في جبال قريتنا المتوسطة لاشرقية ولاغربية نصبت دارنا في منتصف سفح الجبل تشرق الشمس من شباكنا الشرقي وتغرب من زجاج قمريتنا الغربية !! هذا المنزل المبارك لم يأمر الله ملائكته ببناءه ولم يتخذه فرعون صرحا ليبلغ السماء ولا تسلمت به الشياطين لتسترق السمع ، فهو صغير جدا ذو طابق واحد فقط باع أبي عقد والدتي المهدى لها في حفل زفافها وبناه على أرضية تابعة لجدي كنقلة نوعية للأستقلال عن هيمنة الجدات كما قالت أمي ، قامت عليه حضارة لعب وحب وتشاطر لكل اللحظات التي أنتجتنا خريجين وطلابا إن لم نتخرج بعد فسوف تنبذنا الجامعات قريبا عن عشها لتفقس بيضات أخرى!!! في التغريبة الدراسية عن الأهل وعن القرية وعن شتاء القرية الذي إن ألف الجميع مفارقتي لن يألف برده السهر دوني ، وعلى امتداد غياب طويل تدلت منه أشواقي كالمصابيح لتضيء الدروب علني يوما امشيها في الظلام فتدلني لقريتي، تجمدت كل فرحاتي وحنطت مخافة التلف ليوم لا ريب فيه هو يوم الرجوع إن شاء ربه ! في شرفة الحنين وقفت ككيس بلاستيكي زرعت به أشجار من "الشقر" لم تزهر سوى حنين آخر ولم تفح سوى هفوات لرجوع !! وأنا على هذا الشجن أحيانا ولو سذاجة مني أتمنى لو أكون شجرة نعناع يمتد جذرها تحت الأرض لقريتنا لينمو هنالك غصن مني بكل مشاعري وبكل حنيني وبكل اشجاني .. فأهبه الفرح قلادة تتعلق في عنقه .... واحيانا آخرى لا اتذكر أن والدتي انجبت عشرة أولاد شتتتنا الدروب كحبة سوداء ذرتها في هذه الأرض ، لكني أومن أننا كنا يوما سوية تحت يداي والدينا العزيزين وهم يمسحون تحنانا على شعورنا ويقبلوننا كأطفال وطفلات دون تفرقه لا لجنس ولا لعمر !! سنين تمر وتلهمنا المنافي وتبهمنا المرافئ فنظل نحن نحن بدون هوية على الشطآن نود لو تيح للبحارة معرفتنا فنذهب حيث نشتهي لكن أيشتهي الإنسان هويته غريبة دون أهله ؟... في الغربة وسكين تطعن وأخرى تنزع في نفسي تقول لي ودمائي تقطر منها :"غريب أنت " تذكرني والداي إخواني وأهلي وصحبي القداماء وقريتي وبعد صمت قليل أتذكر ماقاله أحمد مطر"...هي أشياء لا تشترى، أترى حين أفقئ عيناك واضع مكانهما جوهرتين أترى"؟؟ وأجيب لا بل مستحيل لاتشترى ، قريتنا لا تشترى وأهلي والدي لايشترون وفي الغياب لا يبيعهم الحنين ويفضل فقره للأبد مخافة أن يبدلهم بغيرهم ....!