (كأنهم سفراء). كأنك بالساعة قد بلغت التاسعة، والسيل لم يبلغ بعد الزبى. لكن الطقس يبدو رائعا في الخارج. هذا ما تحس به وهم يأخذونك. ها هي السيارة تتهادى ببطء وسلاسة عكس سيارة الأمس، ومثل الغد كما ستلاحظ، مثلما تلاحظ الآن حجم التناقض بين الطقس والشارع. يبدو الشارع مرعباً. آلاف الناس يجرون مسرعين، كيفما اتفق، على غير هدى. آلاف المركبات من جميع الأنواع والماركات. كأنها لا يتم إنتاجها إلا لكي تتناطح لولا (الحرافة)الملحوظة التي يتميز بها سائقوا هذه المدينة، بمن فيهم عبد العزيز،ها هو ذا يسوق السيارة كأنه يلعب بالصولجان بمثل ما تلعب بك الهواجس، وأنت لا تعرف بالضبط إلى أين تتجه بك السيارة. ثمة بيت أنت فيه على موعدمع (البدلة).
في بيت نظيرة كانت افراح موجودة هناك، وكان عليّ ان اتجهز للمغادرة بما في ذلك ان اغير ملابسي التي طلعت من السجن وانا مرتديها. البدلة أكبر مما ينبغي، لكن لم يكن امامي من خيار آخر سوى ان ارتديها، كان هناك دبلوماسيون ورسميون، صحافة ووسائل اعلام مقروءة ومرئية على الجانبين، هناك في مطار صنعاء وهنا في مطار ستافانجر، وما كان ممكنا ان اظهر بملابس شعبية مهترئة، المعوز المربوط ربط والشميز. لكنها كبيرة، اكبر مما ينبغي يا افراح، فترد افراح وهي في منتهى الانشغال: هيا امس كله ونحن في السوق وهذا هو اصغر (سيس) ذلحين البسها وبعد (إلا حلات) وهي تساعدني في ارتدائها، كان من الواضح انها تكتم ضحكة توشك ان تخرج منها ونحن نُهمُّ بمغادرة الغرفة خارجين الى الصالة التي كان عمي، وهو من هو كخياط وكأنيق، قد حضر وهو جالس فيها، ما ان شاهدنا حتى تراجع قليلا إلى الوراء وهو يقول: ايش هذا، كبيرة كثير عليك البدلة، تَلَفتتُ كأني انظر الى نفسي وانا أقول له ( برعب ) ما في غيرها، ايش اسوى!، قال لي: فخمة بس كبيرة شوي، يا لله!. مشت الأمور وصولا الى ستافانجر في سياق (الهيصة والزمبليطة) التي قد أوضحتها في كتاب (خارج السجن داخل الجسد). وفي اليوم التالي، اول يوم استيقظ فيها من النوم خارج السجن والوطن، سمعت جرس الباب يرن، وقفت، فتحت الباب، كان هناك مجموعة من الأصدقاء العاملين في مجال حقوق الإنسان وفي البن انترنشونال وبالتحديد منهم أولئك اللذين من بلدان أخرى غير النرويج، كان منهم أوشين شولجن وماري لويسة واخرين. كلام، هو امتداد لما دار بالأمس،تهاني،استئذان بالسفر على امل اللقاء قريبا وشاي قبل ان يستأذنوا وأوشين يمد لي بجرائد منها جريدة (ستافانجر افتن بلاد)، الجريدة المركزية هنا، في صفحتها الأولى صورتي بالبدلة، وكلام كثير قال لي اوشين بأنه كلام جميل جدا، وهو الامر الذي سوف استبينه في وقت لاحق وانا اقرأه، ثم تّبسم قبل ان يضحك وهو يقول صحفيي هذه الأيام ظرفاء قبل ان يردف وعيونه على (المانشيت) الأكبر في صفحتها الأولى الى جوار صورتي: منصور وصل: بدلة وعيون.
اول مرة ازن نفسي بعد الخروج كان وزني فيها 36 ك. وما ان خرج الأصدقاء حتى هرعت بسرعة البرق الى حيث البدلة، لبستها وتحركت بسرعة الى اما المرآة وانا اتمايل، (اتعصْوَّر) وأنا اساوي البدلة وانظر الى نفسي في المرآة بصعوبة، يداي لا تتوقفان عن دشدشتها قبل ان تهتدي اليمني الى الجيب حيث تذكرت، كان في الجيب ورقة ونحن نهم بمغادرة بيت نظيرة السقاف الى المطار في صنعاء مد بها اليّ مصطفى وهو يقول اقرأ ما فيها جيدا، التقطتها من يده،على عجل، وانا ادزها في جيب البدلة وأقول له سوف اقراها اول ما اصل، اخرجتها من جيبي، فردتها لأقرأ فيها وبخط مصطفي: يجب ان لا يفقد منصور حالة الشد العصبي مباشرة، يجب ان يستمر في حالة الشدْ هكذا، باتجاه ان يتلاشى تدريجيا ويتخلص منه بشكل مريح وبدون أي مضاعفات، كلام آخر بحدود بضعة اسطر ثم فاصل على شكل عدة نجوم بعده مكتوب: لغتك جميلة يا منصور، كثف ما استطعت من جمال هذه اللغة على شكل رسالة شكر لحسن شكري.
