بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    الإنذار المبكر في حضرموت يحذر المواطنين في هذه المحافظات من اضطراب مداري وسيول مفاجئة    "الفلكي الجوبي يتنبأ بِحالة الطقس ليوم غدٍ... هل ستكون أمطارًا غزيرة أم حرارة شديدة؟!"    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    غزو اليمن للجنوب.. جرائم لا تسقط من الذاكرة    الحكومة تدين اختطاف مليشيا الحوثي للصحفي العراسي على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات القاتلة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    استشهاد 5 نساء جراء قصف حوثي استهدف بئر ماء غربي تعز    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية خرج بجدال وصراع فكري بمقاييس جديدة .. فما هو السبب؟
نشر في عدن الغد يوم 07 - 10 - 2020

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( السادس والعشرون )
متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :
تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق ل" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .
وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .
وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .
حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه
تقييم القرارات والاستنتاجات ماذا جاء فيها
يتابع لنا الرئيس ناصر في هذه الحلقة حول تقييم القرارات والاستنتاجات التي خرج بها المؤتمر حيث يقول :" من أية زاوية يمكن تقييم القرارات والاستنتاجات التي خرج بها المؤتمر؟
إنّ ما أورده كل من أحمد عطية المصري(1) وفيتالي ناؤومكين(2) في كتابيهما عن تجربة الثورة واليمن الديمقراطية لا يخلو من الصواب، ويجسّد كثيراً من الحقائق. فقد أجمعا على أنّ ثمة تصورين متنازعين برزا في صفوف الجبهة بشأن مستقبل التجربة: الأول، ينادي بالتمهل في الإجراءات ومراعاة أوضاع التخلف وفقر موارد البلاد ومواجهة القوى المعادية للجمهورية. وترى وجهة النظر هذه أنه "يمكن إبقاء مؤسسات الدولة القديمة، ولكن ينبغي تطهيرها من العناصر المشبوهة والمعادية وغير الكفوءة". وتميل هذه النظرة إلى نظام الحكم الرئاسي مع إعطاء سلطات عريضة لرئيس الجمهورية. فيما نزع التصور الثاني إلى "تعميق فكر واستراتيجية الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء"، والمطالبة بتقويض مؤسسات الدولة القديمة، وأبرزها الجيش والجهاز الإداري الموروث، والبدء ب"إقامة الحزب الطليعي الثوري"، وإجراء إصلاح زراعي "جذري" بانتزاع الأرض من الملّاك الأغنياء دون تعويض، وتوزيعها على فقراء الفلاحين "وتحويل الاقتصاد من الخدمات إلى الاقتصاد الإنتاجي".

فكر الطبقة العامة
ويشير في حديثه :" إلّا أنّ هذا يشكل وجهاً واحداً من الواقع؛ فاصطلاحات "جهاز الدولة القديم" و"فكر الطبقة العاملة" و"المؤسسة العسكرية" تحتاج إلى كثير من التدقيق؛ فهي ليست متحققة على الأرض، ولا وجود لها إلا بحدود ضئيلة لا تكاد تتبلور إلا ضمن دورة تاريخية كاملة لم يحن الوقت لها. كذلك فإنّ التصورين المعنيين يتداخلان معاً في خضمّ الصراع، فتتنقّل رموزهما من موقع إلى آخر، لاعتبارات ذاتية أو مصلحية أو إدراكية، ما يُلقي على أبعادهما الفكرية والأيديولوجية المفترضة بعض التعتيم والشك.
غير أنّ الحقيقة الأهم من ذلك كله، أنّ التصادم اللاحق في القيادة (والجبهة) قد جرى فعلاً على أساس تصورين: أحدهما كان ينزع للاندفاع في الإجراءات الثورية، والآخر لا يجد حكمة في تلك الإجراءات في الظروف الملموسة التي كان يمرّ بها اليمن الجنوبي. وقد حصل ذلك التصادم في خضمّ فوضى من الشعارات والتوصيفات "اليسارية" و"اليمينية" و"المبدئية" و"التحريضية" وغيرها مما لم يكن ينطبق على ما يحدث إلّا في حدود الافتراض وضمن دواعي التحريض وتهييج العواطف وإثارة الكراهية.