"4"
طّفْتُ الرسالة وانا اعيدها بهدوء الى جيب البدلة، البدلة التي انا (ضائع) داخلها وراح شعوري مباشرة الى بدلة أخرى وكأنني (اغادر) هذه، كانت بدلة زيتونية وكانت كما اتذكر كبيرة شوي، ما ازال اتذكر كيف اننا لم نجد (سيس) أصغر منها في الحوانيت التي تبيع (البِدل) في كل راس بيروت، يا الله كم لا أزال أتذكر، واتذكر ذلك الشخص الذي لا يُنسى، المهذب مبنى ومعنى، كل من يختلف معه، حتى من لا يحبه، يقول لك ومع ذلك هو رجل نبيل ومهذب.
في تناول آخر كنت قد اشرت الى ان ابي، وفي أوائل سبعينيات القرن الماضي لاذ بالتصوف هروبا من حالة عامة وأخرى خاصة يدخل في ذلك قناعة، ما في ذلك من شك، تحول بفعل ذلك الى (فقيه) ومقيم للموالد والحضرات، ما أزال أتذكر صوته الرخيم وهو ينشد قصيدة شيخنا في الطريقة الباهوت احمد بن علوان:
تَمارى الشاهدان بنور عقلي
فذا يحيي وَذاكَ يريد قَتلي
فوافقت المشير إِلى التجلي
وَخالفت المشير إِلى التخلي
فَلَو أني نطقت عَلى فنائي
لقلت مقالة الحلاج قَبلي
وَلكن شد من أَهواه أزري
وَقوى همتي وأمد عَقلي
فَبَعضي في فنون الحب فانٍ
وَبَعضي بين إِخواني وأهلي
فَلا أَدري أللإخوان أَبقى
أَم الأهلين أَم لِلَّه أَم لي
فَلي وَجهان مَكنون وَبادٍ
وَلي علمان جزئي وَكُلي.
تصوف ابي تبلور وتوثق على يد (المُريد) العظيم الشيخ (شيخنا في المذهب) الجرادي، وهو شيخا طاعنا في السن (وفي عالم الباهوت) لا يميزه عمّن سواه غير ثرائه الذي كان قد آل الى أولاده، تُقاه وورعه او كونه الوحيد الذي يحوز على مخطوطات الباهوت. كان ابي دائم الجلوس اليه او معه او ان الأخير هو من كان دائم المجيء الى دكاننا الصغير الواقع في شارع الخياطين بمدينة القاعدة، يتذاكران ما طاب لهما قبل ان يهيما في تلك البراري المحيطة بالمدينة، ثالثهما الباهوت. حاز الوالد على ثقة الشيخ الى درجة أصبح بإمكانه ان يستعير منه مخطوطات بن علوان لكي يقرأ منها ما تيسر (وكانت اشبه ما يكون بالعملة النادرة والثمينة). كنت صغيرا في السن وكان ابي يخاف كثيرا ان اخرج من الدكان في مدينةٍ الأمن فيها منفلت وبكل المعاني وهو امر الجأني من وقت مبكر الى القراءة هروبا من الملل وانا محبوس مع ابي في الدكان، قرأت كثيرا، كل ما كان ابي يجلبه من تعز، وقت كان حركيا وفي الحزب لاحقا، من أوراق كثيرة يدخل فيها كل الصحف المصرية التي كانت تباع في اليمن في الستينيات من القرن الماضي بالإضافة الى مكتبة علي امين كلها (عنترة والزير سالم، المياسة والمِقداد، ألف ليلة وليلة كل ما كان فيها وقلت مكتبة!) قبل ان اتعرف على الحزب طبعا وفي سن مبكرة وانخرط في برنامجه لتربية اعضائه على اساس من الفلسفة الماركسية. وما ان حاز
ابي على ثقة الجرادي وصار مريدا حتى أصبح بإمكانه استعارة مخطوطات الشيخ وهو يطلب مني ان انسخ له بخط يدي شيء منها، وبالفعل نسخت معظم أوراق المهرجان والبحر المحيط والتوحيد للشيخ بخط يدي، في حينه، وهو امر لم يقتصر فقط على النسخ بل وعلى القراءة أيضا، لم أكن في سن تؤهلني لإدراك المعنى ومع ذلك كان يكفي ان انخرط في ال (مهرجان) وفي تلك السن المُبكرة حتى تتمازج روحي مع روح (الباهوت) حتى هذه اللحظة.
في تلك المرحلة انتشرت في مدينة القاعدة (الزوايا) و(التكيات) بشكل لافت جدا للانتباه، التأمل والتفكير وهو تأمل وتفكير حصل عندي فيما بعد وقد أصبحت أتذكر واحاول ان أفسر. كان ابي واحدا من روادها وسرعان ما وجدت نفسي احذو حذوه الى (الزاوية) والإصغاء الى (المشايخ)، تعلمت أيضا طرق روحانية ليست عادية في ذكر الله والتقرب منه واليه مثل النحبة (طريقة مهيبة وفعالة لأدراك لحظة توحد او تماهيا ما مع الله او اللامرئي)، من فرط صدقيتها وفعاليتها فقد الكثيرون عقولهم متحولين الى مجانين بعضهم في حب الله والبعض الاخر جنون "رسمي".
سوف تجري مياه كثيرة في مياهي بما في ذلك تجذر وعيي العلمي، لكن سوف استمر مشدودا من وتر يشدني، وعلى الدوام، الى الباهوت والى التجربة الصوفية عموما، الى آفاقها، اقطابها والى المُهتمين بها، اتذكر الآن بأنني وفي النصف الثاني في سبعينيات القرن الفائت كنت في مقيل ما وكما هي العادة كنا نخزن ونقرأ، كنتُ اقرأ في مجلة اليمن الجديد (تقريبا) كنت منهمكا جدا في قراءتها قبل ان انتبه الى رفيق الى جواري وهو يتساءل ما الذي انت منهمك في قراءته الى هذه الدرجة ومد يده ثم امسك بالمجلة من جانب وهو يشدها باتجاهه لكي يصبح متاحا له ان يرى قبل ان يقول هاااه ، وكنت قد اوشكت على الانتهاء من القراءة قبل ان ارفع رأسي اليه وانا اقول له دراسة عن الصوفية من هو هذا الكاتب، قال لي هذا واحد من كادرات حزب الطليعة الشعبية (وكان الناس في حينه يُعَرّفون بانتماءاتهم في اوساطنا).
انا (ابنا) للحزب الديمقراطي الثوري، وقد تربيت داخله من نعومة أظافري لكن وفي الوقت نفسه، وبالتحديد في صنعاء، كنتُ على علاقة وثيقة جدا بحزب العمل عن طريق زميلي في المدرسة محمد حيدر او بحزب الطليعة الشعبية والتي كانت على درجة وثيقة جدا والى حد ممكن ان ترتقي الى حيث يمكن اعتبارها علاقة تنظيمية بمعنى او باخر وكانت عن طريق علاقتي بمنصور عون، ما ان استمعتُ الى ما قاله رفيقي حتى تبادر الى ذهني ان اذهب اليه في أقرب فرصة واسأله عن حسن شكري.
"5"
في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبالتحديد في ظلال سلطة الحمدي انطرحت وبقوة مسألة توحيد فصائل اليسار في حزب واحد على مستوى اليمن عموما، التوحيد في عدن كان قد انطلق وصولا إلى ما قد اصبح معروفا في حينه بالتنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية )، هنا انطرحت المسألة بشكل مختلف وان كان يتقاطع مع ما حصل في عدن، يُذكر في هذا السياق بان عبدالقادر سعيد كان له تحفظات حول تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني الذي تأسس في يونيو 1968م، كان رأيه ان يتم تأسيس حزبا واحدا لكل المقتنعين بالفكر الاشتراكي العلمي بما في ذلك الجماعات التنظيمية التي كانت قد تكونت في الستينيات بتوجهات اشتراكية، لكن جرت المياه بما لا تشتهي سفنه وصولا الى النصف الثاني من السبعينيات وتحت ضغط الحاجة لوحدة (أداة الثورة) او أداة موحدة للثورة يمكنها ان تنهض بمسئولية توحيد اليمن التي انطرحت بقوة حينها.