إنّ اتهام كل من يدعو إلى الإصلاح المتأني العقلاني ب"اليمينية"، وكل من يدعو إلى الإصلاح الانقلابي ب"اليسارية"، قد ألحق الإساءة بمضامين المقولات الفكرية ومحتواها، وحطّ من قيمتها، إذ تحولت إلى محض اتهامات كافية لإطاحة الساسة ممّن لهم آراء معيّنة في الأحداث والخيارات المطروحة، دون أن تكون بالضرورة على أساس برنامج متكامل يساري أو يميني.
مخيّلات انتهازية
ويستدرك ويقول :" وقعنا جميعاً في ذلك الفخ الذي صنعته مخيّلات انتهازية، وكنا في الحقيقة حرصاء على تطوير التجربة، وأُمناء على مصلحة الثورة، وفي الوقت نفسه حسني الظن بمصدر تلك المقولات التي آن أوان أن يتحمل نتيجتها المدمرة ملفِّقوها الذين فرضوها على المسيرة فرضاً، دون تروٍّ أو احترام للواقع. ومن بين أولئك جميعاً، يمكنني أن أشير إلى مسؤولية نايف حواتمة الذي نقل "أنماط" المساجلات في الساحة اللبنانية ومن الكتب النظرية التي كان يقرأها إلى ساحة الجنوب اليمني بكثير من العسف، مستغلاً قناعتنا الشفافة والراسخة بجدارة الفكر العلمي في تقديم الحلول الشافية لبلادنا. وهي قناعات اهتدى إليها الكثيرون منّا قبل انتصار الثورة وحتى قبل اندلاعها. وربما تعرّف إليها بعضنا قبل الاهتداء إلى تنظيم حركة القوميين العرب والجبهة القومية. وينبغي أن أقول إنّ العيب ليس في تلك القناعات، بل في أولئك الذين أعادوا تفصيلها وفق مقاصدهم، ومن دون أدنى شعور بالنزاهة.
ليس من أدنى شك في أنّ المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية ونتائج أعماله قد أطلقت العنان للمُلاسنة والجدل والصراع الفكري بمقاييس جديدة، وتكونت للتيارات والآراء منابر وقنوات، وبرزت أشكال للولاء والاحتراب والاصطفاف، ما أقصى الموضوعية عن المواقف والتحليلات، وكان هذا في حدّ ذاته مرتعاً للانتهازية ولنزعة التآمر والتكتل غير المشروع، الذي عانينا منه طويلاً. وكنتُ متأكداً من أنّ بعض الذين كانوا ينظرون إلى التطرف باسم اليمين واليسار لا يؤمنون بالأفكار التي كانوا يتحدثون عنها أو يزايدون باسمها، وسلوكهم وممارساتهم وتنظيراتهم ليس لها علاقة بالعمال والفلاحين والكادحين، وإنما كانوا يزايدون في ذروة التطرف والترف الفكري الذي كان سائداً حينها بعد نكسة حزيران 1967. وتأكد لنا لاحقاً أنّ البعض منهم انتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بل إلى أحضان الدول الرجعية التي كانوا يطالبون بإسقاط أنظمتها.
ما بعد المؤتمر الرابع
الصراع على السلطة
حول الصراع على السلطة يردف بالحديث ويقول :" خرجت الجبهة القومية وقيادتها من المؤتمر الرابع، وهي تغلي بالصراع الفكري والتنظيمي. كانت قرارات المؤتمر ووجهاته موضع الانشقاق داخل القيادة إلى فريقين: الأول، أطلقت عليه الوثائق والكتابات السياسية صفة "اليساري"، في إشارة إلى تمسكه بنصية القرارات والأفكار التي تقوم عليها، عازماً على تطويرها قدماً نحو تجربة "ثورية" و"ملهمة". والثاني، وُصف ب"اليميني"، وكان ينظر إلى تلك القرارات وما رافقها من أفكار وشعارات كأمر غير قابل للتنفيذ، ومن شأن نقله إلى الواقع أن يثير ردود فعل واسعة داخلياً (في صفوف الجيش والقوى المحافظة) إقليمياً (لدى الرياض وصنعاء) لا قِبَل للحكومة والنظام بمقاومتها. الأول لا يجد سبيلاً لتنفيذ القرارات من غير إطاحة الثاني. والثاني يرى إخراج الأول من دائرة التأثير شرطاً لمحاصرة التطرف والاندفاعات.