تحدثنا عن الحوار الذي دار وكيف أفضى الى الوثائق الثلاث، كيف افضى الى تأسيس الجبهة الوطنية الديمقراطية في 11 فبراير 1976م وهو يؤسس حقيقة لحوار أعمق هو الحوار الذي افضى الى وحدة فصائل العمل الوطني اليمني الديمقراطي حقيقة، اي فصائل اليسار. الانقلاب الذي اودى بحياة إبراهيم الحمدي بالتداعيات التي اعقبته جعلت من هذه الوحدة مسألة (حياة او موت)تعبيرا عن ضرورتها خاصة وقد اقتع الكادر المتقدم في تلكم الفصائل بان بقائها مشتتة ليست مسألة عفوية سيما والجميع يطرح نفس الطرح وينطلق من نفس الاسس والمنطلقات، وهو الامر الذي يؤشر الى مسالة (صعود المثقف) في تلكم الاحزاب على حساب السياسي الذي هيمن عليها من اواخر الستينيات وهو امر يجب ان يُستشف من خلال هذا السرد. في وقت لاحق سوف اكون قد اصبحت في سوريا، وفي حلب بالتحديد مسؤولا عن منظمة الحزب الديمقراطي فيها (جامعتي حلب واللاذقية ايضا ووضعا حزبيا يتيما في كلية الطب البيطري في حماه)وكان النقاش حول التوحيد قد حُسم وكل ما يتعلق به من مسائل كانت قد اصبحت محسومة تماما ومن قبل، لكن كان ينبغي توحيد الوضع في سوريا عموما على اساس من تأسيس الحزب الموحد الاشتراكي رسميا، حزب الوحدة الشعبية كاسم كودي له في الجمهورية العربية اليمنية خصوصا. وعلى اساس من عملية توحيد الوضع هناك اصبحت عضوا في اللجنة القيادية لمنظمة الحزب في سوريا مسؤولا تنظيميا على منظمتي جامعتي حلب واللاذقية، الى ذلك مسؤول الرقابة الحزبية على منظمة دمشق، السكرتير الأول للمنظمة كان علي الرياشي، وكان هناك في سياق العملية التي قادت الى توحيد الوضع ابوبكر القحطاني عمل، علي الكاف اتحاد الشعب،عبد الله المجاهد /طليعة، لم اكن موجودا بشكل مباشر، ما جرى جرى في دمشق وان كنت في اجوائه وكنتُ في حلب وعلى علاقة متميزة وخاصة بمحمد حيدر عمل حيث جماعة حزب العمل كلهم تقريبا اوبعبد الرزاق سفيان او ياسين الذي سألتقيه اول من التقي في حلب وعلى شكل يجب ان يروى.
اول ما وصلت الى دمشق، ضمن دفعة من خمسة وعشرين طالبا لدراسة الزراعة على حساب وكالة التنمية الدولية في جامعة حلب، استقبلنا في المطار موظف في السفارة ثم نقلنا الى فندق يقع في قلب العاصمة دمشق،ونحن في (رسيبشن) الفندق وفيم ّموظف السفارة يجري معاملة انزالنا هناك كُنتُ اتلفتُ حولي مثل ما كان ابي يتلفت في السجن عله يجد النبي الخضر مُتغررا علي هيئة مسجون، كنت اتلفت وعندي احساس بان ثمة طلاب سوف يكونوا في استقبالنا ايضا، بمعنى حزبيين، كنت احمل رسالة وكان في بالي ان اسال عليه اول ما اصل، قبل ان ايأس شاهدت طالبا(لا يلفت الانتباه) وكان يجلس وحيدا، قلت في نفسي هذا اكيد واحد مننا، اقتربتُ منه مسلما وانا اسأله الاخ طالب هنا! رد عليّ بنعم وكان يحك المنطقة التي في خده تحت العين وفي مُحاذات الأنف تماما مثل اسماعيل النجار، سلام وكلام وفجأة قلت له تعرف علي الرياشي؟ تراجع قليلا الى الوراء وهو يقول لي هاه، اعدت السؤال قبل ان يرد عليّبأيه ايه، هو طالب في كلية الطب بس (معرفوش)، فهمتها، قلت له (ليش ما تعرفوش)، مثل المُرتبك رد عليّ: انا في طب الاسنان، اهاه قلت له أنتمأطباء إذا، ومثل الذي اطمأن رد عليّ بسؤال تعرفه؟ قلت له لا، من اقاربك قلت له لا، طيب مو تشتي منه، قلت له اشتي اشوفه، حك ذقنه مثل ما يفعل اسماعيل النجار تماما بأصابعه الخمس، مشت الأمور، قال لي متى تشتي تشوفه قلت له الان لو ما في مانع،كما ترى وصّلونا للفندق وقالوا بأنهم سوف يرجعون لنا بكرة، خلينا نروح الان. اخذني ورحنا، لم يكن موجودا في بيته، قال لي خلاص ممكن نرجع له بكرة صباحا، هذه الأيام ما فيش دراسة، اعادني الى الفندق وهو غادر قبل ان يعود بكرة.
في البيت الذي يقع في حي ركن الدين في دمشق قابلت علي الرياشي: مربوع القامة في ميل الى ان يكون قصيرا وهو ممتلئ بتقاسيم وجه تثير الارتياح في متأملها، سلم عليَّ وكأن لسان حاله: اكيد هذا واحد مننا قبل ان يأخذني الى مطبخ شقته، مطبخ نظيف جدا والرياشي عموما نظيف وانيق والى ذلك طباخ ماهر، اوصلت له الرسالةسألني عن سعيد قلت له معرفوش ضحك، تفاهمنا قبل ان يقول ليمالك شغل هنا في دمشق انت في حلب، عندنا ثلاثة رفاق في حلب، أوضاع خاصة، روح شوفهم، قلت له سوف يجيء الى هنا مئات الطلبة، على اثر قطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وايقاف ايفاد الطلاب الى الدراسة الى هناك والى دول ما كان يسمى بأوروبا الشرقية وفيهم عشرات ان لم يكن مئات من رفاقنا، قال لي حلو انت الان سوف تذهب الى حلب، تدبر امورك وعندما يصلوا سوف نتواصل، خليك معنا امشييك في دمشق، قلت له لكن البقية سوف يسافروا اليوم، قال لي ما في مشكلة، الدراسة لم تبدا بعد وفقط ابلغهم وقول لهم بانك سوف تتأخر وما في مشكلة حول كيفية الوصول. جلست عنده بضعة ايام وفي اخرها جاب لي اسماء رفاقنا قبل ان يردف وهناك ايضا طالب طب قديم، هو شخص جيد جدا ابدأ بالتعرف عليه هو من الطليعة الشعبية، انتبهت في داخلي وانا أتساءل: كيف نسيت او لم اتمكن من سؤال منصور عون، قال لي مالك قلت له ولا حاجة، قال لي خلاص بلغة السلام الكثير وهو سوف يفهم، ثم اخذني الى موقف الباصات، اشترينا تذكرة في وقت سوف يكون وصولي فيه الى حلب السابعة مساءا حيث سوف يكون مقر اتحاد الطلاب العرب ومن ضمنه اتحاد الطلاب اليمنيين مفتوحا وما عليّ سوى ان اتجه الى هناك واكيد سوف اجد من يدلني على افراد الدفعة، اين هم لكي التحق بهم.
اول ما وصلت حلب، في تلك الساحة التي لم اعد اتذكر منها سوى مبانيها العتيقة او كونها ساحة وقوف الباصات، وهي ساحة تقع بالقرب من الحديقة العامة، نزلت من الباص، اخذت حقيبتي وانا اسأل عن المقر، مشيت في الاتجاه الذي دلوني عليه وفي منتصف الطريق أو الشارع المؤدي قطع طريقي مربوع القامة مائل الى الامتلاء وهو يسالني: انت يمني قلت له نعم، طالب جديد، بعدي واصل، أين مقر اتحاد الطلبة العرب، قال لي قريب، هنا، تعال أخذكالى عنده ثم اردف قبل كم يوم وصلت مجموعة، قلت له انا واحد منهم بس تأخرت عند قريب لي في دمشق، ممكن اساعدك: سألني وهو ينظر ناحية الحقيبة التي أنوء بحملها وقد كان الارهاق باديا عليَّ– علي الرياشي قطع لي التذكرة وكان مفروض يأخذني الى مقر الباصات محمد أبو طالب الذي عجزت عن ان ايقظه من النوم فتصرفت وصولا الى مقر الباصات المغادرة الى حلب علما بان المسافة من دمشق الى حلب بالباص اكثر من ست ساعات، ان لم تخني الذاكرة– لا، لا، قلت له اشكرك انت من!، قال لي انا طالب هنا، مددت يدي ناحيته اول مرة وانا أقول له: منصور راجح، مد يده ناحيتي أيضا وهو يقول: عبدالرزاق ياسين، تراجعت قليلا قبل ان أتقدم ناحيته اكثر وانا التقط كفه واضمها في وضع المصافحة وبدون وعي أقول هاااه اهلا اهلا كيفك، كيف حالك، تراجع قليلا الى الوراء وهو يقول لي، مُستغربا، وربما مذعورا، وهو يحملق ناحيتي باندهاش ويسأل تعرفني؟ تلعثمت، مُنتبها، وانا أقول له: لا، لا، فيما اجتاحني مجددا التساؤل السابق كيف انني نسيت او لم أتمكن من ان اسأل منصور عون قبل ان أقول:علي الرياشي يبلغك السلام، وكان في ذهني ان الأخير قال لي بانه في حزب الطليعة الشعبية، ثم قلت له وانا اتلفت حولي: ياااه حلب تبدُ مدينة صوفية وكنا قد بدأنا نواصل السير في اتجاه المقر وفي ذهني ان اسأله أو انني لم اكن في وارد ان أقول له حينها بان اسمه اخذني مباشرة الى حسن شكري.