لكن ثمة قوة أخرى، هي القيادات العسكرية التقليدية، كانت تعطي تأييدها للفريق "اليميني"، كما كان يطلق عليه البعض، وتضع ثقلها إلى جانبه من جهة، وتتمايز عنه في استئثارها بأحقيتها في دور أكبر في السلطة نظير مواقفها الداعمة للجبهة القومية من جهة أخرى.
إلى جانب الفريق الأول، وقفت مجموعة من القيادة العامة ومناضلي حرب التحرير والقاعدة الصغيرة للتنظيم السياسي وتشكيلات جيش التحرير وقطاع الفدائيين، فيما تصدّر الفريق الثاني الرئيس قحطان الشعبي وعدد من أعضاء القيادة العامة، فضلاً عن قيادات مؤسستي الجيش والأمن. أما المزاج الشعبي العام، فقد كان مزاجاً ثورياً إلى جانب الفريق المتحمس لقرارات المؤتمر الرابع، باعتبارها باباً إلى التحويل الثوري وإلى الرخاء والاستقرار وإنهاء مظاهر التخلف والعجز، كما كان يُطرَح.
توترات وخوف وشائعات .. ما سبهها ؟
عرضن لنا الرئيس علي ناصر في العدد الفائت حول المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية خرج بجدال و صراع فكري بمقاييس جديدة وفي هذا العدد يروي لنا كيف كانت التوترات والشائعات والخوف تجاه انخراط قطاعات عسكرية وقبلية ضد قرارات المؤتمر ..وبقية التفاصيل يسردها الرئيس ناصر حيثا قال :" كان الجوّ مشحوناً بالتوتر والظنون والشائعات والأسئلة والخوف، وقد تفاقم بفعل الحملة المنظمة التي انخرطت فيها قطاعات عسكرية وقبلية ودينية واسعة ضد قرارات المؤتمر، بدعوى التصدي ل"خطر الشيوعية"... إلخ، وجاءت طريقة إعلان قرارات المؤتمر لتدشن أولى خطوات التصعيد، إذ انفرد الفريق "اليساري" المتحمس بإعلان تلك القرارات وسط مهرجانات شعبية انفعالية واسعة أُعدّ لها بأساليب التحريض، وضمن شعارات كان واضحاً أنها موجهة ضد مؤسسات قيادية محددة. ولم يكن من الصدفة أن يجري الإعلان نفسه للقرارات وتنظيم المهرجانات دون علم الأمين العام للجبهة القومية، رئيس الجمهورية قحطان الشعبي ومعرفته، فردّ على ذلك بتوعد القائمين بهذه الفعالية السياسية وهذا "الاستعراض"، وباستخدام سلطاته رئيساً للجمهورية، وراح يوجه هيئات الجيش والأمن والحكومة ضدهم، وازداد الأمر تفاقماً حين رعى سالم ربيع علي مهرجاناً كبيراً في زنجبار لهذا الغرض، وألقى فيه خطاباً نارياً أثار هياج الجماهير، داعياً قيادات التنظيم إلى "أن تحدّد موقفها من قرارات المؤتمر الرابع". وفيما أُذيعت كلمته من إذاعة عدن (من
غير علم الرئيس وإذنه)، وعلمت الرئاسة بوقائع المهرجان وأجوائه وشعاراته، ازداد الوضع السياسي توتراً في وقت كانت القيادة العامة تعقد فيه اجتماعاتها لمناقشة مسوَّدة قانون الإصلاح الزراعي من 15 إلى 18 آذار/ مارس 1968م، وكذلك قضية مصير قرارات المؤتمر الرابع وآلية تنفيذها.
وفيما استمرت آثار مهرجان زنجبار بالتوسع والتداعي، أُعلن قرب عقد مهرجان آخر في العاصمة عدن في الاتجاه والهدف نفسيهما، وحُدِّد اليوم والمكان، وانطلقت حملات التعبئة الجماهيرية، وانتشرت في كل مكان اللافتات الحمراء التي تبايع قرارات المؤتمر الرابع وتحرّض على "أعدائها" وتعلن "هذه هي الميليشيا"، ما أثار مخاوف كثير من العسكريين، وبعض تشكيلات الفدائيين. كذلك استُثير الرئيس الذي رفض فوراً الدعوة لحضور المهرجان، تعبيراً عن استيائه وغضبه.
حماسةً وبهجة المواطنين .. لهذا السبب !
ويواصل حديثه ويقول :" في ذلك اليوم، التاسع عشر من آذار/ مارس 1968 توجهت إلى ساحة المقرّ العام للجبهة القومية في كريتر على ساحل خليج عدن مواكب المواطنين الممتلئة حماسةً وبهجة. وقبل الشروع بافتتاح المهرجان والبدء بالخطابات، حضرت فرقة من الفدائيين المسلحين بقيادة عبد الله النسي، وعلوي حسين عمر (فرحان)، وأحمد علي العلواني (حسان)، وصالح علي ناصر عواس، وعلي القفيش للمشاركة والحماية، لكنها سرعان ما اختلفت مع منظمي المهرجان والمسؤول المكلَّف به، وهو عبد الكريم سلام (صالح عبد الكريم) حول شعارات "هذه هي الميليشيا" و"كلنا ميليشيا"... إلخ، حيث رأى العسكريون أنّ هذه الشعارات موجهة ضدهم، لأنها تعني إحلال الميليشيا محلّ التشكيلات الرسمية للفدائيين والقوات المسلحة كلها.
أوشك الخلاف أن يؤدي إلى الانفجار وسط استنفار القيادة العسكرية وتصاعد الهتافات والشعارات المتحدية، والمطالبة بإلغاء الجيش والتشكيلات وتسريح موظفي الدولة. كان الوضع في غاية الخطورة والتوتر، ولم يكن لينقذ الناس من المذبحة غير حكمة العقل التي شاءت المصادفات أن تصدر عن بعض القيادات، ومن بينهم سالم ربيع علي وعلي صالح عباد (مقبل)، حين قدم الأخير من أبين ولاحظ حالة الاستقطاب والتوتر، فطلب من منظمي المهرجان إلغاءه وتفريق المواطنين وإنهاء مظاهر التوتر والاحتقان. وقد حصل ذلك فعلاً، غير أنّ فتيل التصعيد والصراع لم يُنزَع، ويبدو أنّ الجميع كانوا يرون الخطر وينتظرون ساعة الحساب.
لماذا غادر مقبل والخامري الى منزل علي البيض ؟
ويستدرك بالحديث :" غادر "مقبل" والخامري ساحة المهرجان وتوجها إلى منزل علي سالم البيض، وزير الدفاع آنذاك، فلاحظا أنّ حراسته قد تغيرت. استفسرا منه الأمر، فعرض التطورات بنوع من الهلع والتوتر، وأفادهما بأنّ ثمة في الجو "مؤامرة"، وأنّ حراسه - وحتى سائقه - لم يُسمَح لهم بأداء واجبهم، وأنه قرر دون العودة إلى الرئيس قحطان الشعبي (القائد العام الأعلى للقوات المسلحة) تعيين محمد صالح مطيع قائداً لسلاح الطيران، ومحمد سعيد عبد الله (محسن) قائداً للبحرية . وقرّر أيضاً صرف الطيارين البريطانيين من الخدمة، وأمر بإعادتهم إلى بلادهم. وحين سألاه عن مصير المهندسين البريطانيين في الجيش، قال إنه احتفظ بهم. عندما سُئل علي سالم البيض لاحقاً عام 1986م عن هذا القرار الفردي الذي اتخذه، قال إنه تشاور بشأن ذلك مع عبد الفتاح إسماعيل الذي كان حينها وزيراً للثقافة، وكان يومها يتناول وجبة الغداء من العصيد، كما قال بصوته في أحد المحاضر، وإنّ عبد الفتاح