"6"
عد ان تحققت الوحدة اليمنية( 1990م) اقر ما أسمي بمجلس النواب ل(سلطة) الجديدة جملة من المواثيق والعهود الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان،ما امكن معه وعلى اساس منه لمنظمةٍ عالمية كمنظمة العفو الدولية أن تأتي إلى اليمن للتحري على مستوى الواقع (ميدانيا) لحالة حقوق الإنسان ولمعرفة مدى الإنتهاكات الحاصلة، بنتيجة ذلك أنجزت المنظمة تقريرا ضافيا صنفت في متونه الحالات الماثلة لانتهاكات حقوق الإنسان وهي تفرد وضعا خاصا بي كسجين رأي بموجب تقرير ضافٍ بعنوان (منصور راجح: سجين رأي محكوم عليه بالإعدام) – نشر باكثر من سبع لغات –على أساسه أمكن لحملة دولية أن تتصاعد مطالبة بإطلاق سراحي، حملة لعب فيها ال(بن انترناشوينال) دورا استثنائيا ومتميزا. عندما زارني وفدا من منظمة العفو الدولية، اول مرة، سوف يقول لي: لدى المُنظمة علم بالقضية، من وقت مُبكر، لكن ما كان من الممكن ان نعلن عن تبنيها، وما كان ممكنا الإعلان عنها، هناك من يحبك ولقد كان رأيه، من وقت مبكر، انتبهوا أي إشارة لمنصور سوف يقومون بتصفيته فورا، بشكلٍ او باخرا، نحن نحاول الآن وبقدر المستطاع فقط ان نحول دون تصفيته، منصور يجب ان يبقى على قيد الحياة.
وما ان انفتح اليمن على مرحلة ( انفصال البحر عن مدن الرماد)كنت وحدي وكان امرا مرعبا ان اجد نفسي خائر (الكلام ) امام ابي في المُعتقل وهو يسألني: ايش يشتوا مننا يا ابني، امي وهي تجيء من القرية ولا تتحسسني كالعادة اول ما تشوفني بل تباشرني ب: هيا موه يا بني قد ذاهم اصحابك يقولوا انهم حُكام، لم اكن املك الجواب، ومع كل سؤال كنتُ، بوعي او بدون وعي، الوذ بحسن شكري وأنا اتخيله بجسده النحيل، اكاد اسمعه وهو يقول بصوته الهادي الوقور وكأنه يكلم نفسه: ايش في يا جماعة(طلبوا مننا كشفا اعديناه لهم وارسلنا به واسم منصور اول اسم، رجع الكشف من مجلس الرئاسة بدون اسم منصور، اعدنا كتابة الكشف ووضعنا اسم منصور اخر اسم وارسلنا به، رجع الكشف وقد سقط اسم منصور، اعدنا كتابة الكشف للمرة الثالثة وحطينا اسم منصور في منتصف الكشف، رجع لنا الكشف من مجلس الرئاسة وقد طار اسم منصور) او وهو يوصّي لي: قولوا لمنصور يتماسك ولا يُفْرِطْ كثيرا في التفاول، وقولوا له ما شنسيبوش، قد اكلوا مننا كثير!،فتعود بي الذاكرة الى زميل حسن شكري عبدالسلام الدميني شهيد السلام والديمقراطية او حسن نفسه وهو مستميت في تسويق وطباعة وتوزيع برنامج السلام والديمرقراطية الذي هو واحد ممن صاغونه في الفترة التي اعقبت حرب 1079م،(اشتي طبعة مليحة وتكون شوي فخمة يا منصور للبرنامج، انت تعرف اليمنيين يحبوا البهرجة، اشتي البرنامج يوصل لكل الناس)، وما ازال اتخيّله – حسن–ويديه تمتدان بمخطوط كتاب عبدالسلام الدميني شهيد السلام والديمقراطية وهو يردد: هذا عبدالسلام يا منصور، عبدالسلام ويشيح بوجهه بعيدا وكأنه يعتقد بانني لن الاحظ كيف انه يمسح دمعة قبل ان يعاود النظر الى مخطوط الكتاب، قبل ان ندفع به الى المطبعة، وهو يقول كالذي يكلم نفسه: انه عبدالسلام، والدمعة ما تزال تتجلجل في عينيه.
وبدلا من برنامج السلام والديمقراطية، بدلا من برنامج السيادة للوطن/ الديمقراطية للشعب/ الوحدة لليمن عقدت (الفعاليات السياسية التقليدية)(بما فيها حقنا) اجتماعها الموسع العلني المشترك تحت اسم (المؤتمر الشعبي العام/ أغسطس 1982) واتفقوا على (الميثاق الوطني) كدليل (مهلبية) لممارسة السلطة التي ستصبح من هذا التاريخ (سلطة المؤتمر الشعبي العام) كتبرير وواجهة لسطلة القوة الغاشمة وبذلك يكون نظام سلطة صنعاء قد تماثل مع النظام القائم في عدن من حيث الحزب الواحد ( عيبة المجذوب) الذي يحكم هناك ، الأمر الذي إذا قراء مع صيغة (المجلس اليمني الأعلى) الذي تكون كهيئة مرجعية واحدة تحتكم أليها سلطتا الشطرين لأمكننا القول بان السلطة في اليمن، عموما، وضعت أقدامها هذه المرة بجد علي طريق وحدتها. لقد حسموا تناقضاتهم، فثمة جديد يتخلق كأفق للحوار الوطني الديمقراطي الذي انطرح ابتداء من أوائل الثمانينيات على قاعدة برنامج السلام والديمقراطية الذي اقترحته الجبهة الوطنية الديمقراطية مُكثفا -هذا البرنامج -بشعار الجبهة الصائب (السيادة للوطن. الديمقراطية للشعب. الوحدة لليمن)قبل ان يتعمد بدم عبد السلام الدميني –رئيس لجنة الحوار وممثل الجبهة في صنعاء – واخويه، وللأمر مقدماته فقد انطرح أواخر السبعينيات وبقوة شعار وحدة أداة الثورة اليمنية ونُظر أليها بوصفها (الحزب الطليعي) الأطروحة التي أمكن لها أن تحشد أكبر صف ثوري ممكن في عموم الساحة اليمنية فيمّ أفضى إلى عقد المؤتمر التأسيسي للحزب الاشتراكي/ حزب الوحدة الشعبية، الحزب الذي وُإدَ في حرب 1979م، أو على ساسا من مخرجاتها، والمشروع، مشروع توحيد قوى الثورة الذي أجهض لصالح توحيد قوى السلطة. لقد مثل قيام المؤتمر الشعبي العام ومعه المجلس اليمني الأعلى انتصارا للسلطة ومنطقها على حساب السياسة وبرنامجها، برنامج السلام والديمقراطية وعلى حساب القوى التي عبر عنها لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع على السلطة، وفيها، كنا نحن وقوده، وان كان وعند هذه النقطة بالتحديد ما يزال انتصارا على الورق، بيد انه الانتصار الذي سوف يتبلور مُتغذيا على دمائنا وهو يسير بالبلد من مجزرة الى اخرى، انتصارا على مستوى الشكل اما على مستوى المضمون فثمة احتقانات خطيرة وثمة حراك في العمق السلطة بحساسيتها تدرك معناه جيدا، من حيث المحتوى ثمة جديد (مثقف) يتخلق رأت فيه السلطة، وما تزال، العدو القديم الجديد الذي يجب تصفية الحساب معه لولا انه جديدٌ غير مرئي لها ولذلك فعليها ان تجده، عليها ان تختلق شكلا له (تجسيد ) ان لم تستطع وضع اليد عليه (كجسد). ان اول ما عمدت اليه السلطة هو القيام بأكبر حملة اعتقالات نفذتها اجهزتها القمعية ولم يجف بعد الحبر الذي كُتِبَ به الميثاق او اتفاق ما سُميَّ بالمجلس اليمني، عليها ان تجد شكلا لعدوهاجسد ان لم تجده فعليها تجسيده، عند هذه النقطة كنتُ حاضرا بشعري الافروا، الجينز وعليه ما يشبه البلوزة النسائية، لكنه الكادر المتقدم والحامل للفكرة و( هكذا تكلم زادشت )، كنتُ حاضرا بكوت الاستاذ وببدلة حسن، كوت الأستاذ الذي تبخر تحت التعذيب متحولا الى(تعويذة ضد السقوط) او بدلة، ما ازال مجتهدا في محاولة التذكر اين يا ترى اختفت، وكأنها تتحول الى مجرد ذاكرة، وذاكرة فعّالة مادمت،هنا والان، في النرويج، البلد البارد والمُحتاج، على الدوام، الى ان يلبس المرء فيه ثيابا تقيه من البرد كأن تكون بدلة حسن شكري .