التفت إليه وهزّ برأسه بالموافقة، بينما كان يبتلع لقمة العصيد، وقال له جار الله عمر، عضو المكتب السياسي، إنّ هذا "المبرّر لاتخاذ القرار غير مقنع، فعبد الفتاح لم يكن إلّا عضواً في مجلس الوزراء"، فردّ البيض حينها ب"أنّ عبد الفتاح يمثّل اليسار، وقحطان الشعبي يمثل اليمين الرجعي". وكان لذلك القرار أثره السلبي على قوات البحرية والطيران وبقية القوات المسلحة، وعلى استمرار توريد قطع الغيار للأجهزة والمعدات التي تركتها لنا بريطانيا عند انسحابها! وعلى العلاقة مع الحكومة البريطانية والمساعدات التي وعدت بها والتي تُقدَّر ب 60 مليون جنيه إسترليني، حسب مفاوضات جنيف في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1967م، إضافة إلى تأثر العلاقة بدول المنطقة المرتبطة بعلاقات مع الحكومة البريطانية، وأثّر هذا القرار أيضاً في معاشات الموظفين في الإدارة البريطانية.
الوضع على حافة الانفجار ما هو السبب ؟
ويردف قائلاً :" اقترب الوضع من الانفجار، امتداداً من عدن حتى حضرموت، مروراً بكل المحافظات، وظهرت إلى السطح طائفة من التصورات والأفكار فوق سلسلة من الاحتكاكات والتداعيات الفكرية والسياسية المتضاربة، فتقدّم تحالف رئيس الجمهورية خطوة نحو تحجيم نشاط الفريق الآخر. وُضعت ابتداءً من ليلة 19 آذار/ مارس خطة للتحرك، أرادها الرئيس قحطان الشعبي محدودة في إطار كبح الفريق المتشدد، وأرادها العسكريون حركة انقلابية كاملة.
في ذلك الوقت أنهت محكمة الأمن العليا محاكمة مَن قُبض عليهم من السلاطين والأمراء والمشايخ وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد ووزراء حكومة الاتحاد وبعض كبار الموظفين لدى الإدارة البريطانية، وأصدرت بحقهم أحكاماً مختلفة. ومن البديهي أن يستفيد الرئيس من هذه الأحكام بمواجهة الطرف الآخر الذي رحّب بالأحكام وأعطاها بعداً معيَّناً انعكس في الترحيب الشعبي الواسع.
ويتابع حديثه ويقول :" إلّا أنني لا أجد وجاهة للاتهامات اللاحقة التي وجهت إلى الرئيس قحطان الشعبي بأنه المدبر والراعي لخطة التحرك العسكري الذي جرى مساء التاسع عشر من آذار/ مارس وصباح العشرين منه من قبل القيادة العسكرية والأمنية التي كان يصنّفها البعض بشلّة العقداء، ويطالب بتحويل جماجمهم إلى منافض للسجائر، كما أشرنا سابقاً. فثمة، حقاً، مسافة بينه وبين المجموعة العسكرية الطامحة إلى السلطة، على الأقل عند نقطة ذلك الطموح الذي يعني بداهة إزاحته من مركزه. ولكني أفترض أنّ الجانبين وجدا سبباً للتعاون والتنسيق، يتمثل بمواجهة ما كان يُسمى "اليسار" ونشاط رموزه وراكبي موجته الذين كانوا يسعون للوصول إلى مركز صنع القرار في الدولة، وهو ما حصل بعد ذلك في حزيران/ يونيو 1969، ويجب أن نعترف بعد هذه التطورات التي شهدتها اليمن الديمقراطية بأنّ الصراع كان في ظاهره أيديولوجياً بين اليسار واليمين، ولكن الصراع كان من أجل السلطة والاستئثار بالقرار.
----------------------------------------
هوامش /
1- تجربة اليمن الديمقراطية.
2- الجبهة القومية والكفاح من أجل الاستقلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.