لقد كنتُ واحدا من مئات طالهم الاعتقال اولا، ثم وعلى ذلك الاساس أُعيد اعتقالي وتلفيق اتهام كيدي ضدي، على ذلك الاساس يجب قراءة ما حصل لي لاكحالة يتيمة او شاذة، بل بصفته قضية تكثف فيها طابع السلطة في اليمن كما تشكلت من اواخر السبعيينيات كسلطة اقلية حاولت، ولا تزال تحاول،فرض هيمنتها بالقوة الغاشمة، قامرت، وما تزال تقامر، بكل شيء في اليمن من اجل دوام سيطرتها، حاولت، وما تزال تحاول، ان تجد عدوها جسدا، ان لم تجده عليها تجسيده، لقد حدست السلطة بشخصي عدوها، الجسد والتجسيد، وهي تنزل أو تمارس البطش الذي اعتقدت بانها في حاجة ماسة، وما تزال في حاجة ان لم تكن حاجتها الدائمة، الى اظهاره، هكذا وجدت نفسي اقول لسيموند عثمان عندما جائني اواخر او بداية 1992م، لم اعد اتذكر. كان يصغي اليّ بعمق، اجبت على اسئلة كثيرة، كان من قسم البحوث في منظمة العفو الدولية، يجلس امامي على طاولة صغيرة في غرفة ملحقة بالسجن وكانت تجلس قريبة منه رملة الخالدي، استمر اللقاء حوالي ساعة قبل ان يقول لي سيموند: معلوماتنا بانك تعرضت الى تعذيب وحشي، ثم ركز عينيه باتجاه عينيّ قبل ان يباغتني بالسؤلا: هل ما تزال تحت التعذيب (وكان قد مضى عليّ في المُعتقل حوالي تسع سنوات)، اطرقت بعينيّ الى سطح الطاولة ولم اجب، يُخيل لي الآن بأنني بكيت وأنا اقول، بيني وبين نفسي، من سوف يصدقني لو انني حكيت، دعك من ان تجد نفسك مع ابيك وعمك وجها لوجه، على مدار اللحظة والعمر، وثلاثتكم مُنتظر ان يجيء الجلاد كي يأخذك الى حفلة الدم حيث تذبح كما تذبح الشاة، بل واقسى بالنظر الى حفلة المزاد التي تسبق عملية الذبح من مراضاة صاخبة ل(ورثة المجني عليه!!!) للقبول بالدية، مناشدات ل (أهل الخير) من عنده القدرة على ان يشتري دمك، يعتقك لوجه الله،وكله كفة و(اكتب وصيتك وصلى " على نفسك " ليومين ثلاث او أربع قبل ما نجيء) كفة أخرى،
ان تجد نفسك، ولعمر كامل وجها لوجه مع كل من ابيك وعمك تحس بالرعب، رعبك ورعبهم، في عيونهم قبل ان تشعر به، تعرف بانك جائع وقت وانت تلاحظ كم هم في أمس الحاجة الى لقمة حتى لو كانت قضمة من كدمة، أو ذلك الكفاح اليومي لستر العورة بما تيسر من اسمال،
ان تهرب من مرأى ابيك وهو يهرب، يهرب هو من ان يراك على ما انت عليه وفيه، قليل الحيلة مُذل زائع ومهان بفعل فاعل وبدون ما ان يكون بمقدوره عمل اي شيء حتى ان يبكي، ليس سوى النحيب يجري فيه مجاري الدم،
ان تجد نفسك في حالة من لا يستطيع ان يحط عينيه في عيني ابيه واذا ما تقابلت عيناكما هربتما، كلاكما وبسرعة البرق، من بعض وكأن لا احد منكما يريد للاخر ان يرى في عينيه دمعة تتجلجل وهي تأبى ان تتدحرج بعيدا عن العين، دعك من اساليب افتك بكثير واخطر من ان يُعبر عنها اومن الممكن ان تُعرّف بالكلمات العادية، إيلاما افضع من ان يوصف بمفردات اللغة، الما من غير الممكن وصفه مالم يكن وصفا لحالتي الأن وانا احاول ان اتذكر، ارفض ان اتذكر فاهرب، اهرب الى البُكاء، ابكي كما افعل الآن بالضبط وأنا اهتز واهز الكرسي الذي اجلس عليه والطاولة التي اجلس اليها واتذكر كيف اني كنت قد وضعت وجهي على سطح الطاولة التي كان يشاركني الجلوس حولها سيموند ورملة الخالدي في تلك الغرفة القذرة من سجن تعز قبل ان انتبه الى ان الرجل ورفيقته في حالة من يلملم اوراقه اشارة الى ان موعد( السفاط) قد انتهى، رفعت وجهي ناحيتهما ولم يكن من الممكن ان لا الاحظ كيف انهما يتحاشيان، هما الاخران، النظر اليّ، مُستمران في تهيئة نفسيهما للمغادرة قبل ان يلتفت اليّ سيموند وهو يسألني: تعرف حسن شكري ؟ بدون ان يعطيني ما يكفي من الوقت للإجابة، لقد كانا في حالة انصراف وكنتُ او ان سؤاله جعلني ارتد ببصري ناحيتي، البس فوطة وعليها كنزة لونها ليس زيتونيا، غابا عن عينيّ خارجان وثمة من كان عليه ان يعيدني الى الزنزانة، في طريق العودة الى الزنزانة كنت احاول ان اتذكر مصير بدلة كان قد اشتراها لي، في بيروت، حسن شكري.
عن: التغيير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.